الأمل موصول.. والبركة فى اللى جى
مثل ملايين المصريين من البسطاء انتظرت خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حفل الإفطار السنوى.. الخطاب وتوقيته فى ظل الظروف الصعبة التى يعيشها العالم بأسره وتعانى منها الطبقات الفقيرة فى العالم كله.. والأغنياء أيضًا.. وفى ظل أجواء مشحونة بالتشكيك فى قدرة مصر وناسها على عبور ذلك النفق الذى دخله العالم بأجمعه عقب كورونا ومن بعدها حرب الروس والأوكران.
انتظرت الخطاب وبداخلى حالتان متناقضتان.. حالة الحائر المتوجس القلق من المستقبل.. وفى نفس الوقت حالة المصرى المسالم الحالم الواثق فى حماية الله لهذا البلد وناسه.. وقدرة أهله على تجاوز أى صعب، ورغم أن الخطاب به من المصارحات ما يفوق قدرة المواطن العادى الذى لا يملك من المعلومات والقدرة على التحليل مثل ما يفوق قدرته على التصور.. إلا أن حالة التفاؤل التى أعقبت انتهاء الخطاب أيضًا عالجت الكثير من مواطن القلق واليأس التى انتابت الكثيرين منا فى الأيام الأخيرة.
ذلك الأمل لم تحمله فقط قرارات الرئيس المتتالية والواضحة والحاسمة والمبشرة فى آن واحد.. لكن ما بين السطور كذلك.. وكل تفصيلة فى ذلك الخطاب تدعم ذلك الإلحاح على التفاؤل.. على أننا فى الطريق الصحيح.. نواجه تحديات جمة.. لكننا قادرون على تجاوزها أيضًا.. الأرقام التى استعرضها الرئيس ليست صماء على الإطلاق.. وعلينا أن نتوقف أمامها كثيرًا.. ما يقرب من أربعة آلاف شهيد.. و١٢ ألف مصاب فى معركة على الأرض استمرت لأكثر من سبع سنوات أنفق فيها الجيش ٨٤ مليارًا.. هذه الأرقام وحدها تأخذنا فورًا إلى بشاعة ما كنا نجابهه.. وجملة اقتصاد الحرب التى أشار إليها الرئيس.. وقد كانت خيارًا مطروحًا لم تأخذ به مصر.. يعيدنا إلى أيام صعبة عاشتها مصر فى فترة حرب الاستنزاف.. ولا شك عندى فى أن من كنا نحاربهم كانوا يستنزفون قدراتنا.. رجالنا.. جيشنا.. اقتصادنا.. حياتنا.. أرواحنا.. وأجسادنا.. ومساحات الأمل فى نفوسنا أيضًا.. وما دفعناه من ثمن غالٍ.. فلا شىء أغلى من دم الأبناء.. لم يذهب هدرًا.. هذه الدماء هى التى حمت البلاد من «السقوط» الذى أراده لنا المتربصون بنا.. الدولة الفاشلة التى كانوا يخططون حتى نصل إليها.. خرجت بدماء شهدائها وتضحياتهم من النفق الذى حفروه لها أكثر قوة وشبابًا.
ولأن مصر.. لم تتوقف عند الحرب فقط.. وكأنها كانت طيلة سبع سنوات تحارب بيد وتبنى باليد الأخرى ما تسبب فيه إهمال سنوات طوال تعدت نصف القرن.. كان أن استعادت أنفاسها فى نفس اللحظة التى انتهت فيها «حرب سيناء» أو كادت.. وما زرعه أولئك الأوغاد فى أرض سيناء الطاهرة من ألغام ومتفجرات ناسفة أشار لها الرئيس فى خطابه ليست وحدها هى ما تبقى من «ذيول» لهؤلاء الأوغاد والمارقين.. لكن محاولات التشكيك فى قدرتنا على العبور والوقوف مجددًا هى أيضًا من قبيل تلك الألغام.
سعدت بكلمات الرئيس عن «الوطن الواحد الذى يسع الجميع.. وعن الاختلاف فى الرأى الذى لا يفسد للوطن قضية.. المسألة ليست فى حوار سياسى يشارك فيه كل أطياف وفئات المجتمع المدنى ورجال الأحزاب وشبابها حول أولويات مصر فى المرحلة المقبلة.. فقد سبقت هذه الدعوة، التى أعتقد أن الجميع مطالب بتلبيتها والإسراع فى تبنيها بمشاركة فعالة، مطالبات بهذا الحوار وفتح المجال العام.. إذن هى دعوة لحوار فاعل لا تنظير وممارسات سياسية مراهقة.. فاللحظة التى نعيشها لا تحتمل أى مراهنات أو مزايدات.. ذلك الحوار المنتظر أشار فيه الرئيس إلى أن التفكير فيه مسبق.. وأن الوقت قد حان الآن للبدء فيه فى ظل الإعلان عن «الجمهورية الجديدة».. الجمهورية الحديثة المدنية العصرية.. جمهورية الفلاحين الذين يزرعون الأمل.. والصناع والعمال والمبدعين.. دولة قائمة على الشراكة والعمل.. هكذا فهمت.. وأظننى لم أفهم بشكل خاطئ.. وأعرف أن هناك من سيزايدون على من تفاءل مثلى ومن سيشارك من قوى المجتمع المدنى الفاعلة.. ولهؤلاء أقول وبوضوح.. لا مجال الآن وفى هذه اللحظة بالذات للمتخاذلين والمتحذلقين وأصحاب النظريات البراقة والجوفاء فى آن واحد.
هى ليست نهاية الطريق.. بل هى بدايته.. وبالمناسبة لا يوجد فى أى عمل.. سياسيًا كان أو غير.. أن يمر بدون صعوبات.. لن تكون هناك بدايات سهلة ولم تكن قبل ذلك.. لا شىء يحدث صدفة.. ولا نتائج بدون عمل.. لا يوجد مصرى عاقل لا يؤمن بالحوار كوسيلة هى الأضمن والأبقى لما فيه مصلحة بلد كامل.. لا وجود للمصالح الحزبية الضيقة وشغل الزعامات التى عانينا منها فى السنوات الماضية.. فلنبصر وجه الوطن أولًا بقلوب صافية ونوايا طيبة.. لا شىء يحدث صدفة.. ولا يوجد مِن بيننا مَن يملك الحقيقة المطلقة.
ربما يقول بعضنا.. وأين كانت هذه السياسة.. فيما مضى.. وأعتقد أن الإجابة واضحة.. البلد فى حالة حرب.. كان ولا يزال.. ولا أعتقد أن حرب البناء تقل ضراوة وتكلفة عن الحرب مع الإرهاب.
لقد انتهت الحرب المباشرة.. أو تكاد.. لكنهم حتمًا مستمرون فى حربهم بطرق أخرى.. أو على الأقل.. الظروف التى تسمح بوجود مثل هؤلاء ومن يتبعونهم ستستمر لو أننا لم نبنِ.. الفقر والجهل والمرض بيئة صالحة دومًا للتطرف.. اليأس والإحباط وعدم القدرة على اقتحام الحاضر الصعب.. تربة خصبة لعودة أمثال هؤلاء مجددًا حتى وإن كان فى صيغ أخرى.
ما وصلنى من خطاب السيد الرئيس كثير.. وأعرف أن أهلى البسطاء فى ريف مصر ونجوعها.. ينتظرون أن تتحول التكليفات التى أمر بها الرئيس إلى واقع يمسكونه باليد.. دعم وتحفيز مزارعى القمح على سبيل المثال.. سيتحول من الليلة ولأيام مقبلة إلى أحلام ينتظرونها على أبواب بيوتهم ورءوس غيطانهم فى صورة سعر جديد لتوريد القمح أو انخفاض مباشر لشيكارة «الكيماوى» مثلًا.. أو سعر التقاوى التى سيزرعونها فى الموسم المقبل.
عشرات المكالمات الهاتفية وصلتنى عقب خطاب الرئيس ولأكثر من ساعتين تسأل عن التفاصيل.. عما سيحدث فى البورصة وفى أمر مشاركة القطاع الخاص وعن التسهيلات المنتظرة فى عمليات دعم الشركات الناشئة.. الصغيرة منها بالذات عن «الصناعات الوطنية» وعن كثير رأوه بعيونهم وعقولهم المحبة لبلدهم وبأمل أكبر فى مستقبلها.
على أهل السياسة فى بلدنا.. أن يتذكروا ماذا يعنى حوارهم المرتقب- الذى وعد الرئيس بالمشاركة فى مراحله النهائية- بالنسبة لأهل مصر جميعًا بكل انتماءاتهم وأهوائهم.
هى أيام مفترجة لا شك.. وأعتقد أن التفاؤل هو طريقنا الوحيد للوصول.. المعرفة وسيلتنا ودستور أيامنا المقبلة لا شك.. والأجيال الشابة التى يعنيها المستقبل بشكل أساسى.. وتستعجله مطالبه بالدخول فورًا من هذه البوابة.. بوابة الحوار للبناء والمواجهة.. وعلينا قبل أن نتحاور أن نسأل أنفسنا.. ماذا نريد.. وماذا سنفعل لنحقق ذلك الذى نريده.. ولا أعتقد أن هناك مصريًا واحدًا يحمل قلبًا سليمًا يريد شيئًا سوى الخير لهذه البلاد.