(الاختيار3 ) ..ومن يكتب التاريخ!
(1)
♦هل حقا..التاريخ يكتبه المنتصرون؟
من المفارقات الكبرى أن هناك وقائع غائرة القدم أثبتت كذب الإدعاء أن التاريخ يكتبه فقط المنتصرون. من تلك الوقائع معركة حدثت منذ حوالى ثلاثة آلاف وثلاثمائة عام اسمها معركة قادش بين الجيش المصرى وجيش الحيثيين الآسيوى والتى بدأها رمسيس الثانى بهدف محدد وهو منع غزو مصر..كل محاولات تزييف حقيقة انتصار مصر وتحقيقها لهدفها كان مصيرها الفشل.
ولم يكن مصدر الحقيقة الأوحد هو ما تركه المنتصر رمسيس الثانى..بل ما جادت به وثائق الحيثيين، ثم ما أكدته الوقائع التالية للمعركة حين عرض الحيثيون على رمسيس الثانى توقيع اتفاقية االسلام الأقدم فى العالم القديم، بل وعرضوا عليه أن يتزوج اثنتين من أميراتهم!
♦إن دراسة تاريخ الأمم السابقة أثبتت أن التاريخ تكتبه جميع الأطراف المعاصرة لأحداثه حتى بمحاولات التزييف التى تقوم بها بعض تلك الأطراف! ثم تثبته القرائن والوثائق شهود العيان.
(2)
♦ماذا يفعل المهزومون؟!
إن كان للمنتصرين فرصة لكتابة التاريخ كما يتوهم البعض، فإنه وفى أوطان الشرق تحديدا ولأسباب نفسية وأيديولوجية، يمتلك المهزومون فرصا أكثر لتزييف التاريخ وكلمة السر ..البكائيات!
فى محيطنا الإقليمى ومنذ العصور القديمة وحتى الآن، هناك مجموعتان فقط نجحتا فى تزييف التاريخ، إحداهما نجحت فى تزييفه لقرون، بينما نجحت الأخرى فى تزييفه لعقود قبل أن تتكشف الحقائق فى كلتا الحالتين.
♦المجموعة الأولى هى مجموعات اليهود المتتالية ابتداء بالمجموعات القديمة التى نجحت فى تزييف التاريخ المصرى القديم قبل أن يفضح تزييفهم علماء المصريات فى العقود الأخيرة، ثم مجموعات الصهيونية التى نجحت فى تزييف التاريخ الحديث إلى حد سرقة وطن وإلى حد أنها أقنعت قطاعات من المصريين أنهم لم ينتصروا فى حرب أكتوبر!
♦أما المجموعة الثانية فهى جماعة الإخوان المسلمين التى نجحت نجاحا مبهرا منذ ثلاثينات القرن الماضى وحتى عام 2011م فى تزييف تاريخ الجماعة المسلحة وفى تزييف تاريخ الدولة المصرية ذاته!
أقنعت جماعة الإخوان المصريين أنها جماعة دعوية رغم أن وثائق التنظيم السرى المسلح التى أثبتت أنها جماعة سرية مسلحة قد فضحتها واقعة السيارة الجيب فى أربعينات القرن الماضى!
♦كما أقنعتْ المصريين -وحتى إنتاج مسلسل الجماعة فى السنوات القليلة الماضية – أنهم ضحايا عبد الناصر وسجونه ومعتقلاته ودمويته! رغم أن وثائق جرائمهم كاملة كانت موجودة فى ملفات فى مكان ما فى مصر!
♦أقنعت الجماعة المصريين أن أبناءها هم خيرة شباب مصر تعليما رغم أننا جميعا رأينا كيف كان يتم تجنيد المتفوقين الفقراء فى جامعات مصر مقابل تسهيل حصولهم على درجات علمية بمساعدة أساتذة جامعيين موالين للجماعة!
(3)
♦ما الذى يفعله مسلسل الاختيار 3؟
هذا العمل الدرامى الوثائقى هو حالة فريدة فى منطقة الشرق الأوسط. هو محاولة لتصويب أخطاء مصرية كبرى مر عليها عقود كثيرة وهو أننا قد تركنا التاريخ مطية لمحترفى خلق البكائيات. من مفردات ذلك الخطأ أننا انتظرنا أكثر من نصف قرن حتى يقرأ المصريون وثائق واقعة السيارة الجيب التى تمثل الدليل الأقوى والأصدق على أن جماعة الإخوان ومنذ تأسيسها هى مليشيا مسلحة تعتنق سفك الدماء مذهبا وطريقا وتتخذ من الإسلام مطية لاختطاف حكم مصر.
♦إن ما يفعله مسلسل الاختيار باختصار هو أنه يمنع تكرار هذه الخطيئة الكبرى. يمنع أن تتحول الكذبة مع مرور العقود وفى عقول الأجيال التى لم تعاصر الأحداث إلى حقائق كبرى.. يمنع أن يتم طمس أدلة الجرائم التى اتركبتها الجماعة من سفك دماء وخيانة واستباحة للمصريين وأرضهم وأماكن عبادتهم وأموالهم!
♦فهل كان من المفترض أن ننتظر نصف قرن آخر حتى ندافع بالوثائق عما رأيناه وعاصرناه؟! هل كان من المفترض أن نترك خلال هذه العقود الباب مفتوحا على مصراعيه لسيل الأكاذيب داخل مصر وخارجها؟! هل كان من المفترض أن ننتظر حتى نرى كتبا تباع على أرصفة المساجد تتحدث عن القتلة وتصفهم بأنهم شهداء الإسلام مثلما حدث مع سيد قطب مثلا؟!
(4)
♦عن نقاد الدراما!
♦إن من يحاولون وضع (الاختيار3) تحت مقصلة النقد الدرامى والفنى يقومون ولا شك بقصد أو بغير قصد بمساعدة من يحاولون التشويش والتعتيم على أدلة الجرائم التى يتم بثها فى المسلسل.
إننا وباختصار حين نجلس كل مساء انتظارا لكل حلقة، لا نفعل ذلك جوعا لعمل درامى، وإنما شوقا لمشاهدة أكبر قدر ممكن من أسرع عملية توثيق تاريخى تتم فى مصر المعاصرة.
♦إعلامية مصرية تعمل بالنقد الفنى كتبت وهى تمتدح أحد مسلسلات رمضان تعريضا مباشرا بالمسلسلات الوطنية (الاختيار والعائدون)، ومن جملة ما قالته إنها لا ترغب فى مشاهدة مسلسلات تعلمنا الوطنية بالعافية..!
♦إننى أقول لها ولغيرها إن صناع مسلسل الاختيار لا يحاولون تعليمك الوطنية بالعافية، وإنما يحفظون للأجيال المصرية التى عاصرت ودفعت الثمن حقها فى حماية تاريخهم قبل أن يسطو عليه أمثالك بعد عقدٍ أو عقدين حين تكتبون ساعتها عشرات الأعمال الدرامية عن بكائيات الجماعة الإرهابية وعن حكم العسكر! ويكون ساعتها العنوان براقا مثل حرية الإبداع وتكون ساعتها ذاكرة السمك قد قامت بدورها مع ملايين المصريين!