«بيوت الأثرياء تفتح للغرباء» ذكريات جمال الغيطاني في شهر رمضان بحي الجمالية
“كانت الأسابيع المؤدية إلى رمضان تشهد انتظار الليلة الأولى، بل إن استعدادات ليلة الرؤية كانت تبدأ بعد ليلة النصف من شعبان”.
سرد الأديب جمال الغيطاني ذكرياته عن شهر رمضان في حي الجمالية في حواره لجريدة “الوفد” 1989.
وقال جمال الغيطاني أنه في فترة الطفولة كان يعد الأيام المتبقية حتى إذا دنت ليلة الرؤية تزدحم حارة درب الطبلاوي التي كان يسكن فيها، ويزدحم شارع قصر الشوق بالحركة بعد صلاة العشاء في مسجد سيدي مرزوقن وفور إعلان ثبوت الرؤية تبدأ التهاني عبر الشرفات ويظهر بائعوا اللبن الزبادي والفول وتلتف مآذن المساجد بأحزمة الضوء.
وتذكر “الغيطاني” أنه في أول نهار رمضان كانت يختلف عن كل ما سبقه، إذ يسيطر الهدوء ويسعى الناس لإغلاق المقاهي كلها، ويبدأ التجار في إعادة ترتيب البضاعة وإخراج أجمل ما فيها، وعندما يقترب الغروب، يخرج مع زملائه للتجمع أمام مسجد سيد مرزوق في انتظار المغرب.
روى، أن أحد التجار اسمه “البولاقي” يقف خلف المنضدة الكبيرة وعليها أطباق ممتلئة بجميع أنواع المخلل، ووصفه بأنه كان رجلا نحيلا قصيرا، قال: “لا أذكر ماذا كانت وظيفته بالضبط أو عمله الأصلي، ولكنه في رمضان يتفرع لإعداد المخلل فقط في الأواني الزجاجية التي كانت مليئة بالليمون، أو أن أخرى حافلة بكل ما لذ وطاب، فطبق المخلل كان من لوازم المائدة الرمضانية”.
وكانت توضع قلل الفخار أمام المساجد حتى يشرب منها عابرو السبيل إذا أدركهم مدفع الإفطار في الطريق.
وفي طفولته، كانت بيوت الأثرياء تفتح في رمضان وتوضع أطباق الطعام وتتاح للغرباء، يدخل أحدهم فلا يسأل عن شخصه ولا عن قصده، روى: “وقد أدركت بقايا هذا التقليد في خان الخليلي عندما كان بعض الصناع، وكبار التجار يتناوبون طوال الشهر إقامة موائد الإفطار للغرباء، وكان ذلك في منتصف الستينات”.