ظهور استراتيجية أوروبية جديدة نتيجة أزمة الحرب الروسية الأوكرانية
هناك محاور أساسية تجعل المحلل الاستراتيجي يرى الأزمة العالمية بعد غزو روسيا لأوكرانيا، برؤية تختلف عن معتاد أي أزمة دولية أخرى، أبرزها كالآتي:
- توغل روسيا العسكري المتهور في العمق الأوكراني، ضمن خطط عسكرية تقليدية.
- تضارب قرارات حلف الناتو، والإدارة الأمريكية، وبعض الحلفاء، عسكريا وسياسيا وثقافيا.
- تحرك الأمم المتحدة، مجلس الأمن، المنظمات السياسية والاقتصادية والأمنية لمحاولة احتواء التورط الروسي في العمق الأوكراني، بما في ذلك الابتعاد عن نظرية الحياد اللازمة في حالات الحروب القارية.
- ظهور أقطاب ودول لها سياستها جراء مسارات الحرب، بالرغم من نتائجها، ونموذج ذلك جيوسياسيا، الصين والهند والخليج العربي وإسرائيل، وإيران، وتركيا.
- زيادة النفوذ الأمريكي على النفوذ العسكري التقليدي لحلف الناتو، ما أدى إلى خلخلة في خطط مقاومة التوغل الروسي وخطره في أوكرانيا.
- روسيا إعلاميا وسياسيا، وعسكريا، انتبهت بحسب المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، التي قالت: إن الولايات المتحدة تريد تحويل الاتحاد الأوروبي إلى "ملحق بحلف شمال الأطلسي"، وإلى "قسم اقتصادي إقليمي".
- زاخاروفا، ترى القصة جيوسياسية في البعد الأمني، وبالذات الإشارة إلى : "تريد واشنطن تحويل مشروع التكامل الأوروبي إلى ملحق لحلف شمال الأطلسي، إلى دائرة اقتصادية إقليمية، وضمن تكوين جديد فعلي للسيطرة على العالم الغربي بأكمله من داخل سياسة البيت الأبيض.
*أوروبا ودلالات الحرب اقتصاديا وأمنيا
الخارجية الروسية، وهي تعلم أن بوتين يقود الحرب، تلفت إلى أن أوروبا بدأت تخسر اقتصاديا وسياسيا وعسكريا: "الاتحاد الأوروبي كان رابطة اقتصادية بحتة منذ عقود. في إطاره، جرى تنسيق الملفات السياسية العامة، بما في ذلك الخط المشترك للسياسة الخارجية، لكن القضايا العسكرية والدفاع الوطني لم يتم رفعهما إلى مستوى الاتحاد".
روسيا انتابتها حالة من الخوف، كان التوقع ان لجولة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأوروبية، بدت آثارها في قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة في بروكسل، دعا علنا الناتو والاتحاد الأوروبي إلى الاتفاق فيما بينهما على "شراكة عميقة" لأغراض دفاعية.
تعيد زاخاروفا، قدرة روسيا على فهم الاستراتيجية الأمريكية، توصلت باستنتاج تاريخي خطر، مفاده بأن خطة الاستراتيجيين بواشنطن هي عكس ذلك تمامًا، و"بما أن الولايات المتحدة هيمنت على الناتو منذ تأسيس الحلف، فهي ترغب أيضا في ألا يترك كل ما حصل "تحت مظلة" الاتحاد الأوروبي من دون إشرافهم.
*ما الذي تكشفه الحرب؟
هل صحيح أن واشنطن “لا تريد تطوير أوروبا، ولا تريد رؤيتها قوية وموحدة ومستقلة، و أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان مدعوما من الولايات المتحدة، وكذلك، عملية التحريض على طبيعة العقوبات المناهضة لروسيا، والتي تضرب أوروبا في المقام الأول، يثبتان ذلك”.
بوتين، يمتلك بين يدية، كل خطط زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة بروكسل، الذين وافقوا على أول استراتيجية دفاعية للمجتمع، تحت مسمى "البوصلة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي.
مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية، جوزيب بوريل، اخترع نظرية تقليدية، تنظر إلى ما يحدث، بما في ذاكرة أوروبا، القارة العجوز من تاريخ عسكري بائس، وإلى أن دول الاتحاد، في إطار مفهوم الدفاع الجديد، تعتزم العمل بشكل أسرع وأكثر حسما في مواجهة الأزمات، وضمان أمن مواطنيها في مواجهة التهديدات المتغيرة بسرعة، والاستثمار في القدرات العسكرية والدخول في شراكات مع دول أخرى، للوصول إلى هذا الهدف.
.قمة قادة دول الاتحاد الأوروبي، ناقشت بعيدا عن تأييد أو موافقة الولايات المتحدة، مسألة تعزيز السياسة الأمنية والدفاعية، ومشروع "البوصلة الاستراتيجية" في هذا المجال. المشروع يشمل خططًا لقوة دفاعية أوروبية، ولكنها لن تكون قوة منافسة للناتو.
*تفاصيل مثيرة للجدل
تحمل الخطة الأمنية الجديدة للاتحاد الأوروبي عنوان"البوصلة الاستراتيجية"، وهي كلمة تعبر بالمعنى الحرفي عن المضمون، إذ تتكون ورقة العمل من 40 صفحة(...) تلقي نظرة شاملة على الكرة الأرضية بأكملها، وستشمل خططًا لتأسيس قوة دفاعية، ولكنها لن تكون قوة تنافس الناتو.، برغم هيمنة الرؤية العسكرية للناتو أولا.
بوريل، ممثل الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي حدد ذلك بالقول: "يجب أن تتعلم أوروبا التحدث بلغة القوة".
حلف الناتو، والإدارة الأمريكية، كيانات تعتبرها روسيا، بحربها العدوانية المستمرة ضد أوكرانيا، والصراعات في جورجيا ومولدوفا، والدور الذي تلعبه دول مستبدة مثل بيلاروسيا، هي التهديدات الرئيسية لأوروبا، عدا عن السياسة في الصين، والوضع غير المستقر في غرب البلقان، والإرهاب الإسلاموي في منطقة الساحل الأفريقي، والصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، إلى جانب الاهتمام المتزايد بالهند ومنطقة المحيط الهادئ، وأمريكا اللاتينية. بالإضافة إلى ذلك، هناك تهديدات سيبرانية وحتى من الفضاء الخارجي.بعيدا عن نتيجة التوغل الروسي في أوكرانيا.
*استراتيجية ضد استراتيجية!
يخضع حلف الناتو لسياسات بادت بعد أن ساد، يعمد إلى أحياء استراتيجية من /و ضد استراتيجية، والعودة إلى ما قبل ثلاث سنوات، عندما تم الترويج لفكرة "البوصلة الاستراتيجية" من قبل دبلوماسيين فرنسيين وألمان بالاتحاد الأوروبي، كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لا يزال في البيت الأبيض، حينما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حلف الناتو "ميت دماغياً"، وقال كبار النخب الإعلامية والسياسية، إن أوروبا تحاول أحياء العجوز وسط تحولات العالم، تحديدا بعد العولمة وتذويب العالم، والتحول الرقمي.
عمليا، استراتيجية ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية، تغيرت نحو ما حدث من ردود الفعل التي تزامنت مع إعلان الرئيس الأمريكي بايدن أنه يسمع قرقعة الحرب العالمية الثالثة، وتور بوتين وسط أوكرانيا.. هذا الأمر أرسى تغير الوضع في أوروبا بشكل جذري، بحسب قول الرئيس ماكرون مؤخراً إن "روسيا وجهت لنا دعوة للاستيقاظ. كنت دائماً اعتقد أننا بحاجة إلى درجة من الوضوح الاستراتيجي، والآن نحن في طور الحصول عليه".
وأضاف ماكرون أن حلف شمال الأطلسي تلقى "صدمة كهربائية" عندما هاجمت روسيا أوكرانيا.
جيوسياسية، وامميا، لا يمكن الدفاع عن أوروبا إلا بمساعدة الناتو، أي مع الحلفاء الأمريكيين. وهذا هو السبب في أن "البوصلة الاستراتيجية" للاتحاد الأوروبي لا تتنافس بأي حال من الأحوال مع الناتو، كما يقول مايكل غالر، عضو البرلمان الأوروبي وخبير السياسة الخارجية في الكتلة الديمقراطية المسيحية في البرلمان الأوروبي والذي يضيف بأن "الدفاع الجماعي يجب أن يستمر بالتعاون مع الناتو في المستقبل المنظور".
هيئآت ومنظمات الاتحاد الأوروبي، تفكر بصوت مرتفع، وتقر:أنه لا يمكن الدفاع عن أوروبا إلا بمساعدة الناتو، أي مع الحلفاء الأمريكيين.
أمنيا وعسكري، تخاف أوروبا الرد العسكري، بل تخاف قوة حلف الناتو العسكرية النظرية؛ ذلك السبب يعلل سرية وخصوصي "البوصلة الاستراتيجية" للاتحاد الأوروبي، التي، تبدو انها لا تتنافس بأي حال من الأحوال مع الناتو، وايضا لا تتعارض مع البند الخامس من ميثاق الحلف، في حالة الاعتداء العسكري، وتفسير ذلك وفق مصالح الحلف والولايات المتحدة، وضمن ذلك يقع التفكير وفق:"الدفاع الجماعي يجب أن يستمر بالتعاون مع الناتو في المستقبل المنظور".
*عضو الاتحاد.. عضو الحلف.. وأشياء أخرى
23 دولة من القارة العجوز، من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وهي عضو - أيضاً - فيحلف الناتو، وجميعها لها الحق بتحديد السياسة الدفاعية المشتركة، عدا عن مجالات التعاون العسكري والانفاق الدفاعي، مع طرح فرص حشد الموارد لتحقيق المزيد من الأمن ضد الهجمات الإلكترونية والتضليل العدائي، وتحليل جيوسياسية مستقبل الخارطة السياسية والامنية لأوروبا أولا.
*قوة تدخل مشتركة قوامها 5000 جندي
البنتاجون يؤكد أن كل شئ ممكن في عالم اليوم، وأن اختيارات بوتين لغزو أوكرانيا وترقيص رئيسها الممثل، وجعل منه دمية سياسية تقام المخرز الروسي، قضية قد تكون، مثار جدل، يساعد في نقاش الاتحاد الأوروبي مع القوة الحقيقية في الحلف، الولايات المتحدة، التي حددت ما تريد لمنع استخدام الجيش الروسي سلاح الردع النووي، برغم تهور بوتين ومجازر جيشه.
لهذا، تشكل القراءات الأولى في ورقة الإستراتيجية، يخطط الاتحاد الأوروبي لإنشاء قوة تدخل مشتركة قوامها 5000 جندي بحلول عام 2025، لتنسيق مشاريع التسلح بشكل أفضل، ولمواءمة الميزانيات العسكرية للدول الأعضاء، والتي من المقرر زيادتها. ويمكن بعد ذلك أيضًا أن يتم دعم المشروعات المشتركة من ميزانية الاتحاد الأوروبي.
وضمن السياق، والتخطيط، تتكوّن قوة التدخل السريع من وحدات "برية وجوية وبحرية"، وهي ليست جيشاً أوروبياً، وستكون قادرة على التنقل "لإنقاذ وإجلاء مواطنين أوروبيين" محاصرين في النازعات، دون تقييد لأطر التنفيذ.
عسكريا، وربما في ذات المفهوم الأمني، العملية وفق الاستراتيجية تقوم كالتالي: "في البداية تأتي عملية تحليل ماهية التهديد. تليها عملية جرد ما لدينا من وسائل. و استنتاج ما نحتاجه بالفعل". و إذا تم تنفيذ المشاريع الموجودة بالفعل في وكالة الدفاع الأوروبية (EDA) من خلال التعاون بشكل صحيح، فقد يكون هناك أيضًا دعم من الاتحاد الأوروبي، لوجستي وماليا واقتصاديًا، وربما استثمار الصناعات العسكرية.
*الحرب تدخل أسبوعها التاسع يا للهول
دبلوماسية المفاوضات والتدخل السياسي فشلت في ردع او اقناع بوتين بإنهاء التصعيد العسكري، العالم يكتشف المجازر البشعة بحق الإنسانية في أرجاء المدن الأوكرانية،.. وحلف الناتو مع القدر المهيمن دوليا الولايات المتحدة، تنتظر ظهور قوة تدخل أوروبية، وسط تخبط في إدارة مستقبل العالم.. لان بوتين ببساطة يقود قوات التدخل في أوكرانيا، ولم يهدأ.
تتدحرج أحجار على رقعة الشطرنج، يصل الدم، يلون قتاَمة الأسود ويوشح بياض الأحجار البيضاء.
.. يتذكر صاحبي المغني الجوال:
-.. معقول يا عالم.. الحرب تدخل أسبوعها التاسع،.. يا للهول، ضاعت بوصلتي!