«لمسة وفاء الأطباء العرب».. رفضوا الرحيل لإنقاذ جرحى الحرب «الروسية الأوكرانية»
7 أبريل من كل عام، تحتفي جميع دول العالم بيوم الصحة العالمي؛ لذا كان من الضروري الاحتفاء في هذا اليوم بالأطباء العرب الذين أقسموا على عدم التخلي عن البلد التي استضافتهم على أرضها، رغم ما كان يعاني منه البعض من التفرقة العنصرية، إلا أنهم أرادوا إثبات معدن الإنسان العربي الأصيل لجميع المجتمعات الغربية.
يسارعون الموت، لا يلتقطون أنفاسهم، يعملون طوال اليوم في إنقاذ المصابين؛ لوقف تزايد سيل الضحايا، الجميع يرفع يده للسماء لمناجاة الرحمن برفع البلاء، وفي الوقت الذي تقترب فيه سيارة الإسعاف من المستشفيات، يأملون شيئًا واحدًا، وهو أن تكون الإصابات ليست خطيرة، كونهم يخوضون معركتهم الخاصة لكسب الأرواح.
كان بإمكانهم النجاة بأرواحهم والفرار من الحرب مثلما فعل العديد من الأطباء الأوكرانيين، ولكن نجد منهم من تطوع جميع ذويه للعمل بالمستشفيات لسد أزمة نقص الأطباء، ومنهم من فضل إنقاذ المصابين عن توفير الآمان لأسرته، وآخرين لم يغادروا المستشفى منذ بداية الحرب حتى وقتنا الحالي.
طبيب عراقي: وجدت سيول من الجرحى أمام المستشفى
إطلاق صافرات إنذار الغارات الجوية، وهرولة الجميع إلى السراديب تحت الأرض، وصرخات الأطفال فزعًا من أصوات الانفجارات، أعادت إلى ذهنه مشاهد الحرب الطائفية التي عاشها بمسقط رأسه في مدينة بغداد بالعراق.
ففي عام 2009، توجه حيدر الزبيدي، إلى دولة أوكرانيا، تاركًا موطنه وعائلته، حاملًا معه شهادة الثانوية العامة؛ لدراسة الطب بجامعة “أوجكورود” الوطنية، وصار أستاذًا جامعيًا بها، ومتخصصًا في الجراحة العامة والأورام الخبيثة بمستشفى ضواحي مقاطعة “زكرباتيا”، واستقرت أحواله، حتى تزوج وأنجب طفلتين.
جاء اليوم المشؤوم، حين كان يلقي محاضرة على طلابه، عكر صفوها أصوات القصف، وإعلان الحرب، لذا أسرع إلى المستشفى بعد استدعاؤه من قبل الإدارة الطبية؛ ليجد مئات المصابين النازحين من الحدود الشرقية والعاصمة يتزاحمون أمام المستشفى.
كان أمام الطبيب العراقي خيارين، إما الهروب خارج الدولة بأسرته، وتوفير ملجئًا آمنًا لهم، مثلما فعل الكثير من الأطباء الأوكرانيين، بعد حصولهم على إجازات من العمل دون راتب، أو المخاطرة بروحه لإنقاذ الجرحى والمصابين.
لم يكن هينًا عليه رؤية الدولة التي درس وعاش بها مع عائلته تفقد أرواح أفرادها دون منقذ، لذا فضل "حيدر" البقاء؛ إيمانًا برسالة الطب السامية في مساعدة الآخرين بغض النظر عن القومية أو الدين أو اللون، ولم يضع في اعتباره العنصرية التي كان يعاني منها طوال فترة دراسته؛ كونه عربي الأصل.
أول أيام الحرب، لم تشهد المستشفى حالات مستعصية، استقبلت المصابين الهاربين من أماكن القصف، وكانت إصابتهم جروحًا بسيطة، ولكن بعد مرور ثلاثة أيام، تبدل الوضع تمامًا، ارتفعت أعداد المصابين، افتتحت أبواب المستشفى على مصرعيها كي تستقبل سيول من الجرحى دفعات واحدة، هكذا يصف الطبيب المشهد.
ووصف "الزبيدي" كواليس العمل داخل المستشفى: "أجريت 14 عملية جراحية للبالغين، و4 للأطفال، وحالتين يعانون من حروق شديدة، كانت الإصابات بالغة الخطورة، معظمهم يعانون من جروح وكسور وطلقات نارية وشظايا تحتاج إلى التدخل الجراحي فورًا".
عاد الطبيب بذكرياته إلى الرحلة الشاقة التي خاضها في محاولة إنقاذ أحد المصابين ذو الكتلة الجسمانية الكبيرة، والذي كان يعاني من بعض الشظايا التي أصيبت جهازه الهضمي، حين أتى إلى المستشفى عبر سيارة نقل، فلم تستطع سيارة الإسعاف نقله، وواجه حينها الطاقم الطبي صعوبة كبيرة في حمله، واستغرقوا وقتًا كبيرًا لإدخاله المستشفى.
ولم يكن التأخير في صالح المريض، حيث أدى إلى زيادة كبر حجم بطنه، ومعاناته من نزيف حاد، نتيجة تضخم الشظايا داخل تجويف البطن، حتى تمكن الطبيب من إيقاف النزيف، وإنقاذه في اللحظات الأخيرة قبل فوات الآوان، معبرًا: "أصعب العمليات التي أجريتها طيلة حياتي".
مواقف مريرة واجهها الطبيب الثلاثيني أثناء إنقاذ الجرحى، وحيرة شديدة تغلبت عليه ما بين تدخله السريع لنجدة المصابين القادمين من مناطق القصف وبين متابعة الحالات الحرجة التي تم إنقاذها سابقًا؛ لذا أصبح إمكانية مواصلة المصابين للحياة مرهونة بالمتابعة التي تتم ما بعد الإنقاذ.
"كثير من ضحايا حروق الانفجارات يموتون"، هؤلاء من منحتهم العناية الإلهية فرصة للعيش، ولكن لم تساعدهم ظروف الحرب اللعينة على النيل من تلك الفرصة، بل أجبرتهم على الموت، إزاء تعرضهم للمضاعفات بعد تقديم الإسعافات الأولية لهم، فأصيبوا بعدوى بكتيرية شديدة؛ نظرًا لقلة المتابعة، وعدم توافر الأدوية الخاصة بالحروق والتعقيمات.
واختتم الطبيب حديثه، مؤكدًا أن الحرب أثبتت للعالم الغربي معدن الإنسان العربي، وشجاعته ووفاءه، وأنه ليس إرهابيًا ولا عنصريًا مثلما يتهمونه البعض، فلم يترك الدولة التي فتحت له أبوابها، وفر على الحدود كمواطنيها الأصليين.
طبيب فلسطيني: رفضت مغادرة أوكرانيا وتطوعت أسرتي للعمل بالمستشفى
كان بإمكانه ترك ويلات الحرب، والبعد عن أصوات المتفجرات والرشقات الصاروخية، خاصة بعد فرار معظم الأطباء إلى الحدود، إلا أنه أقسم على عدم ترك البلد التي ترعرع فيها، ولم يغادر المستشفى منذ اللحظات الأولى للحرب حتى يومنا هذا.
لم يكتفِ محمود أحمد، طبيب فلسطيني، متخصص في جراحة الأوعية الدموية بأحد مستشفيات مدينة كييف، برفض إلحاح أقاربه وأصدقائه عليه بضرورة مغادرة البلاد؛ لينجو بحياته وبحياة ذويه، بل تطوع جميع أفراد عائلته للعمل بالمستشفى؛ كي يساعدوه في إنقاذ جرحى الحرب.
استمع الطبيب الخمسيني فقط لصوت الواجب الإنساني ورد الجميل لدولة أوكرانيا، التي قضى بها 32 عامًا، بمجرد فرار معظم الأطباء وتخليهم عن وطنهم، اصطحب أسرته معه للمستشفى، كلا منهم يؤدي دورًا محددًا، تقوم زوجته وابنته بإعداد الطعام للمرضى، وتحضير الضمادات للعمليات، وتغيير الجروح للمصابين.
لم يذق "محمود" طعم النوم، يظل مستيقظًا طوال الليل، منتظرًا قدوم جرحى القصف؛ لإجراء العمليات لهم، التي تتزايد أعدادها يومًا بعد يوم، فقد أجرى 20 عملية جراحية خلال يوم واحد، ويعينه في ذلك أبنه؛ كونه طبيبًا بمرحلة التخصص.
ويستكمل أن الإصابات التي تستقبلها المستشفى تكون بالغة الخطورة، أغلبهم من الجنود الأوكرانيين الذين يأتون إليها، وعلى أطرافهم أربطة لمنع فقدان كميات كبيرة من الدماء، فسرعان ما يقوم بإيقاف النزيف وترميم الشرايين المتمزقة، عبر تغيير الأجزاء بالغة الإصابة بجزء من الأوردة التي تحمل ذات القطر.
وخيم الحزن على الطبيب عند رؤيته مصابًا بعدة طلقات نارية استهدفت القلب مباشرة، حينها لم يتوقع أنه سيتمكن من إنقاذه، خاصة بعد وصوله إلى المستشفى في وضع مأساوي حاد، أوشك على فني حياته، وكانت الدقائق الأخيرة هي الفارقة لنجدته، حين أسرع الطبيب في إخراج الطلقات النارية وخياطة القلب، ومازال المصاب حي يرزق.
ويشعر بسعادة عارمة حين يساعد الأحياء الموتى الذين يصلوا المستشفى بإصابات شديدة الخطورة في عدة أجزاء بالجسم، على منحهم فرصة ثانية للحياة، فلم تسعه الفرحة عند إنقاذه مصابًا بتمزق الوريد الجوفي للكبد وتمزق الكلية والأمعاء الاثنى عشر، وقيامه بتعديلهم وإزالة جميع الشوائب ونجدة المصاب.
"بالرغم من الحرب التي اجتاحت البلاد، أشعر بروح معنوية عالية، غير قلق، وأودي عملي بكل هدوء، الجرحى يحتاجون تواجدي بالمستشفى طوال الوقت، ولم أتركهم مهما حدث"، بتلك الكلمات اختتم طبيب الإنسانية حديثه.
طبيب مصري: أتابع حالات الطلاب النازحين من الحرب على الحدود
بين ليلة وضحاها تبدل حاله، بعد أن كان يلقي المحاضرات على طلابه في كلية الطب بكييف، صار يداوي جروح المرضى في الملاجئ التي فر إليها الأوكرانيين، ويتابع حالات الطلاب النازحين من الحرب على الحدود البولندية والرومانية والمجر.
وليد عطية، أقدم طبيب مصري على الأراضي الأوكرانية، سافر إليها منذ 35 عامًا بعد حصوله على منحة دراسية من الاتحاد السوفيتي، واستقرت أحواله بها، واندمج كثيرًا مع الشعب الأوكراني، وكان ملاذًا لكافة المصريين القادمين لأوكرانيا حتى أصبح رئيسًا للجالية المصرية بها.
لم يكن في مخيلته أنه سيكون شاهدًا على مستقبل مجهول دمرته القوة الروسية الغاشمة، حيث شهدت الحدود توافدًا كبيرًا من الشعب الأوكراني ومختلف الشعوب التي فرت من الوطن، بينهم أطفالًا وكبارًا، وكان دوره معالجة الأمراض التي يعاني منها النازحين.
تلتهب الحدود بدرجات الحرارة العالية وضغط الدم المرتفع اللائي يعانى منهما الهاربين من القصف، نتيجة التوتر والقلق الذي يعيشونه في هذه الفترات العصيبة، وتزداد حالات التسمم بينهم ومشاكل المعدة؛ بسبب اضطرابات الطعام أثناء سيرهم للوصول إلى الحدود التي تمنحهم فرصة ثانية للحياة، فكان الطبيب المصري هو المسؤول عن علاجهم.
ويسعى الطبيب جاهدًا لإدخال الأمل في قلوب الأطفال والنساء الذين نزحوا للحدود، تاركين أبائهم وأزواجهم في مرمى النيران والدمار؛ كون القانون الأوكراني لا يسمح بخروج الآباء من يتراوح أعمارهم ما بين 18: 60 عامًا أثناء الحرب، ينبغي عليهم أداء الخدمة العسكرية في وقت الأزمات والحروب.
طبيب أردني: أقيم بشكل دائم بالمستشفى لإنقاذ الجرحى
شاء قدره أن يجتمع على أرض طالتها الحروب أينما كان، بدءًا من رؤيته نيران المحتل الإسرائيلي بلبنان عام 2006 أثناء زيارته لجده، مرورًا بمعايشته مناورات الاحتلال الروسي لشبة جزيرة القرم عام 2012، حتى إنه لم يسلم مؤخرًا من مشاهد القصف الروسي في مدينة موكاتشفو غرب أوكرانيا.
لم يكن أمام عبدالله خليل، طبيب أردني متخصص في أمراض الباطنة بمستشفى “موكاتشفو” الحكومي، سبيلًا لحل مشكلة نقص الأطباء وإنقاذ المصابين سوى الإقامة بشكل دائم في المستشفى، التي تستقبل أعداد كثيفة من المصابين من عدة مناطق متفرقة بالدولة.
"علاج المرضي والمصابين رسالتي في الحياة"، ذلك كل ما يهم الطبيب، ترك أهله في منزلهم، لم يراهم أبدًا منذ بداية الحرب، يتواصل معهم فقط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ورفض الفرار من الحرب خاصة بعد هروب معظم الأطباء الأوكرانيين خارج البلاد.
يقول إنه في بداية الحرب كانت مشاعره تتأثر بدرجة كبيرة عند رؤيته مشاهد الدماء المتناثرة بين أرجاء طوابق المستشفى، ويستمر في الدعاء حين يسمع أصوات سيارات الإسعاف المحملة بالأشلاء والضحايا الأحياء تتجه نحو المستشفى، ويتمنى أن تكون الإصابات خفيفة، ولكنه مع مرور الوقت اعتاد على ذلك المشهد المأساوي.
كانت معاينة وعلاج الأطفال أغلب طبيعة عمله، إلا أنه أحيانًا كان يساعد الجراحين في إجراء عمليات الخياطة للمصابين القادمين من مناطق القصف، رغم أن ذلك بعيدًا عن تخصصه، ولكن هذا ما تفرضه ظروف الحرب لوقف سيل الضحايا.
وصول حالة مصاب يعاني من جرح قطعي بعرض الجسد إلى المستشفى، هي أصعب الحالات التي واجهها منذ بداية لعنة الحرب، حين عمل معاونًا للجراح، فكان فاقدًا الأمل في نجدة المصاب، ولكن ولد الأمل في قلبه مجددًا بعد التمكن من خياطة الجرح، وهو مازال على قيد الحياة، حينها كاد قلبه يرقص من شدة الفرحة.
رغم أن غرب أوكرانيا تُعد منطقة آمنه بعيدة بعض الشيء عن عمليات القصف المميتة، إلا أن الطبيب يشعر بمأساة كبيرة أثناء عمله؛ خشية من استهداف المستشفى من العدو الباطش في أي وقت، مثلما حدث في بعض المستشفيات.
طبيب سوري: خصصت جميع المراكز الطبية الخاصة بي لعلاج جرحى الحرب
اعترافًا برد الجميل للوطن الذي احتضنه وراعاه قبل 28 عامًا، لم يتردد في تخصيص جميع المراكز التي يمتلكها لمساعدة الجنود والمصابين، رافضًا الهجرة إلى دول الجوار؛ كون أوكرانيا هي من منحته الجنسية، ويسرت له معيشة كريمة له ولجميع أهله كسكانها الأصليين.
24 فبراير تحديدًا قبل الفجر بساعات قليلة، استيقظ الطبيب السوري أعرف المحمد، رئيس نقابة طب الأسنان وصاحب مراكز “غرندنت” لطب الأسنان بمدينة أوديسا الأوكرانية، على أصوات الانفجارات وأزيز الطائرات، ورؤية الأدخنة في السماء، ليدرك أنها بداية مؤشرات الغزو الروسي.
أسرع فورًا في الصباح الباكر إلى أحد مراكزه، واجتمع مع كافة الأطباء، واتفق معهم على ضرورة التكاتف لمساندة الشعب الأوكراني، وبدأ بالفعل في استقبال الكثير من الجرحى من عدة مناطق مختلفة بالدولة.
50 مصابًا من ضحايا القصف الروسي، استقبلهم الطبيب خلال اليوم الأول، وكانت إصابتهم بالغة الخطورة، وصلت درجة تشوههم إلى اختفاء ملامحهم وعدم التمكن من تحديد هويتهم، ولكن استطاع القضاء على معاناتهم، وإجراء عملية لتغيير الفك بالكامل إلى فك اصطناعي من التيتانيوم.
وكانت أكثر الحالات التي أشفق عليها الطبيب، حين وصل المركز جندي يعاني من تشوهات بالغة بالوجه والفك إزاء انفجار قنبلة، كادت أن تنهي حياته، حتى جاء إلى المركز في الوقت الملائم، وتم استئصال جزء كبير من الفك وتركيب فك صناعي له.
واختتم الطبيب حديثه لـ"الدستور" "أفتخر إنني أعيش بأوكرانيا؛ كون الشعب الأوكراني محبًا للسلام، متفهمًا ومتقبلًا كافة الجنسيات التي تعيش على أرضه، فروحي فداءً لهذا الوطن الغالي".
طبيب فلسطيني: أجريت عدة عمليات جراحية بالغة الخطورة في الرأس للمصابين
لحظات رعب مميتة شعر بها الطبيب الفلسطيني نور الدين شاهين، وأخصائي جراحة الأوعية الدموية الدماغية بمستشفى الجراحة العصبية بمدينة كييف، حين استهدفت الصواريخ الروسية برج التلفاز الذي يبعد عن منزله كيلو مترًا واحدًا فقط، فحاول حماية أطفاله وزوجته، في وسط شدة الانفجارات وتطاير الشبابيك، واهتزاز العقار كاملًا، واصفًا المشهد "كأنه قيام الساعة".
"نور الدين" كغيره من الأطباء العرب الذين عاشوا في أوكرانيا، وكونوا عائلات بها، وأصبحت البيت الثاني لهم، بعد أن منحتهم كل شيء؛ فهم مدينين لها بحياتهم؛ لذا لم يبخل على مساندتها، ولم يتخلى عن إنقاذ شعبها في وقت يفر فيه مواطنيها الأصليين للنجاة بحياتهم.
عدة عمليات جراحية بالغة الخطورة في الرأس، أجراها الطبيب الفلسطيني بمشاركة 30 طبيب بالمستشفى، الذي يقيم بعضهم بشكل كامل بها، وكانت بين تلك العمليات ترميم الجمجمة، وإزالة التفتتات العظمية وإخراج الرصاصات منها، واستئصال النزيف عن الدماغ للمصابين، وذلك نتيجة استهدافهم بشظايا الانفجارات والتيارات النارية.
"لو في مصاب روسي هعالجه"، يقر الطبيب أن رسالته في الحياة تكمن في مساعدة الجرحى حتى لو كانوا من الجنود الروس، فهو يراعي ضميره وواجبه الإنساني، ولا ينظر لسياسات ومصالح الدول.
رئيس اتحاد الأطباء العرب بأوكرانيا: الأطباء العرب جزء لا يتجزأ من قسم الأطقم الطبية بالبلاد
لم يبخل بوقته لعلاج الجرحى، بينما كان منشغل البال على أسرته؛ كونهم يقطنون في مرمى النيران بمنطقة الخطوط الأمامية بين الروس والأوكران، إلا أنه قرر أداء رسالته والتوجه للمستشفى لنجدة المصابين.
"لدي خبرة 23 عامًا في جراحة المناظير"، هكذا يقول رامي أبو شمسية، رئيس اتحاد الأطباء العرب بدولة أوكرانيا، لذا أبلغته الإدارة الطبية بضرورة التوجه إلى مستشفى رقم 18 بكييف؛ ليجد الكثير من الحالات الحرجة التي تتطلب إجراء عمليات جراحية بالغة الدقة، بعد أن كان يعمل بمستشفى خاص قبيل القصف المدمر.
بالرغم من التوتر الشديد الذي يشعر به هو وزملائه، إلا أنهم يحاولوا أن يسود النظام بالمستشفى، آملين في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فيحدد قسم الطوارئ نوعية إصابة القادمين للمستشفى، ثم يتولى كل طبيب علاج عدد معين من المرضى.
لم ييأس الطبيب من الخسائر الفادحة في الأرواح، فالأمل يدب بداخله عند استلامه كل مصاب ويبذل قصارى جهده لإنقاذه، فعند وصول مصاب بعدة رصاصات في البطن والقدم، ويعاني من نزيف حاد، أسرع على الفور بانتشال الطلاقات النارية وإيقاف النزيف، وبتر قدمه وإنقاذ حياته.
يعمل الطبيب حاليًا في المستشفى، ويرغب في الاطمئنان على أسرته، لا يوجد طريقة للتواصل معهم، والاطمئنان على أحوالهم، ويحاول الحصول على إجازة لمدة ساعات يتمكن خلالها من نقلهم إلى منطقة أخرى أكثر أمانًا.
واختتم رئيس اتحاد الأطباء العرب بدولة أوكرانيا حديثه لـ"الدستور": "الأطباء العرب جزء لا يتجزأ من قسم الأطقم الطبية في أوكرانيا، ودورنا كمواطنين أوكرانيين العمل على قدم وساق لإنقاذ المصابين بجميع المراكز والمستشفيات، وعدم التخلي عن الدولة التي راعتنا".