السادات وتاريخ ثورة يوليو
يعتبر كتاب «البحث عن الذات» للرئيس الراحل أنور السادات، من أكثر الكتب إثارة فيما يتعلق بالتأريخ لثورة يوليو، وقد صدر الكتاب فى عام ١٩٧٨، واحتفت به الكثير من الأوساط العالمية والإقليمية، كما تُرجِم إلى العديد من اللغات، ويعتبر تاريخ صدور الكتاب أمرًا مهمًا فى حد ذاته؛ إذ صدر بعد زيارة السادات للقدس ١٩٧٧، وطرحه مبادرة السلام مع إسرائيل، والترويج له محليًا وعالميًا على أنه بطل الحرب والسلام.
وبصرف النظر عن أن الكتاب فى حد ذاته جزء من الحملة الإعلامية للسادات مع مبادرة السلام، لكن الكتاب شديد الأهمية بالنسبة للتأريخ لثورة يوليو؛ إذ قدم السادات نفسه فى هذا الكتاب على أنه البطل الحقيقى لثورة يوليو، وليس جمال عبدالناصر، ويعتبر الكتاب بحق نموذجًا لظاهرة «الفرعون والخرطوش» فى كتابة تاريخنا، والخرطوش هو الإطار الذى درج الفراعنة على كتابة أسمائهم فيه على جدران المعابد التى يشيدونها، لكن هناك ظاهرة أن بعض الفراعين يقومون بإزالة اسم من سبقهم من على الخرطوش، ونقش اسمهم، لمحو تاريخ من سبقهم، وكأن التاريخ يبدأ من عندهم!
ومن النقاط التى أثارت جدلًا كبيرًا فى أعقاب صدور الكتاب، الرواية التى قدمها السادات حول نشأة تنظيم الضباط الأحرار، هذا التنظيم الذى قام بثورة ٢٣ يوليو، وأصبح قادة التنظيم هم أعضاء مجلس قيادة الثورة بعد ذلك.
وحتى صدور «البحث عن الذات» فى عام ١٩٧٨، كان من المعلوم أن جمال عبدالناصر هو من قام بتأسيس التنظيم فى عام ١٩٤٩ فى أعقاب هزيمة ٤٨، لكن السادات يلعب دور الفرعون ويقدم رواية تاريخية جديدة أنه هو الذى أسس التنظيم فى عام ١٩٣٩، وأنه نظرًا لاعتقال السادات فى عام ١٩٤٢، فقد تسلم جمال عبدالناصر قيادة التنظيم فى أوائل عام ١٩٤٣ عقب عودته من السودان. وهكذا سحب السادات من عبدالناصر بعد وفاته ميزة الدور التاريخى فى تأسيس التنظيم الذى قام بالثورة!
فى الحقيقة لم يكن «البحث عن الذات» هو أولى خطوات الفرعون فى محو اسم سلفه من الخرطوش؛ إذ سبق ذلك أحداث مايو ١٩٧١، التى أطلق عليها السادات مصطلح «ثورة التصحيح»، أى الثورة التى صححت مسار الثورة الأم ثورة ٢٣ يوليو، كما أصدر توفيق الحكيم فى العام التالى ١٩٧٢ كتابه الشهير «عودة الوعى» بتشجيع ملحوظ من السادات، حيث انتقد الحكيم الفترة الناصرية، لا سيما غياب الديمقراطية.
كما دخلت السينما على الخط نفسه؛ إذ ظهر فيلم «الكرنك» فى ١٩٧٥، بنقد حاد لأجهزة الحكم فى الفترة الناصرية، وفتح هذا الفيلم الباب للعديد من الأفلام التى انتقدت بشدة الفترة السابقة، وهى الظاهرة التى أطلق عليها بعض نقاد السينما «الكرنكة» دلالة على فتح الباب لموجة من الأفلام فى هذا الاتجاه.
والأكثر من ذلك أن السادات قام فى عام ١٩٧٦ بتشكيل لجنة تسجيل تاريخ ثورة يوليو، وأسند رئاستها لنائبه آنذاك «حسنى مبارك»، وكان الأمر فى غاية الخطورة أن تتم كتابة التاريخ من خلال لجنة حكومية.
لذلك لم يكن غريبًا أن يخرج علينا السادات فى «البحث عن الذات» بهذه الرواية الجديدة التى تنسب تأسيس تنظيم الضباط الأحرار إليه، لكن بعد وفاته سيتصدى أحد الضباط الأحرار، وهو اللواء جمال حمَّاد، لتفنيد أركان الرواية السابقة، وهو ما سنتناوله فى المقال المقبل.