عندما رفض حسن البنا مشاركة أعضاء الإخوان فى حرب فلسطين (تفاصيل)
كلما جاء ذكر القضية الفلسطينية نجد عروق أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية تنفر٬ ويصرخون: "ع القدس رايحين شهدا بالملايين"٬ أو الشعار الآخر: "صبرا صبرا يا يهود.. جيش محمد سوف يعود"٬ على أن الثابت أن هذه الجماعة التي داومت على الكذب لم يطلق فرد واحد منها رصاصة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وفي كتابه "تاريخ جماعات الفاشية الدينية في مصر"٬ يكشف مؤلفه الباحث أحمد الصغير عن متاجرة الجماعة الإرهابية بالقضية الفلسطينية منذ تأسيسها٬ مشيرا إلى أنه: لم ينجح الإخوان في تسويق كذبةٍ كبرى كما نجحوا في تسويق أكاذيبهم حول دورهم الحقيقي في حرب فلسطين 1948، وبقدر حجم الكذبة تكون الصدمة في قراءة الحقائق والمعلومات من مختلف المصادر، وعلى رأسها المصادر الإخوانية نفسها.
البداية كانت مع تسرب المعلومات عن وجود التنظيم المسلح الخاص للإخوان، فلما تفجرت قضية فلسطين رأى الكثير من شباب الجماعة وأعضاء التنظيم الخاص أن هذا هو المجال الحقيقي للجهاد المسلح، بينما كان زعيمهم حسن البنا يرى رأيا آخر مختلفا عما أراده الشباب وبعض أعضاء تنظيمه الدموي.. بعد قرار التقسيم 29 نوفمبر 1947 وبمجرد تداول الأنباء عن تحرك العصابات الصهيونية في فلسطين وعن نية تحرك الجيوش العربية لإنقاذ فلسطين، وجد حسن البنا أنها فرصة ذهبية للمتاجرة السياسية وتحقيق مكاسب لجماعته، فبدأ يملأ صفحات جريدة الإخوان ضجيجا عن الجهاد وضرورة أنْ تفتح الحكومات المسلمة الباب للمجاهدين المتطوعين، بل ونشر مقالا قال فيه إنّ لديه أول كتيبة من المتطوعين جاهزة بعشرة آلاف متطوع إخواني رهن إشارة الملك والحكومة، وبعدها هناك كتيبة أخرى مثلها.
ثم وجّه خطابا رسميا لجامعة الدول العربية يذكر استعداد المجاهدين الإخوان للجهاد في فلسطين، وذكر رقم العشرة آلاف مرة أخرى، واتهم الحكومة المصرية بأنها ترفض أنْ تسمح لهم بالجهاد.. وخرجت صحيفة «الإخوان المسلمون» بصورة للمتطوع الأول، وهو فضيلة المرشد العام حسن البنا، وأعتقد أن البنا في تحركاته تلك ربما لم يتوقع أنْ تستجيب الحكومة المصرية فعلا وتفتح باب التطوع.
ثم حدث ما كان يطالب به وسمحت الحكومة المصرية بفتح باب التطوع للجهاد في فلسطين، وهنا قام حسن البنا بشيئين مختلفين عما كان يملأ الدنيا ضجيجا به٬ فهو أولا استفاد بهذا القرار وفتح الباب على مصراعيه لتدريب أعضاء جماعته على السلاح، لكنه آثر أن يقيم معسكرات تدريب منفصلة في المقطم بخلاف تلك التي شملت باقي التنظيمات والمتطوعين، وهو أراد بذلك أن يخفى أسرار التنظيم العسكرية عن الآخرين.
أما ما فعله ثانيا فهو الكاشف الحقيقي لتداوله الموضوع، فقد رفض الاستجابة لإرسال المتطوعين الإخوان وحاول تأخير ذلك بقدر ما يستطيع بإقناع الشباب المتحمس للتطوع بأن الجهاد هنا في مصر وليس فلسطين.. أما الأغرب فهو ماهية هذا الجهاد الذى يجب القيام به في مصر، لقد أقنع تنظيمه الخاص بمهاجمة ممتلكات وأرواح المواطنين المصريين اليهود، والذين لم يثبت حتى تلك اللحظة قيامهم بأي أفعال ضد انتمائهم لمصر، أو على الأقل لم يكن حسن البنا، ولا تنظيمه، يملك من المعلومات ما يجعله يقوم بتحديد اليهود المعادين لمصر.. لقد وضع كهدفٍ لجهاده البديل كل ما هو يهودي مصري، بشرا كان أو مالا، وقامت الجماعة بتفجيرات معروفة (من اعترافات قاتل النقراشي باشا عبدالمجيد أحمد حسن).
لقد كان تلكؤ حسن البنا في إرسال كتائبه المزعومة لفلسطين مثار سخرية المتطوعين والفدائيين المصريين في فلسطين، فقد كان أوائل المتطوعين من حزب مصر الفتاة «كتيبة مصطفى الوكيل»، وسافر معها أحمد حسين نفسه، زعيم مصر الفتاة، وقد نشرت مقالات مناشدة لحسن البنا أن يرسل ولو مائة من الإخوان بدلا من عشرة آلاف أو عشرين ألفا.. كانت هناك مجموعة منشقة عن الإخوان اسمها «شباب محمد» من كتائب المتطوعين، وقد نشرت تلك المجموعة مقالا ساخرا عنوانه «أيها اليهود انتظروا فكتائب حسن البنا ستتأخر قليلا».
ويلفت الصغير: لا بد من توضيح حقيقة هامة أن كثيرا من شباب الجماعة كان غاضبا من موقف زعيمهم، خاصة بعد تدربهم على السلاح، وهؤلاء هم من كانوا يؤمنون حقا بحسن نوايا الزعيم والتنظيم بخصوص قضية فلسطين، وهم من ضغطوا على حسن البنا لكى يسمح لهم بالخروج.. كم من آلاف البنا ذهب إلى فلسطين؟ في مذكراته يتحدث عن 900 إجمالا خرجوا على دفعات، وفي مذكرات قادة آخرين، كانوا هناك في فلسطين، تحدثوا عن 250 من الإخوان، وفي بعض المصادر الإنجليزية كان الحديث عن ألف من الإخوان، لكنها أعتقد قد خلطت بين إخوان مصر وبين إخوان فلسطين الذين كانوا يدافعون عن أرضهم وانضموا إلى كتائب الجيش المصري.. إذن ففي كل الأحوال الحديث عن بضع مئات هم من خرجوا فعليا وقد خرجوا بعد أن سبقهم بأسابيع كتائب المتطوعين المصريين من الأحزاب والأفراد، وهؤلاء قد تعرضوا لظلم تاريخي مقصود من الآلة الإعلامية الإخوانية بعد الحرب.
الخديعة الثانية فيما يسوقه الإخوان عن دورهم في فلسطين هو رواياتهم لما حدث وما خاضوه من معارك، وقد وجدت بعض المصادر والكتيبات تتحدث عن جهاد الإخوان في فلسطين، وآثرتُ قراءة المصادر الإخوانية، وحقيقة فاجأتني كثيرا طريقة تناولهم الموضوع، فتلك الكتب يخصص معظمها لعرض تاريخ القضية وفكر الإخوان والسيرة الشخصية لزعيمهم، ولا تكاد تحتل المعلومات موضوع البحث سوى جزء صغير من الكتاب الذى يحمل عنوانا يختص بدورهم في فلسطين.. لا توجد مثلا- كما كنت أتوقع- قوائم بأسماء آلاف أو مئات المجاهدين، أو قوائم بأسماء مئات الشهداء، وكل ما وجدته قائمة باسم شهداء الإخوان في كتاب «جهاد الإخوان في فلسطين» لحاتم يوسف أبوزايدة، وفي هذه القائمة توجد أسماء خمسين من الإخوان المصريين، هؤلاء هم شهداء الإخوان في فلسطين.. وبالقطع أنا لا أقلل مما فعله هؤلاء الشهداء الذين ربما صدقوا في مبادئهم أكثر من زعيمهم، ونحتسبهم من الشهداء المصريين من أجل فلسطين، وإنما أذكر الأعداد إقرارا للحقائق التاريخية.. أما المأساة الحقيقية فهي كيف استشهد هؤلاء؟
معظمهم قد استشهد في المعركة التي يفتخر بها الإخوان المسلمون، وهى معركة مستعمرة «كِفار داروم»، وفى الحقيقة إنها كانت مذبحة أكثر منها معركة.. فهذه المستعمرة مزروعة بالقمح، وقد خدع اليهود شبابَ الإخوان المسلمين الذين أغراهم الهدوء الذى لاحظوه على أطراف المزرعة فتغلغلوا فيها حتى إذا ما وصلوا لمرحلة متقدمة خرج عليهم اليهود فقتلوا منهم أكثر من ثلاثين وانسحب الباقي منهم.. لا توجد معركة أخرى يمكن القول إن الإخوان المسلمين المصريين كانوا أبطالها، ولكنهم في بعض المصادر يمارسون هوايتهم في الخداع المعلوماتي المبنى على الأوهام.
ويضيف متابعا: الخديعة الثالثة هي أنهم ينسبون للإخوان أي معركةٍ خاضها أي جزءٍ من أي جيشٍ عربي إذا وجد في هذا الجيش متطوع واحد من الإخوان، وأبلغ مثال على ذلك هو ما ينسبونه لأنفسهم في معركة دخول القدس التي خاضتها كتائب من الجيش الأردني، بلغت قوامها أكثر من ستة آلاف جندي يوم 28 مايو 1948، وكان بها سرية قوامها حوالى 300 متطوع إخواني أردني، ولم يكن بها من إخوان حسن البنا المصريين متطوع واحد.. أما كبرى المفاجآت في أساطير حسن البنا وجماعته عن حرب فلسطين فهي ما حدث بعد معركة «كِفار داروم»، فلقد أمر حسن البنا، الشيخ محمد فرغلي، بعدم خوض الإخوان معارك أخرى وأن يمكث المتطوعون الإخوان في معسكراتهم.
حاول الشيخ محمد فرغلي تنفيذ الأوامر دون أن يبلغها لشباب الإخوان صراحة، وبعض المصادر تقول إن المتطوعين الإخوان ظلوا أكثر من شهر يتجنبون الدخول في معارك بحجج مختلفة، حتى حدثت حالة شك بين صفوف شبابهم، فقد ارتابوا أن اليهود ربما اشتروا ولاء الشيخ محمد فرغلي وحزموا أمرهم بقتله.
حين علم محمد فرغلي بذلك اجتمع بهم وأبلغهم أوامر حسن البنا صراحة، وأن المرشد قد أبلغه بوجود مؤامرة للقضاء على تنظيم الإخوان وشبابه المتدرب على السلاح وهو مصدر قوته، لذلك فقد أمرهم بتحاشي الدخول في معارك لأنه يحتاجهم في مصر ولأن الجهاد الحقيقي في مصر.. مفاجأة أخرى تثبت أن حسن البنا لم يكن يعتبر أن ما يدور في فلسطين هو معركته وجهاده الحقيقي، ففي 8 ديسمبر 1948 صدر قرار حل جماعة الإخوان. والسبب في مذكرة الحل هو سرد لأكثر من سبع عشرة قضية أدين فيها أعضاء في الإخوان، وقد تنوعت تلك الجرائم بين اكتشاف مخازن أسلحة في الإسماعيلية، منها سردابان مليئان بالقنابل والمتفجرات، كذلك اشتباكات بينهم وبين قوات الأمن والاعتداء على بعض معارضيهم وتفجيرات في عدد من محافظات مصر، خاصة بورسعيد.
أما أخطر الجرائم فكانت قضية السيارة الجيب 15 نوفمبر 1948، وهي التي كانت إيذانا بانكشاف أسرار التنظيم السرى الخاص المسلح للإخوان المسلمين للمصريين وبشكل رسمي.. وهنا يصبح التساؤل مشروعا: كيف ولماذا احتفظ حسن البنا بكل هؤلاء الأعضاء من تنظيمه المسلح في مصر والمعركة دائرة في فلسطين؟ وبالقطع كان هناك المئات أو الآلاف من الأعضاء السريين الذين لم يتم اكتشافهم موجودون في مصر، ويحتفظ بهم الزعيم لجهاده الباطل ضد الوطن الذى يؤويه.. إذن كان البنا يؤمن قولا وعملا بأن قضيته وغايته هي مصر وجهاده في مصر، وكان جهاده في مصر هو هذه العمليات الدموية وتخزين السلاح وتقوية تنظيمه الباطني حتى يقفز على العرش حين تحين اللحظة.
عاد الجميع إلى مصر وقد كرم القصر بعض رجال الإخوان المسلمين واعتبرهم أول المتطوعين في الحرب، على غير ما تثبته معظم المصادر، ثم قامت الآلة الإعلامية للإخوان بتضخيم دورهم هناك في واحدة من أكبر عمليات الخداع المعلوماتي الناجحة في تاريخهم، وساعدهم على ذلك صمت تنظيم الضباط الأحرار بعد قيام الثورة عن نشر بعض المقالات التي تقول بهذا، وكان ذلك في بدايات الثورة قبل بدء الصدام مع تنظيم الإخوان.
ويؤكد المؤلف: حسن البنا إذن تعامل دعائيا بنجاحٍ كبير في قضية فلسطين، وحقق مكاسب عظمى معنوية لجماعته، لكن ذلك كان على حساب قيمة الجهاد الحقيقي نفسه.. إن سلوك البنا في حرب فلسطين لم يكن فقط خيانة لقضية الجهاد، بل كان أيضا خيانة لدماء شباب الإخوان الذين خاضوا المعركة وقتلوا وهم يدافعون عن فلسطين والقدس.
ولقد ظلت الجماعة لعقودٍ طويلة تتاجر بهذا الدور الذى يتشابه إلى حد التطابق مع طريقتهم الآن في التعامل مع قضية فلسطين، فهي لهم مصدرٌ لجمع التبرعات وتهييج الشعوب ضد حكوماتها، وفى بقاء القضية على حالها كل الفوائد للتنظيم، وقد أثبتت تجربة وصولهم للحكم أنهم لا يؤمنون حقيقة بفكرة الجهاد من أجل تحرير فلسطين لكنهم يعرفون كيف يتاجرون بها.