ما حكم عزل الزوج عن زوجته خشية الإنجاب؟.. «الإفتاء» تجيب
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال عبر الموقع الإلكتروني، حول حكم عزل الزوج عن زوجته خشية الإنجاب.
وجاء في نص السؤال: « يشكو بعض زوجات الوافدين المتزوجين وهم من حملة الشهادات العالية وموسرون وبصحة جيدة، ومن ثمَّ فليس هناك ما يستوجب خوف الفقر من الإنجاب، ولكن الزوج يقوم بالعزل عن زوجته دون إذنها ورضاها، فما الحكم الشرعي في عزل الزوج عن زوجته بغير إذنها خشية الإنجاب مع انتفاء جميع الموانع المادية والصحية الداعية إلى ذلك، وما لهذه العادة لها من الأثر السيئ اجتماعيًّا ودينيًّا وصحيًّا كما لا يخفى؟».
وأجابت الإفتاء بأن مصدر الأحكام في الإسلام أصلان أساسيان؛ هما: القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة؛ يدل على هذا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللهِ، وَسُنَّتِي» أخرجه الحاكم في "المستدرك" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأضافت أنه باستقراء آيات القرآن الكريم نرى أنه لم يرد فيها نصٌّ صريحٌ يحرم الإقلال من النسل أو منعه، وإنما جاء فيه ما جعل المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية للأحكام الشرعية، لكن ورد في كتب السنة الشريفة أحاديث في "الصحيح" وغيره تجيز العزل عن النساء -بمعنى أن يقذف الرجل ماءه خارج مكان التناسل من زوجته بعد كمال اتصالهما جنسيًّا وقبل تمامه-؛ من هذه الأحاديث ما رواه سيدنا جابر رضي الله عنه قال: «كنا نعزل على عهد النَّبى صلى الله عليه وآله وسلم والقرآنُ ينزل» رواه البخاري، وروى الإمام مسلم: «كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبلغه ذلك فلم ينهنا».
ولفتت إلى أنه قد اختلف الفقهاء في إباحة العزل بذلك المعنى كوسيلةٍ لمنع الحمل والإقلال من النسل أو كراهيته، وفي هذا يقول الإمام الغزالي في حكم العزل في كتابه «إحياء علوم الدين» باب آداب النكاح، ما موجزه: «اختلف العلماء في إباحة العزل وكراهته على أربعة أقوال: فمنهم من أباح العزل بكل حالٍ، ومنهم من حرَّمه بكل حالٍ، ومنهم من قال: يحل ذلك برضاء الزوجة ولا يحل دون رضائها، وكأن هذا القائل يحرم الإيذاء دون العزل، ومنهم من أباح ذلك في الإماء دون الزوجات، ثم قال الغزالي: إن الصحيح عندنا -أي في مذهب الشافعي- أن ذلك مباحٌ».
وذكرت «الإفتاء» أنه يكاد فقهاء المذاهب يتفقون على أن العزل -أي محاولة منع التقاء منيّ الزوج ببويضة الزوجة- مباحٌ في حالة اتفاق الزوجين على ذلك، ولا يجوز لأحدهما دون موافقة الآخر، والدليل على هذه الإباحة ما جاء في كتب السنة من: «أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعزلون عن نسائهم وجواريهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن ذلك بلغه ولم ينه عنه».
وقالت الدار إنه إذْ كان ذلك كانت إباحة العزل الذي كان معمولًا به وجائزًا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في كتب السنة، ولكن ذلك مشروطٌ بموافقة الزوجين على ذلك، ولا يجوز لأحدهما دون موافقة الآخر، أما إذا قصد منه منع الحمل فإن ذلك يتنافى مع دعوة الإسلام ومقاصده في المحافظة على النسل إلى ما شاء الله، وبما أن العزل في حادثة السؤال قد تم بدون رضا الزوجة فلا يحل لزوجها هذا العزل، ويعد آثمًا بذلك، ولا يجوز إلا بموافقة زوجته على ذلك، أيْ في حالة الاتفاق فقط كما ذكرنا.