«الرحلة الملعونة».. أسطورة «تنظيم بيت المقدس» التى تحطمت فى سيناء من البداية للنهاية (1-3)
نوفمبر 2014 كان الرمق الأخير؛ لجماعة "أنصار بيت المقدس" الإرهابية التي نفذت العديد من العمليات الإرهابية تحت دعوي تطبيق الحاكمية، والذي تحول قيادتها من أفكارهم المعتمدة على فكر تنظيم القاعدة إلى مبايعة تنظيم داعش الإرهابي، وتغير اسم التنظيم من "بيت المقدس" إلى "ولاية سيناء" تحت قيادة التكفيري المكنى "أبوهمام الأنصاري"، ومعه نوابه كمال علام، وشادي المنيعي، وسلمى المحسانة، والذين تمركزوا في سيناء وأعلنوا مبايعة "أبو بكر البغدادي"، أمير تنظيم "داعش"، ليتحول التنظيم إلى "ولاية سيناء.
على الرغم من انضمام أشد العناصر الإرهابية إلى التنظيم ولكن مبايعته لتنظيم داعش رفضها العديد من عناصر التنظيم معلنين انشقاقهم عنهم بقيادة الإرهابي الدولي "هشام عشماوي" ضابط الصاعقة المفصول ونائبة عماد عبد الحميد وتوجههم نحو ليبيا للانضمام لتنظيم المرابطين لإنشاء معسكرات هناك وضم عناصر جديدة للتنظيم.
"تنظيم بيت المقدس" نفذ عمليات إرهابية عديدة تحت قيادة مؤسسه "توفيق فرج زيادة" الذي تمت تصفيته في عمليات أمنية.. الأمر جعلنا نبحث عن بداية التنظيم وأفكاره والمنضمين إليه من خلال مذكرات نيابة أمن الدولة العليا؛ ونسرد فى تلك السطور نشأة التنظيم وخلاياه والعمليات التي قام بها على مدار السنوات الماضية ومبايعته لتنظيم داعش الإرهابي، حتى القضاء عليه.
"قائد بيت المقدس الذراع اليمنى لمؤسس التوحيد والجهاد"
الخيط الأول "لبيت المقدس" كان مع الإرهاصات الأولي لتنظيم "التوحيد والجهاد" الذي بدأ تقريبًا عام ١٩٩٨ عندما التقي مؤسس التنظيم خالد مساعد "طبيب أسنان" من قبيلة السواركة أحد أشهر قبائل شمال سيناء- تخرج مساعد فى كلية طب الأسنان بالزقازيق عام 1999 وبعدها عمل بمدينة العريش على نشر الفكر السلفي وإلقاء الخطب والدروس الدينية بمساجد العريش، كان مساعد ذا ميول دينية- خلال دراسته بـ"نصر خميس الفلاحي" الذي كان من محافظة البحيرة، ويدرس الحقوق، وأصبح من الأصدقاء المقربين لبعضهما البعض، وتدارسا معا أفكار السلفية الجهادية، وقرآ كتاب منظر تنظيم الجهاد "سيد إمام الشريف" الشهير بالدكتور فضل (العمدة في إعداد العدة) الذي يعد مرجعا للجهاديين في مصر والعالم.
ارتبط "مساعد ونصر" ببعضهما بقية حياتهما، وشكلا برفقة "سالم خضر الشنوب" والذي كان يعرف بين عناصر التنظيم في سيناء (باسم خبير الصواريخ )، في بداية عام 2000 تنظيم "التوحيد والجهاد"، وأصبح المسئول العسكري في التنظيم وكان يتولى تدريب عناصر التنظيم على الأسلحة وتصنيع القنابل فى قرية الفرقدة المجاورة لجبل الحلال بوسط سيناء، بينما كان نصر الملاحي مسئول التدريب البدني وتأهيل اللياقة، وعمل مساعد على شرح الكتب الجهادية.
مر التنظيم خلال فترته بأربع مراحل وهي مرحلة التكوين، حيث تمكن قائد التنظيم خالد مساعد "طبيب أسنان" من تكوين التنظيم عام ٢٠٠٢، وأقنع العديد من المتهمين بضرورة "الجهاد ضد الكفار الذي يحتلون بلاد المسلمين في الشيشان وفلسطين"، وبايعوه على السمع والطاعة.
وتعد المرحلة الثانية من عمر التنظيم بمثابة النضج والانتشار، حيث تمكن القائد العام للتنظيم خالد مساعد بعد احتلال العراق في مارس ٢٠٠٣ من استقطاب العديد من الشباب والمواطنين، وأقنع تابعيه بضم من يرونه صالحًا لعضوية التنظيم، وقام بتقسيم التنظيم إلى خلايا عنقودية لا تعرف بعضها بعضًا، واتخذ كل عضو اسمًا حركيًا حتي لا يعرفه زملاؤه في التنظيم، وحتي لا تتمكن الأجهزة الأمنية من اكتشاف أمر التنظيم، وتم في هذه المرحلة اختيار خالد مساعد للمتهم سالم الشنوب (لقي مصرعه) قائدًا عسكريًا للتنظيم، والذي ظل كذلك حتي وفاته التي حدثت في معارك بالأسلحة النارية مع الشرطة في مطاردات بجبال سيناء، وبعد أن لعب دورًا كبيرًا في تنفيذ تفجيرات طابا ونويبع وبعدها بعام تفجيرات شرم الشيخ.
في هذه المرحلة تمكن القائد العام للتنظيم "خالد مساعد" من سرقة العديد من السيارات، والأجهزة الكهربائية من المباني الحكومية لبيعها وتمويل التنظيم وشراء الألغام، وللإنفاق على الطعام والاحتياجات الشخصية لأعضاء التنظيم.
والمرحلة الثالثة هي مرحلة التنفيذ، حيث تمكن التنظيم من تنفيذ ٧ تفجيرات ضخمة، منها ثلاثة تفجيرات في ٧ أكتوبر ٢٠٠٤ شملت فندق هيلتون طابا، ومخيمي جزيرة القمر، والبادية بنويبع، ثم تفجيرات شرم الشيخ في يوليو ٢٠٠٥ وشملت تفجيرات فندق غزالة، والسوق التجارية ومقهي سياحيًا، ثم التفجير السابع والأخير وتم تنفيذه في مطار الجورة بعد ذلك بشهر.
وخطط التنظيم كذلك لعدة عمليات لم تتم وهي إحراق السفن الأمريكية في قناة السويس، وتفجير ثلاث كنائس بالعريش ورفح، وتفجير مصنع للأسمنت لإمداد إسرائيل بالأسمنت، وتفجير مديرية أمن العريش، ومباحث أمن الدولة، ومحاولة اغتيال ضابط بمكتب مباحث أمن الدولة في رفح، ولم يتمكن التنظيم من تنفيذها، حيث إن تفجيرات شرم الشيخ في يوليو، جعلت التحرك في سيناء شبه مستحيل بعد أن حشدت الأجهزة الأمنية الآلاف من القوات المزودة بالمعدات الحديثة، مما شل حركة التنظيم.
وفي المرحلة الرابعة والأخيرة أصبح الهدف الأول لأعضاء التنظيم هو الهروب من الملاحقات الأمنية، فقسموا أنفسهم مجموعات، واختبأوا داخل الكهوف الجبلية في سيناء وفي المزارع، وتمكن بعضهم من الهرب، وقتل البعض، وسقط الآخر متهمًا في قبضة الأجهزة الأمنية،كما قتل قائد التنظيم خالد مساعد وبعض مرافقية.
تولي "نصر خميس الملاحي" قيادة التنظيم الإرهابي في أعقاب مصرع القيادي "خالد مساعد"، وقام الملاحي بإعادة وضع هيكل تنظيمي للعناصر الهاربة واستقطاب عناصر جديدة وضمها للتنظيم الإرهابي لمعاودة التخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية أخري انتقاما لمصرع قائدهم وضبط قيادات التنظيم.
كون الملاحي مجموعة أساسية من قادة التنظيم في مقدمتهم "سليم عطا الله الزيود وسلمان محمد سليم الزيود" للاستعانة بهم في عمليات الاستقطاب وتلقين أفكارهم بتكفير المجتمع ومؤسساته وفرضية الجهاد وجواز العمليات الاستشهادية واستحلال أموال من يعتبرونهم كفارا لعناصر "التوحيد والجهاد"، وكذلك في الاعداد لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة.
وفقا لاعترفات المتهم "أحمد سلام" أنه كان تاجر مخدرات حتي عام ٢٠٠٢، وتحديدًا الحشيش والبانجو، ولكن غضب والده عليه وطرده من البيت من قرية المجاهدين بالتل الكبير بالإسماعيلية، جعله يشعر بضرورة تصحيح مساره، فالتزم دينيًا، وتردد على أحد المساجد بقرية "زرزارة" المجاورة لبلده، وتعرف خلالها على ياسر عبد الله محيسن "فلسطيني الجنسية، وعرفه على عودة خضر الشنوب، وحدثه الأخير كثيرًا عن الجهاد وفضائله، ثم طلب منه أن يبايعه على السمع والطاعة، فقاموا بمبايعته، وكلفه بشراء الأسلحة من السودان.
"التمويل العسكري.. من بقايا الألغام"
كلف "نصر الملاحي" بعض عناصر التنظيم بتجميع كمية كبيرة من الألغام الأرضية الموجودة بحقول الألغام، ومناطق مخلفات الحروب بسيناء وتفريغ محتوياتها من المادة المتفجرة ـt.n.t ـ واستخدام كميات من المحتويات في تعبئة أنابيب بوتاجاز صغيرة الحجم، وقيام "عيد سلامة الطراوي" بإعداد التوصيلات الكهربائية الخاصة بهذه العبوات لاستخدامها في عمليات تفجيرية انتحارية، وتدبير كميات من الأسلحة من خلال بعض العناصر الجنائية.
ومن خلال الأشقاء الثلاثة ـ منير وأيمن ويسري محارب- وفقًا لاعترافات المتهمين المقبوض عليهم في أحداث طابا فإنهم نجحوا بفتح قنوات اتصال مع بعض عناصر فلسطينية أصولية، وتمكنوا من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة والارتباط ببعض العناصر الفلسطينية ممن كان لهم تردد على مدينة العريش، حيث قام على أثر ذلك الفلسطيني كنيته أبوسليمان بإمداد يسري محارب بمبلغ ألف دولار وتليفون محمول مزود بشريحة مربوطة على شبكة الاتصالات الإسرائيلية لمتابعة الاتصال، وهي الشريحة التي عثر عليها بحيازة شقيقه منير محارب الذي لقي مصرعه في مواجهة أمنية.
"المحور الفكري للتنظيم وعمليات التمويل"
وفقًا لما ورد في اعترافات المتهم "سليمان شويهر" أن القائد العسكري للتنظيم "سالم الشنوب" أمدهم بشرائط فيديو عن العمليات التي نفذها أبومصعب الزرقاوي، وهو ما يشير إلى احتمالية اقتناعهم بأفكار القاعدة، وطبقًا لاعتراف المتهم أحمد سلام قائد خلية الإسماعيلية فإن شخصا مجهولا يتولى عملية تمويل التنظيم وإنه عندما طلب نصف مليون جنيه لشراء أسلحة (90 ألف دولار) من القائد العسكري للتنظيم اتصل بشخص مجهول لتدبير المبلغ وأنه يحتمل أن يكون الشخص المجهول على ارتباط بجهات أجنبية، وكذلك اعترف المتهم يونس عليان أبو جرير بأن مصريا يدعى موسى أيوب ويعمل مدرب جمال في قطر يحول مبالغ مالية للتنظيم في مصر.
نجحت الأجهزة الأمنية مابين عام 2005 وحتى 2008 فى إلقاء القبض على عناصر التنظيم ما أثر عليه وأضعفه وشملت حملات الاعتقال رفاق مساعد في مجلس الشورى القديم، فاعتقل "حمدين أبو فيصل وهاني أبو شيتة"، كما اعتقل الشيخ أسعد البيك أحد أبرز شيوخ العريش وناصر أبو زقول أحد عناصر التنظيم والجهاد، وتوفيق محمد فريج زيادة الذي قبض عليه عقب أحداث شرم الشيخ 2005 وأفرج عنه 2009، وعقب ثورة يناير وهروب المساجين وصدور قرارات عفو بشأن آخرين من الجهاديين، عادوا مرة ثانية إلى سيناء لتأسيس تنظيم جديد تحت ما يسمي "أنصار بيت المقدس" وبينهم الإرهابي كمال علام.