الإعلام مهنة أم رسالة؟
" لقد أصبحت شاشة التلفزيون هي الشبكية لعين العقل " كانت تلك الكلمات هي أشهر ما قيل عن الإعلام في الأفلام الأجنبية في الثمانينات، وعلى الرغم من ظهور مواقع التواصل الاجتماعي ولكن ظل الإعلام يستحوذ على عقول الكثير، فمواقع التواصل مهما بلغت شعبيتها ولكنها تفاعلية تعتمد على التفاعل بين المستخدم والموقع، أما الإعلام فيظل هو السلعة المجانية التي تُقدم لكل العقول والمستخدمين دون أدني تفاعل مطلوب لاستخدامها.
لا أتصور أن العاملين بالإعلام مثل أي منّا، يذهبون لعملهم وكأنه جزءًا من التقليد اليومي ليمارسوا كل الطقوس الروتينية به، خاصة في ظل أي تغيّر هيكلي أومفصلى في الدولة على كافة الأصعدة؛سياسيًا أو اجتماعيًا.
فالإعلام هو الفرصة الذهبية لأي دولة لتشكيل وعي جديد صحي وقويم،وفى ذات السياق نجد الخصم يستخدم نفس السلاح في محاربة الدولة الناجحة ولكن ليس بالشكل التقليدي الذي نمارسه نحن في وسائل الإعلام؛ والذي نطلق عليه " إعلامهم الكاذب" .
فهم يستخدمون حيل إعلامية كثيرة بل خططًا إعلامية مختلفة، كل منهم له دور محدد، له ملف محدد يتحدث به ليشوهه، له شخصية معينة يسلط الضوء عليها ليغتالها معنويًا أمام المشاهد.
ولايمكن أن يكون الحل في محاربة إعلامهم الكاذب الحجب فقط ! في ظل عالم مفتوح ومواقع تواصل اجتماعية لا تهدأ ولا تنام، ولايمكن محاربة إعلامهم الكاذب بإعلام تقليدي يتحدث في ذات المواضيع بنفس وجهة النظر كل يوم.
ولذا على الإعلام اليوم أن يجدد ذاته ويجدد سياساته،بالإضافة إلى كل مجهوداته العظيمة التي قدمها في الفترة الأخيرة، فبادئ ذي بدئ على صناعة الإعلام أن تتبنى التعمق المعرفي الرأسي في تناول القضايا المختلفة ، فماذا سينتفع المشاهد إذا تابع ذات رؤوس العناوين والمواضيع والخطوط العريضة للقضايا بذات الكلمات أو بذات درجة التعمق؟
وهنا يتطلب التخصص والتنسيق بين كل برامج التوك شو السياسية والاجتماعية، أمّا أن تقُسم على أساس مخاطبة ملفات أو على أساس مخاطبة فئات مختلفة من المشاهدين، فيتبنى برنامج ما – على سبيل المثال- ملف بعينه ويتتبعه في خط زمني متتالي مجمعًا كل ما حوله من معلومات، ويتبنى الآخر ملفًا غيره، أمّا أن يتبنى فئة معينة بكل قضاياها وينتقى طريقة تواصل مناسبة وسهلة وجذابة لها، ويتبنى الآخر فئة أخري بعد دراسة جيدة وإحصاء للفئات المختلفة في المجتمع.
ولاسيما ابتكار الزوايا المختلفة في تناول القضية والطرح المهني في تناول الأحداث ومجريات الأمور وخلق زوايا جديدة وكأنها نوافذ نستطيع أن نأخذ أعين المشاهد لتطل من خلالها على الأمور بشكل مختلف بها عمالا للعقل والتفكّر ، دون توجيه أو تكرار أو كلمات معتادة تنفر المشاهد فيعزف عن متابعة الإعلام ويتجه لإعلامهم الكاذب أو لاستقاء المعلومة من التواصل الاجتماعي.
فالطرح المهني المحايد الصادق المبسط الذي يحترف إيصال المعلومة ويجيد التسويق السياسي والاجتماعي، يجيد تسويق الفكرة الصادقة والمبدأ النبيل بمهنية إعلامية يحتاج إلى صناعة ورؤية جديدة تستطيع هزيمة إعلام الجماعة الكاذب المضلل، فينفر المشاهد من كذبهم وضلالاتهم.