بالعلم والايمان تكتمل الصورة
فى أعقاب اكتشاف ( الجينوم البشري ) واعلان هذا المشروع العلمي الضخم وقف الرئيس الامريكي بيل كلينتون فى خطابه الشهير وقام بمقارنة بين تسلسل خريطة الجينوم البشري واوضح الفرق بينها وبين الخريطة التي كشف عنها المستشكف الأمريكي ( ميرويذر لويس ) أمام الرئيس توماس جيفرسون فى ذات الغرفة، وقال كلينتون: ( من دون أدنى شك، هذه أهم وأروع خريطة تم صنعها من قبل الانسان )، ولكن الجانب الذي جذب انتباه الرأي العام فى خطابه هو القفز من الجانب العلمي إلى الجانب الروحي، حيث قال: ( اليوم بدأنا نفهم اللغة التي خلق الله بها الحياة، بدأنا نتعرف بإعجاب على تعقيد وجمال ودهشة الهدية المقدسة للرب).
إن العبارات التي قالها كلينتون تلخص أمامي الكثير من الفلسفات والنظريات، فالعلم وحده لا يكفي لفهم الكون، والايمان وحده لا يكفي لفهم الخالق والكون، ولكن بالعلم والايمان تكتمل الصورة الايمانية الراسخة فى القلوب، ومبادئ الايمان فى حقيقتها تتكامل مع مبادئ العلم.
وبالتالي ليس هناك تعارض بين أن تكون عالمًا وبين أن تكون شخصًا يؤمن بالاله الواحد الأحد الذي يهتم بتفاصيل كل واحد منا، فمجال عمل العلم هو اكتشاف الطبيعة، أما مجال الإله فهو العالم الروحي الذي لا يمكن اكتشافه بالأدوات أو بلغة العلم وإنما عن طريق القلب والروح والعقل.
العلم يقف عاجزًا عن الاجابة عن اسئلة من قبيل ( لماذا وجد العالم ؟ )، ( ما معنى الوجود الانساني ؟ )، ماذا يحدث بعد أن نموت ؟، الاجابة على مثل هذه الاسئلة العميقة هى من ضمن أقوى محفزات التفكير لدى البشر، ولذلك علينا أن نستعين بكافة القدرات والرؤى العملية والروحية للحصول على فهم ما هو مرئي وغير مرئي.
إن البحث الجاد للوصول لله لابد وأن يجد ضالته، ولكن الذي أعلن أنه ( لا أدري ) فهو أعلن عن موقف عقله الذي لا يعرف ما اذا كان الاله موجودًا أم لا، وهناك أنواع من اللا أدريين، فمنهم من وصل إلى هذا الموقف بعد تحليل معمق للأدلة وهؤلاء قلة، أما الغالبية من اللا أدريين فهم وجدوا الموقف المريح الذي يسمح لهم بتجنب التفكير فى الحجج التي يجدها مزعجة من الناحيتين.
فمثلًا شاب فى مقتبل العمر مع عالم ملئ بالمغريات سيكون من الأنسب تجاهل الحاجة إلى سلطة روحية عليا، ويمارس نمط من سلوك ( العمى الطوعي )، ولكن ماذا لو فجأة مرض هذا الشاب أين الملجأ ؟ ومن أين له شعور بالطمأنينة بالبقاء فى هذا العالم، أو حتى الانتقال إلى العالم الآخر الأفضل ؟؟
فالايمان هو العصا النفسية التي يتوكأ عليها الانسان، وهي ليست عصا موروثة من عادات خادعة أو تقاليد مزيفة بل أنها من القوة بمكان تجعل المستند اليها قوي فى مواجهة كل أعباء الحياة.
إننا عندما نتحدث عن ( الالحاد ) فهو موقف فلسفي او علمى أيا كان سببه ولكنه طريقا واضحا، فالملحد وصل الى الحاده بطريقة ما إلى عدم وجود خالق، فهو مخلوق من المادة مثلا، أما اللا أدري فهو يشبه في حالته اللا منتمي، فهو غير منتمي للمنظومة الايمانية، وغير منتم للمنظومة الاخلاقية، وغير منتم لأي نظرية علمية، فيجد نفسه أمام ( التفكيك ) تفكيك كل شيء من المعنى ويصبح كل شيء خواء بلا معنى وبلا هدف. إلى متى سيظل اللا أدري ( لا يريد أن يعرف ) ؟!، ألا يشعر القلب بالحاجة إلى الاطمئنان ؟.