هل اتفق الفقهاء على حكم ثابت لتعدد الزوجات؟
حسم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، موقفه من مسألة تعدد الزواجات الذي أثارت حالة من الجدل الاسبوع الماضي، بعد تصريحه في أحد البرامج الفضائية، والذي قال فيه: "إن تعدد الزوجات فيه ظلم للمرأة والأبناء في كثير من الأحيان" وفهم البعض منه أنه يحرم تعدد الزوجات.
وعاد الدكتور الطيب خلال برنامج "حديث شيخ الأزهر" المذاع الجمعة الماضي على الفضائية المصرية، ليوضح ماذا كان يقصده، مؤكدا أن الفقهاء عندما تناولوا الحديث عن تعدد الزوجات، كان كلامهم بشكل مفصل، بحسب كل حالة، وليس في العموم.. السطور التالية تلقي الضوء على هذه المسألة الفقهية من خلال تتبع آراء الفقهاء .
في البداية يمكن ملاحظة أن مسألة تعدد الزوجات أخذت حيزا كبيرا لدى العلماء قديما وحديثا نظرا لأهميتها، وأكدوا على مشروعيتها، وأوضحوا أنه ليس هناك حكم عام إلا في المبدأ نفسه، أما التفاصيل فقد اشتملت على الأحكام الفقهية الخمسة، بحسب ظروف كل حالة، فمنها ما ينطبق عليه التحريم، ومنها ما وضعه العلماء في حكم المباح، ومنها ما اعتبروه من باب الاستحباب ومنها المكروه ومنها الواجب.
القاعدة العامة
يؤكد ابن رشد في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد أن القاعدة العامة هي اتفاق المسلمين على جواز نكاح أربعة نساء، وقال :
" واتفق المسلمون على جواز نكاح أربعة من النساء معا"
وكذلك هو المعمول به في الفقه الشافعي ومن ذلك يقول مؤلف "الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي":
"تعدّد الزوجات مُباح في أصله، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، ومعنى الآية: إن خفتم إذا نكحتم اليتيمات أن لا تعدلوا في معاملتهنّ، فقد أُبيح لكم أن تنكحوا غيرهن، مثنى وثلاث ورُباع"(2).
ويؤكد أن تعدد الزوجات تسري عليه الأحكام الفقهية تبعا لأحواله فيقول:
" قد يطرأ على التعدّد ما يجعله مندوباً، أو مكروهاً، أو محرماً، وذلك تبعاً لاعتبارات وأحوال تتعلق بالشخص الذي يريد تعدد الزوجات وهي:
أـ فإذا كان الرجل بحاجة لزوجة أخرى: كأن كان لا تعفّه زوجة واحدة، أو كانت زوجته الأولى مريضة، أو عقيماً، وهو يرغب بالولد، وغلب على ظنه أن يقدر على العدل بينهما، كان هذا التعدد مندوباً، لأن فيه مصلحة مشروعة، وقد تزوج كثير من الصحابة رضي الله عنهم بأكثر من زوجة واحدة.
ب ـ إذا كان التعدّد لغير حاجة، وإنما لزيادة التنعّم والترفيه، وشك في قدرته على إقامة العدل بين زوجاته، فإن هذا التعدد يكون مكروهاً، لأنه لغير حاجة، ولأنه ربما لحق بسببه ضرر في الزوجات من عدم قدرته على العدل بينهنّ.
[والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " دْع ما يريبُك إلى ما لا يَريبُك "(3)، أي دع ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه.
ج ـ وإذا غلب على ظنه، أو تأكد أنه لا يستطيع إن تزوج أكثر من واحدة أن يعدل بينهنّ: إما لفقره، أو لضعفه، أو لعدم الوثوق من نفسه في الميل والحيف، فإن التعدد عندئذ يكون حراماً، لأن فيه إضراراً بغيره، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا ضرر ولا ضرَارَ "(4).
وقال الله عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} [النساء: 3].
[فواحدة: أي فانكحوا واحدة فقط. ذلك أدنى أن لا تعولوا: أي أقرب إلى عدم الميل والجور، لأن أصل العول: الميل].
ويجب أن يعلم أنه لو عدّد الزوج في الحالتين الأخيرتين، وعقد على ثانية، أو ثالثة، كان العقد صحيحاً، وترتبت على آثاره: من حلّ المعاشرة، ووجوب المهر، والنفقة وغيرها، وإن كان مكروهاً في الثانية، وحراماً في الثالثة، فالحُرمة توجب الإثم، ولا تبطل العقد"(5).
استحباب الاكتفاء بواحدة
ومن الفقهاء من رأي استحباب الاكتفاء بواحدة واعتبروا أن ذلك الأصل، ومن ذلك أقوال فقهاء الحنابلة، قال المنقح المرداوي:
"ويستحب أيضا : أن لا يزيد على واحدة، إن حصل بها الإعفاف . على الصحيح من المذهب . جزم به في المذهب ، ومسبوك الذهب ، والخلاصة والرعايتين ، والحاوي الصغير ، وغيرهم . قال في الهداية ، والمستوعب ، وإدراك الغاية ، والفائق : والأولى أن لا يزيد على نكاح واحدة . قال الناظم : وواحدة أقرب إلى العدل . قال في تجريد العناية : هذا الأشهر . قال ابن خطيب السلامية . جمهور الأصحاب استحبوا أن لا يزيد على واحدة قال ابن الجوزي : إلا أن لا تعفه واحدة"(6).
وقال في تصحيح الفروع":
" قوله : ويستحب نكاح دينة ولود بكر حسيبة جميلة ، قيل : واحدة ، وقيل : عكسه ، وهو ظاهر نصه . انتهى . القول الأول هو الصحيح عند أكثر الأصحاب ، قال ابن خطيب السلامية : جمهور الأصحاب استحبوا أن لا يزيد على واحدة"(7).
كيف يكون العدل بين الزوجات؟
ويرى الفقهاء أن العدل بين الزوجات من الأمور التي أوجبها الشرع، يقول مؤلف الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي:
"والعدل الذي أوجبه الإسلام على الرجل الذي يجمع بين أكثر من زوجة، إنما هو العدل والمساواة في الإنفاق، والإسكان، والمبيت، وحُسن المعاشرة، والقيام بواجبات الزوجة.
أما المحبة القلبية التي لا تولّد ظلماً عملياً لإحداهنّ فليست من مقوِّمات العدالة المفروض تحصيلها بين الزوجات، لأنه لا سلطان للإنسان على قلبه في موضوع المحبة، ولعلّ هذا هو الذي عناه القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ}. [النساء: 129]. أي لا تستطيعون أن تمسكوا بزمام قلوبكم في تحقيق المساواة في المحبة، فلا يحملنكم الميل القلبي إلى إحداهما أكثر من الأخرى على الظلم والإضرار.
أما العدل فيما ذكرنا من النفقة والإسكان، والمبيت وحُسن المعاشرة، فهذا أمر ممكن لكثير من الناس.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ـ بعد عدله في القسمة والمعاملة بين نسائه ـ: " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك "(8).
وذلك فيما يتعلق بأمر الحب وميل القلب، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحب عائشة أكثر من بقية نسائه" (9).
-----------------------
هوامش:
(1)بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد، الجزء الأول، ص 427.
(2) الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، الجزء الرابع، ص 34.
(3) رواه الترمذي (أبواب صفة القيامة، باب: أعقلها وتوكل، رقم: 2520) عن حسن بن علي رضي الله عنهما.
(4) (ابن ماجه: كتاب الأحكام، باب: من بني في حقه ما يضرّ جاره. موطأ مالك: الأقضية، باب: القضاء في المرفق).
(5) الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، الجزء الرابع، ص 35
(6) الإنصاف، المنقح المرادي، ج20، 25
(7) تصحيح الفروع، المرادي، ج5، 151.
(8) رواه أبو داود (في النكاح، باب: في القسم بين النساء، رقم: 2134) والترمذي (في النكاح، باب: التسوية بين الضرائر، رقم: 1140) وغيرهما عن عائشة رضي الله عنهما.
(9) الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، الجزء 4، 37.