أمير الحديث.. بين دفاع المنصفين وهجوم الطاعنين
البخارى أمير الحديث وسيد الفقهاء وإمام المحدثين، لقد اتفقت كلمة المثنين عليه بأنه إمام زمانه وأنه نادرة عصره، ولم ير مثل نفسه رحمه الله تعالى، إنه أمير الحديث وإن له مكانة خاصة فى قلوب المسلمين لما اشترط فيه مصنفه من ضوابط فاق فيها غيره، فلقد اشترط رحمه الله أعلى درجات الصحة لقبول الحديث، واستخرج من الحديث دقائق الأحكام من خلال التراجم التى وضعها لأبواب الصحيح، حتى عد هذا الكتاب خير كتاب بعد كتاب الله تعالى.
قال الإمام البخارى رحمه الله: (ما أدخلت فى كتابى الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول.وقد نص جمع من الحفاظ على أن أحاديث الصحيحين ملتقاة بالقبول عند العلماء وأنها فى حمى من النقد والتضعيف والإعلال وحكوه إجماعا مقطوعا به وخالفهم آخرون كالدارقطنى وابن عمار الشهيد وأبو مسعود الدمشقى وابن القطان الفاسى فتكلموا فى عدة أحاديث منه فى كتبهم.
لقد قال حاشد بن إسماعيل فى معرض حديثه عن منزلة البخارى سمعت قتيبة يقول:(مثل محمد بن إسماعيل عند الصحابة فى صدقه وورعه كما كان عمر فى الصحابة) وقال الحافظ ابن حجر:(قد كان الشيخ أبو الحسن المقدسى يقول فى الرجل الذى يخرج عنه فى الصحيح هذا جاز القنطرة، يعنى بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه قال الشيخ أبو الفتح القشيرى فى مختصره وهكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه إلا بححة ظاهرة وبيان شافى.
ويقول ابن حجر رحمه الله فى كتابه (هدى السارى)- الكتاب العمدة فى الدفاع عن البخارى-:( قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى: كانا عند اسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوقع ذلك فى قلبى فأخذت فى جمع الجامع الصحيح) وروينا بالإسناد الثابت عن محمد بن سليمان بن فارس قال: سمعت البخارى يقول: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وكأننى واقف بين يديه وبيده مروحة أذب بها عنه فسألت بعض المعبرينوفقال لى: أنت تذب عنه الكذب فهو الذى حملنى على أخراج الجامع الصحيح.
وقال الحافظ أبوذر الهروى: سمعت أبا الهيثم محمد بن يوسف الفربرى يقول: قال البخارى: ما كتبت فى كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
وشهادة المنصفين فى بحث أمير الحديث محمد بن إسماعيل يعد بحثًا علميًا جمعه وعرضه على علماء التخصص فى زمانه وما خالفه أحد فى شىء أتى به إلا بعض الاعتراضات وقد أوفى العلماء ذكرها فى العديد من الكتب.
قال العقيمى: (لما ألف البخارى كتابه الصحيح عرضه على ابن المدينى ويحيى بن معين وأحمد ابن حنبل وغيرهم، فاستحسنوه وكلهم قال: كتابك صحيح إلا أربعة أحاديث قال العقيمى: والقول فيها قول البخارى وهى صحيحة.
وتقرر أنه التزم فيه الصحة وأنه لا يورد فيه إلا حديثا صحيحا، هذا أصل موضوعه وهو مستفاد من تسميته إياه (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه).
وقال الحافظ العراقى:(اعلم أن درجات الصحيح تتفاوت بحسب تمكن الحديث من شروط الصحة وعدم تمكنه وإن أصح كتب الحديث البخارى ثم مسلم).
لذا: فصحيح البخارى نتاج مرحلة جمعه البخارى، ونقده المتخصصون فى عصره والقرن الذى يليه وما زاد مع الانتقادات إلا ثباتا وإحكاما، فحق له أن يكون أصح الكتب بعد كتاب الله، بإجماع الأمة الإسلامية.
وفى صحيح الإمام البخارى العديد من الأمور التى يعجب لها طالب العلم والباحث من شدة دقتها وإحكامها، ومازال الباحثون يأتون على ذكرها فى أبحاثهم، شريطة الإنصاف والتزام القواعد العلمية المؤهلة لمثل هذا
وعلى قوة الصحيح ورسوخه، فقد كان صاحبه ورعا، رحمه الله كان الإمام البخارى يقول:(إنى لأرجو أن ألقى الله تبارك وتعالى ولا يحاسبنى أنى اغتبت أحدا).
يتبع فى المقال القادم، تهم وطعون معاصرة والرد عليها، ( أمير الحديث بين دفاع المنصفين وهجوم الطاعنين)