العراق وازمة العقوبات الامريكية على ترامب
منذ ان اعلان رئيس الولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب تطبيق العقوبات الاقتصادية على ايران، والعراق في جدل مستمر بشأن تطبيق العقوبات او رفضها.
لم يقتصر الجدل على المجتمع السياسي، فمثل هذه المواضيع تجد لها رواجا داخل فئات المجتمع جميعها،لاسيما وانها تأتي بالتزامن مع حراك شعبي واسع نتيجة نقص الخدمات والاستحواذ السياسي على اقتصاد البلد والمؤسسات الحكومية المختلفة، ما ادى الى تفاقم نسبة البطالة بين الشباب.
والرابط بين الموضوعين ام الكثير من هؤلاء الشباب والمتظاهرين يحملون ايران مسؤولية انهيار الاقتصاد العراقي عبر اذرعها في العراق التي عملت على تعطيل المصانع والشركات العراقية لاتاحة المجال امام السلع الايرانية بالتدفق على السوق العراقية التي اصبحت مشاعا للبضائع المستوردة لاسيما من ايران وتركيا والاردن ناهيك عن الصين.
لكن بالمقابل يجد الكثيرون من الاحزاب السياسية وابناء الشعب ان الوقوف مع الولايات المتحدة بالضد من ايران يعد موقفا لا اخلاقي لاسيما وان ايران وقفت الى جانب العراق في مواجهة تهديدات تنظيم داعش الارهابي الذي هدد بغداد نفسها لولا صدور فتوى الجهاد الكفائي من المرجعية الدينية (الشيعية) والتي لاقت دعما ايرانيا واضحا سواء ما اعلن منه او بقي بالسر، وهذا الموقف كما ترى الفصائل العراقية التي انضوت تحت لواء (الحشد الشعبي) والتي اغلبها تلقت دعما ايرانيا، يستوجب رد الجميل ورفض العقوبات الامريكية على ايران جملة وتفصيلا حتى وان اضطر الامر الى مواجهة عسكرية من الولايات الامتحدة.
واغرب هذه المواقف تلك التي اعلنها البعض من الساسة العراقيين الذين يحملون الجنسية الايرانية مطالبين الحكومة العراقية بدفع تعويضات لايران عن حرب السنوات الثمان وتصل الى ترليون و100 مليار دينار، وهو ترديد لتغريدة كتبها نائب ايراني، غير ان هذا الموقف لم ينل الا السخرية والاستهزاء من الشارع العراقي الذي تداول الموضوع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. معربين عن استغرابهم واستهجانهم من مواقف السياسيين العراقيين المعارضين لنظام صدام حسين التي كانت تؤيد الحصار على العراق وقتها.
ولكن بالمقابل يشير المواطنون العراقيون الى اخذ العبرة من تجربة الحصار الامريكي على العراق بعد غزو الكويت، اذ يؤكدون على ان الحصار الاقتصادي ينال من المواطنين والفقراء فحسب اما القيادات الحكومية والسياسية المهيمنة على مقدرات البلاد لا تتأثر بها، وهذا يعني ان الحصار سيكون موجها للمواطن الايراني البسيط وهذا مرفوض جدا من الناحية الانسانية والاخلاقية.
وهناك من يرى ان رفض العقوبات الامريكية يمكن ان يؤدي بالعراق الى كارثة اقتصادية كبيرة، لاسيما اذا قررت الولايات المتحدة وقف دعمها الى الحكومة العراقية وبالتالي يمكن ان ينجر هذا الموقف على الدول المؤيدة لواشطن، اضافة الى المنظمات الدولية التي تهيمن واشنطن على صناعة القرار فيها مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي ارتبط العراق بها بديون ثقيلة ومشاريع لا يستطيع ايقافها وبشكل خاص اعمار المناطق المتضررة من الحرب مع تنظيم داعش والبنى التحتية في العديد من المحافظات الجنوبية والتي كان ضعفها سببا اساسيا في التظاهرات الشعبية شبه اليومية في تلك المحافظات.
ولكن هل يعني هذا ان العراق ملزم بتطبيق العقوبات الامريكية على ايران؟
رئيس الجمهورية فؤاد معصوم اشار الى صعوبة ذلك، اذ ان العراق يرتبط مع ايران بأكثر من اتفاقية اساسية كما ان الاستثمارات المتبادلة بين البلدين كبيرة، وهناك استثمارات مالية عراقية كبيرة في ايران ومنها ما يتبع لاحزاب متنفذة، ما يعني ان الحصار الامريكي على ايران سيكبدها خسائر كبيرة لايمكن تعويضها في السوق العراقية اليوم مع ما تشهده من ازمة اقتصادية عامة.
لكن رئيس الوزراء حيدر العبادي المح في مؤتمره الصحفي الاسبوعي الى ان العراق قد يستجيب للعقوبات الامريكية وهو ما فتح النيران الصديقة عليه، لدرجة التلميح بأنه اصبح من المتعذر التجديد له لولاية ثانية على رأس الحكومة. رغم ان تصريح العبادي لمن يكن الموقف الرسمي للحكومة حيث صدر بيان عن وزارة الخارجية العراقية اشار فيه الى ان العراق يرفض الحصار الاقتصادي على ايران ولا يلتزم به.
وما ساهم في رفض موقف المالكي مواقف تركيا ودول اخرى اعلنت عدم التزامها بالعقوبات الامرية على طهران.
الموقف الاكثر عقلانية كان شعبيا حيث دعا اصحاب هذا الموقف الى ان يكون قرار العراق مبنيا على المصلحة الوطنية اولا، حيث لا توجد في العلاقات السياسية غير المصالح المبنية على مصلحة البلد العليا وهي بالضرورة تستوجب دراسة الحالتين( رفض او تأييد) العقوبات الاقتصادية ومدى تأثير كلّ حالة على وضع العراق وشعبه وبالتالي العمل على اتخاذ القرار الصحيح.
ويشدد اصحاب هذا الاتجاه على ان طهران وواشنطن،ناهيك عن الدول الاخرى لم تتعامل مع العراق ودعمه بوجه من الاوجه الا بالنظر الى مصالحها ومدى الاستفادة من ذلك، فدعم ايران للعراق في مقاتلة داعش كان على اساس ابعدا خطر الارهاب عن الحدود الايرانية ومقاتلته في العمق العراقي، وبمقاتلين عراقيين هم من حقق النصر، والمساعدات الايرانية كانت مدفوعة الثمن.
وهذا حال مواقف الولايات المتحدة التي تأمل في الاستحواذ على القرار العراقي واقتصاده والعمل على جعله قاعدة اساسية لقواته في مواجهة ايران او روسيا، فالولايات المتحدة كما هو معروف عنها لا تأبه للشعوب كما تدعي بل تبحث عن مصالح لها بغض النظر عن مصلحة الآخرين وتجلى ذلك بوضوح منذ تولي دونالد ترامب قيادة الادارة الامريكية وتاييده العلني للمشروع الصهيوني بالضد من التوجهات الفلسطينية والعربية والاسلامية، حتى وصل الامر الى ما يعرف بصفقة القرن التي تكرس للهيمنة الاسرائيلية على ما حولها، حتى وصل الامر الى نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة وهو موقف لم يجرء رئيس امريكي سابق على اتخاذه. وهذا الامر كفيل بأن يجعل من القوى الدينية الاسلامية،التي تهيمن على المشهد السياسي العراقي، الوقوف بالضد من التوجهات الامريكية حتى وان ادى ذلك الى المواجهة الفعلية.
اذن الحكومة العراقية اليوم في موقف لايحسد عليه، بين الضغوطات الامريكية، ورغبتها بعدم قطع حبال الود مع طهران. لاسيما وان جميع الاطراف يدركون ان الحكومة العراقية لو قررت الالتزام بالعقوبات فأنها لايمكن بحال من الحال تنفيذ هذا الالتزام فالحدود العراقية الواسعة بين العراق وايران مفتوحة على مصراعيها وتدفق الاموال والسلع بين البلدين مستمر، والمصالح المتبادلة للطرفين لايمكن ان تتوفق بقرار امريكي…