«ترشيد الجهاد» لسيد إمام.. مراجعات في الهواء يهزمها المتاجرون والجامع والعمدة
يعد سيد إمام الشريف
أو الدكتور فضل أو عبد القادر بن عبد العزيز أحد أهم المنظرين في الساحة الجهادية لكثير
من تنظيمات العنف خلال السنوات الماضية.
لعب فضل دور المفتي والمنظر الشرعي وختم علاقته بتنظيم القاعدة بكتاب وثيقة ترشيد العمل الجهادي، لتكون تصحيحا لمفاهيم قد سطرها سابقا في كتابيه الأهم والأشهر في أفكار التنظيمات الجهادية المسلحة، وهما كتاب "العمدة في إعداد العدة" وكتاب "الجامع في طلب العلم الشريف".
سيد العمدة والجامع
وقد تردد في كثر
من الأوساط الجهادية قبل القبض علي سيد إمام الشريف أن كتاب الجامع في طلب العلم الشريف
أحدث أزمة نفسية لسيد إمام، فعندما انتهي من كتابه الجامع وهم بنشره علي قواعد الجهاد
فى افغانستان ومنها إلي الدول المختلفة، رفض الظواهري بعض فصوله التى رأها بحسب مقربين
من الظواهري أنها تحمل قدرا من الغلو والتكفير الذي ينشره الأمير أو المسئول الشرعي
للتنظيم على قواعده، وبالتالي حذف أكثر فصول كتاب "الجامع في طلب العلم الشريف"
تشددا لما من طعن بالجماعات الأخرى، كان الظواهري في غني عنه في هذه المرحلة ليحاول
مد جسور التعاون بينهما وخاصة جماعة والإخوان.
دفع ذلك سيد إمام
لان يشن هجوما عنيفا على الظواهري وهاجم بعدها جماعة الجهاد واعتبرها جماعة ضالة أكثر
من الحكام! رغم ان ثلاثي الجماعة تقريبا تربي علي يديه وعلى مؤلفاته وخاصة كتاب"
العمدة في اعداد العدة " قبل ان ينزل الأسواق في عام 1988م قامت جماعة الجهاد
المصرية بتوزيعة علي ملازم سميت في هذا الحين الرسائل الصفراء، وهذا يعطينا مؤشرا على
مدى سلامة فكر ومنهج هذه الجماعات التي يضلل بعضها البعض فلا تعرف المصيب منهم! وبرغم
ذلك لا تزال كتب سيد إمام تعدّ عمدة للشباب في عالم الجماعات والتنظيمات السرية عبر
العالم!!
أمير الانتقام لا أمير المراجعات
بعد استقالة الأمير أو انفصال سيد إمام اعتزل التنظيم وانشغل بكتاباته ورحل للسودان عام 1993، وقطع علاقته بأسامة بن لادن تماما، وفي عام 1994م، رحل لليمن وبقي هناك حتي أحداث11 سبتمبر 2001 فقد تم اعتقاله من اليمن وبقي معتقلًا حتى سلّمه اليمن لمصر في عام 2004م، وبقي في السجن وهناك أتم مراجعات منفرده تماما عن التنظيم ومجموعات الجهاد، والتي كانت قد سبقته بمراجعات أطلق عليه المسائل الشائكة، أووثيقة المسائل الشائكة عام 2002م، ليخرج هو بطريقة منفردة وثيقة باسم ترشيد العمل الجهادي، وأفرج عنه عقب ثورة 25 يناير 2011م.
في اطار المراجعات
الفكرية التي كانت تقوم بها مجموعات الجهاد دعا منظر وواضع بعض مؤلفاتها سيد امام الشريف
جميع الحركات الإسلامية إلي ترشيد عمليتها وتحريم التوسع في عمليات القتل بإسم الجهاد
التي انطوت علي مخالفات شرعية في كثير من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية.
خرجت الوثيقة في
111 صفحة، ونشرت على مدار خمسة عشر حلقة متواصلة في الصحف المصرية متزامنة مع صحف خليجية،
فتحدثت عن دوافع إصدار الوثيقة والتعريف بها والأهلية الشرعية وولاية الأسير، وشرط
القدرة وفتاوى الاستحلال، وشرط الإذن والتكافؤ في الجهاد، وحكم الخروج على الحاكم،
وموانع قتل السائحين، والغدر بالأجانب في بلادهم، وحكم قتل المدنيين، وضوابط التكفير(ولا
أعلم أين هذه الضوابط من وثيقة "المتاجرون بالدين" التي اخرجها إمام قبل
حكم المعزول محمد مرسي)، ومعاملة أهل الكتاب، وحكم جهاد المنفرد، ونصائح لأتباع الجماعات
ثم تابع نصائح لأتباع الجماعات ونصائح لولاة الأمر.
الانعزال والوحدة
في السجن
في نفس الوقت الذي
كان يتنافس فيه زعماء الجهاد في داخل السجون على من يكون في مقدمة هذه المراجعات ومن
يوضع أسمه أولا في الصحف وأجهزة الإعلام ومن هو المعبر عن تنظيم الجهاد ومراجعاته في
الداخل واستغراق ذلك بالتالي بعض الوقت ليحسم الأمن الأمر بأن الأمير والإرهابي والمكفراتي
السابق سيد إمام الشريف أمير المراجعات الجهادية في السجون المصرية هو قائد المراجعات
الخاصة بالجهاد، ولم يلتفت أحد إلي المراجعات الحقيقية لمجموعات مثل عين شمس وناهيا
وكرداسة والاسكندرية وبرطس وغيرها من مجموعات تنظيم طلائع الفتح أنذلك.
على العكس تماما
كانت الجماعة الإسلامية وقادتها كرم زهدي، وناجح إبراهيم، الذين كانوا يطرحون ويدفعون
باسماء مختلفة للأمن للإفراج عن اتباعهم، وتجمد سيد إمام وعاش احباطاته الداخلية ونفسيته
المتجمدة في مكانه ولم يبحث عن أي وسيلة حتي للنقاش مع عناصر ومجموعات الجهاد المختلفة
مما تؤكد نظرية انغلاقة الفكري وتطرفة الأيديولوجي، وعززت أكثر هذه المعلومات من كونه
يكتب هذه المراجعات لانتقام من الظواهري ومجموعاته أكثر من كونه يكتب مراجعات حقيقية
عن الفكر وتصور ايديولوجي وحركي.
رؤية نقدية لوثيقة
ترشيد العمليات الجهادية
وفي هذا الإطار
وضع الدكتور حيدر ابراهيم المفكر السوداني بعض الملامح النقدية لوثيقة سيد امام الشريف
ترشيد العمل الجهادي وهو الذي قدم رؤي نقدية لتجارب الحركة الإسلامية السودانية والتونسية،
في سبع نقاط مهمة قال فيها:
2ـ اعتمد المؤلف في كتاب الجامع علي المواجهة المسلحة الجماعية كأداة للتغرير، معتبرا ان الحكام مرتدون مما يفرض علي الجماعة المسلمة الجهاد المتواصل في مواجهتهم مع رفض اي شكل من أشكال التغيير السلمي، ويلاحظ في كتاب الجامع أن المؤلف استخدم قدراته الذهنية في الاستدلال من النصوص الشرعية بما يوافق توجهاته ورؤيته حتي إذا تعارض ذلك مع آراء فقهية سابقة واحكام تحظي بالتأييد الواسع عند الجمهور اغفلها وتنساها عن عمد، ولم يقدم فضل في وثيقته الجديدة اي رد علي كتبه السابقة في هذا المجال علي الإطلاق.
3 ـ توسعت الافكار لدي المؤلف حتي انه كفر تقريبا جميع قطاعات المجتمع سياسيين وقضاة ومحامين وساسة ومن يشاركون ايضًا في الانتخابات، وكل من له صلة بالحكم والحكام، وهكذا يبدو المؤلف انه خاصم الدنيا كلها، طالما أنها تخالف منهجه وفكره حتي أنه يخاصم السابقين واللحقين ولا يقتنع باجتهاداتهم، لآن منهجه هو الاصح والأوحد ولم ينقح ذلك في كتاباته الجديدة وكان الأصل في العلاقات بين الدول الإسلامية والعالم هي علاقة الحرب لا السلام والتعايش والمشاركة.
4 ـ في كتاب "العمدة في اعداد العدة" وضع المؤلف ما اعتبره القضايا الشرعية الاعتقادية للمجاهدين فى معسكرات التدريب فى افغانستان أي انه كتبها خصيصًا لمرحلة افغانستان وصعود الجهاد الأفغاني، وكذلك جاء كتاب "الجامع" للتنظير العقائدي وكان للكتابين أكبر أثر في استشراء ظاهرة العنف في الدولة الإسلامية، إبان فترة التسعينيات والمواجهات الدامية التي وقعت بين الحكومات وجماعة الجهاد وبالتالي لم يصدر منه أي اعتذار واضح علي هذه العمليات السابقة.
5 ـ نفي كتاب الوثيقة فرض الولاية علي آحاد الناس، او اعتبار الأفكار الواردة فيها ملزمة للآحاد بالطاعة وبذريعة القيادة، ونفي حتي أهلية الفتوى والاجتهاد " معتبرا نفسة فقط " ناقل علم محيلا أمر السامع والطاعة لله والرسول وأولي الامر مستدلا في أفكاره بما هو في حكم الشرع والشريعة وبما لا يدع لاحد وفقا له الخيرة فيما يخالف ما يحجب بالشرع مقدم علي ما يجب بالعقد" وهو هروب ومراوغة كبيرة من تحمل المسئولية الشريعية والأيديولوجية.
6 ـ رد كاتب الوثيقة علي الادعاء بأنها كتبت في السجن بالإشارة إلي نماذج مماثلة (ما قاله سيدنا يوسف في سجنة، وكذلك كتابات ابن تيمية، وشمس الأئمة السرخسي وكتابه المبسوط في فقه الأحناف، التي كتبت في السجن، ودافع عن انه لم يتخاذل في السجون فالعبرة بدليل الكتابة وليس مكانها، مع الدعوة بالا يتقدم للحكم علي الوثيقة إلا من يطلع عليها لئلا ينساق وراء الشائعات، وهو هروب ايضا ومراوغة لمن يتهمه بانه كتبها تحت ضغط السجن.
7ـ رغم ان المبادرة تتضمن تغييرا جذريا عن اصل الأفكار المتشددة فى تبرير الجهاد، ولكن نلمح نوعا من الفكر الاعتذاري عن الكتابات التي روجت بين الآلاف من الشباب المسلم والهمت الكثيرين بالقيام بعمليات قتل وتخريب في بلدان عديدة، كما يلاحظ أن وثيقة ترشيد العمل الجهادي فى مصر موجهة للعالم وليس للجماعة في مصر ولا المجموعات في الداخل وكأنهم غير موجودين.
الحقيقة لن يكون في الإمكان اعتبار ما كتبه سيد امام
اجتهادًا، كونها أي الوثيقة لا تزال تقوم على أسس الفكر الجهادي التكفيري الاستثنائي
المتسم بالتطرف والتشدد، لم يكن هناك ثمة تبرؤ من نظريات التكفير الموجودة بين ثنايا
السطور، والاستدلالات التي قامت على ادعاء ملكية الحقيقة الاسلامية واستبعاد الجميع
فيما يعد وهي قاعدة مطلقة فى الاقصاء عند سيد امام ومجموعاته القاعدية السابقة.
لقد ظهر ذلك جليا
في أول اختبار حقيقي في كتابه "المتاجرون بالدين "حيث كفر سيد امام كل مخالفيه
من الإخوان والجماعة الإسلامية واعتبرهم مرتدين بسبب وقوفهم علي تخوم واحد مع الإخوان
المسلمين في فترة ماقبل الثلاثين من يونيو.
إن اعتبار معيار التكفير وحكم الإقصاء في الرؤية السياسية أمر بالغ الخطورة حتي ولو اسقطه علي الإخوان لانه بضرورة سينسحب علي كل الموجودين حاليا نظام ومجتمع وتيارات وجماعات ولن يقف علي الخلاف السياسي مع الدولة فقط، وهذه هي خطورة أفكار سيد إمام التي تخف وراء المراجعات والانتقام من مجموعات الظواهري سهام يطلقهاعلي المجتمع والسلطة والناس والتيارات السياسية، وهي وابل جديد من التكفيرينتظر الإنطلاق في اي وقت .