سيدة تحكي تفاصيل أسرار سجون "داعش" السرية فى سوريا
ترو "فلك الفرج" شهادتها الشخصية عن سبعة أيام قضتها في سجن الطبقة الذي يقع في الريف الغربي لمحافظة الرقة بسبب محاولة الهروب من حدود سيطرة تنظيم داعش الإرهابي باتجاه الشمال السوري.
تقول "فريج" التي درست الآداب بجامعة الفرات وكتبت شهادتها عن مواقع التواصل الإجتماعي "لم تساعدنا ملابسنا والأدوات الزراعية، ولا قيامنا بوضع حقائبنا في أكياس الخيش للإيحاء بأننا ذاهبون للعمل في أرضنا، فكل الحجج تسقط أمام الهوية، التي بمجرد أن ألقى العنصر نظرة عليها انتهى النقاش. سيارةٌ أمامنا ودراجةٌ نارية خلفنا، كان موكبًا يليق بالفارين. تمَّ اقتيادنا إلى مقرهم في دبسي عفنان للتحقيق.
التفتيش الغير آدمي للنساء
وتضيف "فلك" عن بداية القبض عليها فتقول " الكارثة كانت تحت عباءتي، في حاسوبي الطافح بالملفّات المتعلقة بالثورة وعملنا الميداني السابق. بينما كان أخي يُضرَبُ تحت التحقيق في الغرفة المجاورة، وقفت زوجته أمامي وتواريتُ خلفها، فأخرجتُ حاسوبي وقمتُ بسحب بطاريته ورميها تحت الكنبة الموجودة في الغرفة. قدّرتُ أنهم حتى في حال وجدوه، فإنه من المستحيل أن يجدوا له بطارية في دولتهم.؟
وتقص كيف وصلت إلي السجن وبداية التحقيقات "مع ارتفاع أصوات آذان المغرب وصلنا إلى مدينة الطبقة. توقفت السيارة أمام بناء كبير، أغلبُ المنازل المجاورة له مدمرة نتيجة القصف. في البداية أخذوا الرجال، وبعد قليل عادوا وطلبوا منا النزول. سألتُ أحدهم عن أخي، فأجاب أن القاضي غير موجود، لذلك سنمضي الليلة في هذا المقرّ النسائي على حدّ تعبيره. لم يراودني الشكُّ ولو للحظة في كلامهم، فهم يملكون قدرًا كبيرًا من الوقاحة، وليسوا مضطرين للكذب."
دخلت "فريج" الحجز او الزنزانه وتم غلقَ باب الغرفة بسرعة، وقبل أن تعاين المكان استدرتُ إلى الباب، كان بابًا حديديًا أسودًا لا يوجد فيه أي منفذ للخارج، وقبل أن تكتمل الأسئلة في عقلها جاءت الأجوبة من إحدى السيدات الموجودات في الغرفة: «ما هي التهمة التي سجنوكم بها؟». ضحكتُ وقالت: «لسنا سجينات، نحن هنا لنمضي الليلة فقط». ضحكت أكبر الموجودات سنًا، وقالت: «أنتم في سجن الطبقة... ونحن جميعًا تمّ إخبارنا بالشيء ذاته عند اعتقالنا».
التعذيب والحرمان من الطعام
بينما كنتُ غارفتها هي الصدمة الأولى، تستكمل فتقول: " ضربَ السجان على الباب الحديدي وطلبَ أن تغطي النساء أعينهم فتستكمل وتقول " كان طلبه غبيًا، لماذا نغطي ونحن في صندوق مغلق لا نرى شيئًا؟ فتحَ نافذة صغيرة في أعلى الباب ورمى من خلالها ربطة خبز وكيسًا من البلاستيك يحتوي على وجبة العشاء، صلصة من البيض والبندورة تم طبخها ووضعها في الكيس، كان منظرها مؤذيًا للكرامة الإنسانية أكثر من أذية الجوع بكثير، فحتى الحيوانات عندنا في القرية كنا نفرغ طعامها من الأكياس ونضعه في وعاء عندما نقدمه لها."
كانت طريقة تعامل السجانين مع المحتجزين في سجن الطبقة في غاية القسوة فتقول "إن عناصر التنظيم لم يحضروا الماء منذ أسبوع للنزلاء، لذلك وجدوا السجناء يستخدمون مياه دورة المياه للشرب فعندما سالت «ولماذا لم تطلبوا منهم أن يحضروا ماءًا نظيفًا؟». ضحكت وقالت: «أنت مستغنية عن راسك كأنو»، وأكملت: «ونبهونا كمان ما نستخدم الحمام والماء إلا بالحالات الطارئة، لأن الصرف الصحي مليان وممكن يفيض الطابق السفلي بأي لحظة». هذا الحمام لا يصلح حتى للحالات الطارئة.
سر إستسلام الضحايا لداعش أثناء القتل
ترو هذه السيدة اللحظات الحرجة في ذلك الأسبوع الذي قضته في سجن النساء عند داعش فتقول "لم يمض كثيرٌ من الوقت حتى بدأنا نسمع صوت ضربات الجلاد، وبكاءً بعيدًا، أعادوهنَّ إلى الزنزانة بحالة مزرية بعد أن تمَّ جلدهنّ، ثلاثون جلدة لكل واحدة من النساء بعد أن جعلوهنَّ يركعنَ بحضور أزواجهنّ، ومئة وثلاثون جلدة للرجال «تعزيرًا»، وهو عقابٌ تأديبيٌ فقط كما يرونه. لم يكتفِ الجلاد بالجلد، بل طلب منهم جميعًا بكلمات مؤدبة مغلّفة بعبارات دينية أن يسامحوه، لأنه ينفّذ شرعَ الله.
وعن استسلام الضحايا والسجناء للداعش أثناء عملية القطع وةالرجم فتقول " تذكرتُ وقتها نقاشًا قديمًا دار بيني وبين أحد عناصر التنظيم بعد قصاص تمّ في قريتنا، سألته وقتها: «لماذا يكون جميع من تقع عليهم عمليات القصاص والرجم وقطع الأطراف خاضعين مستسلمين لكم، لا يبدون أي ردة فعل أو مقاومة في محاولة منهم للنجاة»، فأجاب بأنهم قبل أن يقام عليهم الحد يخضعون لدورة شرعية مغلقة، تستمر حتى يتم إقناعهم أنهم كانوا على خطأ، وأنهم قد تجاوزوا حدًّا من حدود الله ويستحقون ما حلَّ بهم تكفيرًا عن ذنبهم، ثم يتركونهم لفترة يمارسون العبادة والتوبة فيها، وعندما يصبحون مستعدين نفسيًا يُنفّذُ بهم الحكم. كلّ شيء محسوب حسابه في دولتهم، ومبررات الجريمة حاضرة قبل ارتكابها.
وتختم السجينة المؤقته في سجون داعش السرية بقولها "أكثر ما أثار حفيظتي هو فعل الركوع، لماذا الركوع؟! لماذا يمارس الجميع ديكتاتوريتهم وتسلطهم ضدنا. كان أمير السجن تركي الجنسية، والسجانان تونسيٌ ومغربي. هل من المعقول أنهم قطعوا كل هذه المسافات ليصبحوا جلادين في بلد غالبية سكانه سجناء حتى في منازلهم، وجيشُهُ قطيعٌ من الجلادين. كنتُ أفكرُ أن هذه اللذة في الجلد وإذلال الآخر وإهانته، ربما تكون كلها نتيجة تراكمات استمدوها من حكوماتهم القمعية، وجاءوا لإفراغها في بلادنا. جميع الجلادين في السجن يعودون إلى بلاد ذات حكم استبدادي، وطيلة السنوات التي قضيتها تحت حكم تنظيم الدولة، لم أرَ أي غربيًا يخدم في الشرطة أو الجهاز الأمني أو السجن، بل معظمهم كانوا عربًا أو سوريين، وكأن هذا النوع من الأعمال يرتبط بمن عاشوا حياتهم تحت القمع وعدم احترام القيم الإنسانية."
الإفراج بعد جلد الشقيق بديل عن السجناء
هكذا عاشت هذه السيدة اسبوع في سجن الطبقة، بعد أن تم اعتقالها من قبل كتيبة أمنية لتنيم داعش الإرهابي في بلدة دبسي عفنان بريف الرقة الغربي. على الضفة الجنوبية للفرات وبالقرب من مدينة الطبقة، كان التشديد الأمني في أوجه خلال صيف 2016، وهي فترة سيطرة التنظيم على هذه المدينة وبشكل خاص على طريق الرقة حلب، لمنع الناس من الخروج من حدود سيطرة التنظيم باتجاه الشمال السوري.
اخرجهم التنظيم لانهم نساء،و بعد أن تمت محاكمة شقيقها وجلده 190 جلدة، أي ضعف العدد الذي جُلِدَ به باقي المساجين الموجودين معهم وقالو له انه تم جلده بهذا العدد نيابة عن شقيقته وزوجنه فخرج بالكاد من السجن لا يستطيع السير وقد تفسّخَ جلده من الضرب بعد أن أخذوا كل نقود السجناء، ولم يتركوا لهم سوى ما يكفيهم للعودة إلى مدنهم وقراهم.