الخروج من كهف الجماعة
كان ارتباطي بالإخوان ارتباطاً مصيرياً ولم أكن أتصور في يوم من الأيام أن أختلف مع الجماعة أو أن أكون خارج إطارها إطلاقاً ولم يمر هذا الخاطر علي عقلي يوماً ما وكنت أشعر بقيمتي داخله واستمد من وجودي داخله القوة وكنت كغيري ممن هم داخل التنظيم يرحب بكل القرارات ويوجد المبررات والمقادير لكل الإخفاقات والفشل والصدامات والأزمات المتكررة وفي زحمة الأحداث والأعمال الإدارية والتربوية داخل الجماعة لم يكن هناك وقت لتقييم أو تقويم أو مراجعة لأي من أفكار الجماعة ومنطلقاتها الفكرية ولا حتي مواقفها وقدراتها اللهم إلا بعض المواقف ولكن علي استحياء كل ذلك نابع من (الثقة) في القيادة (الربانية) وفي كل خطواتها وقراراتها الذي اتضح لي بعد ذلك أنهم ليسوا أهلاً للثقة وبعد أحداث يناير كان خط سير الجماعة هو السعي لبسط نفوذها وسيطرتها علي الشارع من خلال الحشد والانتشار الجماهيري ومن خلال السعي أيضاً لتجنيد الأفراد وضمهم إلي التنظيم، تسبب هذا التصور وهذه النظرة إلي المجتمع واعتبار نفسها بديلا عنه وعلي المجتمع أن يسير في ركابها ورغماً عنه، تسببت هذه النظرة في وجود حالة استقطاب حاد داخل المجتمع مما يهدد سلامته ثم كانت انتخابات الرئاسة وزادت معها محاولات الاستحواذ والاستئثار ومحاولة الانفراد بالإدارة والقرار مما زاد من حدة الاستقطاب وخصم من رصيد الجماعة السياسي والأخلاقي ومحاولة إقصاء كثير من مكونات الشارع السياسي مما تسبب في وجود حالة من الاحتجاجات داخل المجتمع وتفاضل الإخوان عن هذا الوضع أو عن هذه الحالة التي سادت المجتمع من رفض قطاع كبير من الشعب لوجودهم في السلطة وعدم تعاون أجهزة الدولة معهم وتزامن مع هذه الحالة الدخول في صدامات مع بعض مؤسسات الدولة ومع بعض رجال الفكر والسياسة وعلماء الدين وترتب علي إثر هذه الصدامات مشهد الثالث من يوليو وكان في هذا الحين اعتصام رابعة والنهضة الذي سبقا إليهما الناس عن طريق استثارة عواطف الناس والخطب الرنانة والشعارات الزاعقة والبداقة والمصائب والكوارث التي أحدثها هذا الخطاب ممن اعتلوا منصة رابعة.
ومع مرور الوقت وتوالي الأحداث وتسارعها لم يكن عندي من الوقت لتقييم هذه التجربة والوقوف علي سبب الفشل والإخفاق وهذا السقوط السريع ! ثم دخلت مرحلة أخري كانت بمثابة نقطة نظام في حياتي وإعادة التفكير في كل شيء فكانت سبباً في تغيير الأفكار والقناعات والمنطلقات الفكرية التي كانت بمثابة مسلمات عندي ألا وهي مرحلة "السجن".
ولا شك أن السجن ابتلاء وابتلاء عظيم لكن كان بالنسبة لي محطة للتفكير وإعمال العقل والقراءة والتفكر التي أحدثت تغير هائل في مسيرتي الفكرية ، بدأت أطرح الأسئلة وأناقش وأحلل الوضع وما آلت إليه الأحداث أنا وبعض رفقاء درب المراجعات فكنا نلتقي فرادي وجماعات نتحاور وندرس أسباب الإخفاقات والفشل ، وكان الاقتراح أن يكون لنا صالون أو منتدي فكري داخل ساحة التريض بالسجن وأطلق عليه " منتدي الوعي ".
امتنعت أنا عن الحضور مع أني كنت ممن أسس لهذا المنتدي لأسباب أحتفظ بها لنفسي وكان هناك إقبال كبير من الشباب علي الحضور من الإخوان ومن غير الإخوان وكأنهم وجدوا ضالتهم وكنت أشعر بتعطشهم الشديد للمناقشات والحوارات التي يفتقدونها داخل التنظيم فلقد كنت أتابع سيد المنتدي عن قرب وكان عندي شعور أنه لن يكتب لهذا المنتدي النجاح بسبب الحرب التي كانت تشن عليه وعلي القائمين به من قبل قيادات الجماعة داخل السجن وما كنت أحسب أن يكون التعامل بهذا العنف علي الإطلاق وكنت أسأل نفسي هل هذه هي الجماعة التي قضيت فيها خمسة عشر عاماً ؟ هل هذه هي الجماعة التي تربي أفرادها علي قبول الآخر مهما كان بينكم من خلاف ؟ هل هذه هي الجماعة التي توصل داخل نفوس أفرادها معني حرية التعبير عن الرأي ؟ هل هذه هي الجماعة التي تدعي أنها مظلومة وتحارب الظلم وأنها تدفع ما هو واقع عليها من استبداد وقهر وهي تمارس الظلم والاستبداد والقهر علي كل من يخالفها الرأي ؟ هل هذه هي الجماعة التي كانت تسعي لأن تحكم دولة في حجم مصر بكل مكوناتها وأطيافها وهي لا تستطيع أن تدير عنبر في السجن ؟!! وهل هؤلاء هم الأمناء علي الوطن وعلي الدين وعلي الأخلاق ؟ وما كنت أتخيل أن يتم تكميم الأفواه وأن يكون الاستبداد والتسلط بهذه الصورة الفجة من جماعة تدعي أنها تدافع المستبدين والمتسلطين ولكني عاينته ورأيته بأم عيني لأنه علي وقع ، وكنت أتساءل لماذا يأخذ الناس هذ الموقف العدائي من الأخوان ؟ حتي عشت معهم عن قرب وليس في لقاءات ومنتديات وأسر فعرفت السبب .
أعود لمنتدي الوعي لقد أحدث حراكاً كبيراً وترك أثراً عظيماً في نفوس بعض الأفراد ولما أحس قادة الإخوان بخطورة المنتدي عليهم وعلي عقول أفرادهم لأن بعض شباب الإخوان كانوا يحضرون بشكل مستمر وتأثروا بما قيل فيه وبدءوا يطرحون علي قياداتهم الأسئلة وهم طبعاً لا يفضلون هذا النمط من الأفراد هم يريدون إناساً سلسين يسمعون ويطيعون ولا يناقشون ولا يبدون اعتراضهم هم يريدون قطيعاً يساق لما شعروا بهذا الخطر بتهددهم قرروا أن يؤيدوا الفكرة وبالفعل سعوا إلي ذلك بحكم سيطرتهم علي ال" التريض " ومارسوا ضغوطاً علي أفرادهم بعدم الحضور فاستجاب بعضهم تحت وطأة التهديد والبعض الآخر مخافة التشوية والاغتيال المعنوي ووئدت الفكرة ولكن بقي أثرها في بعض النفوس الذين قرروا أن يتحرروا من الوصاية ومن أغلال التنظيم وسجن الجماعة وقررنا أن نستكمل المسيرة ولكن بطريقة أخري غير مناقشة الوسائل والسلوكيات والتصرفات والفشل والإخفاق الذي ظهر علي السطح من غير الغوص في الأعماق ألا وهي مناقشة الباعث علي هذا السلوك والتصرف ولب الفكرة والمقولات الكبري والأفكار التأسيسية عند الإخوان قرأنا عشرات الكتب وآلاف الصفحات التي تتحدث عن النقد الذاتي والحركات الإسلامية وعن مفهوم الدولة والخلافة وغيرها فتوصلنا إلي أن المشكلة تكمن في الأفكار الحاكمة والمنطلقات الفكرية للإخوان هي المعيق لهم علي طريق التجاح وهي سبب فشلهم المستمد وهي التي تقودهم إلي الأزمات المرة بعد المرة وهي التي تقودهم إلي الدخول في صدامات مع الأنظمة علي السواء.
فكان الحل في الأقدام علي مراجعات فكرية تحلينا نحن بالشجاعة وقمنا بها وأصدرنا بياناً في التساع من يوليو 2017 بعنوان " بيان من السجان المستقلين بسجن دمو " قلنا فيه: " إننا مجموعة من السجناء المستقلين أعلنا انفصالنا عن القرار السياسي لجماعة الإخوان ، منا من كان ينتمي للإخوان تنظيمياً، ومنا من كان يدور في فلك قرار الجمعة.
وقرر المنتمون للتنظيم الخروج نهائياً من التنظيم بلا عودة " فقامت الدنيا ولم تقعد وقامت ضدنا حرب ضروس أستبيح فيها كل شيء ، فهؤلاء عندما تختلف معهم لا يتورعون أبداً عن الكذب والتدليس واختلاق المواقف وتلفيق الحالات والتشويه وإثارة الشبهات فكل الوسائل في إلصاق التهم بالخصوم مشروعة ومن أكثرها خسة استخدام الدين في تشويه الخصوم ووصمنا بالنفاق والخيانة والعمالة وغيرها من التهم الجاهزة عندهم فهم لا يناقشون الفكر بالفكر ولكن بعلو الصوت والسب والشتم والتطاول لأن أيديهم وعقولهم فارغة من أي فكر أو حجة يقارعون بها غيرهم بل وتطور الأمر إلى أكثر من ذلك حين لم يجد معنا أسلوب إنارة الشبهات والاتهامات ووجدوا منا ثباتاً علي موقفنا فلم ينفع معنا تشويه ولا اغتيال معنوي فاعتدوا علينا بالأيدي استخدموا معنا العنف بعد أن فشلت معنا وسائل الضغط النفسي والمعنوي.
وقفت حينها مشدوها من كمية الحقد والبغض تجاهنا وقلت في نفسي: هل هؤلاء من يصفون أنفسهم أصحاب دعوة وورثة رسالة وحملة أخلاق ودعاة إلي الحق وحراس الفضائل ؟ هل هؤلاء من قضيت معهم نصف عمري على وهم الأخوة والحب والصداقة وهم في الحقيقة ليسوا إلا أصحاب مصالح وحملة مبادئ زائفة يستدعونها فقط عندما تكون في صالحهم وتخدم أهدافهم ولكن إذا تعارضت هذه المبادئ مع ما يهدفون إليه ديست بأحذيتهم وظهر لك الوجه الآخر لهم فكان إقدامنا علي هذه المراجعات كاشفة لنا عن هشاشة هذا التنظيم من الداخل وأن ظهر أنه متماسك من الخارج.
أخذت قراري بمغادرة التنظيم نهائياً وبلا رجعة في الثلاثين من يوليو 2016