طه السماوى.. الأب الروحى لـ«جماعات العنف» فى مصر
- قائمة تلاميذه تضم ناجح إبراهيم وخالد الإسلامبولى وكرم زهدى
- كان حريصًا على أن يجوب مصر كلها لضم عناصر جديدة لجماعته
فى عام ١٩٨٦ تم حرق أكثر من نادٍ للفيديو بالقاهرة، وتم إلقاء القبض على أعضاء التنظيم، وكانوا نحو «٧٥ عضوًا»، وقدموا للمحاكمة العسكرية، وكان أغلبهم من معتنقى الفكر الذى يدعو له عبدالله السماوى.
أودعوا بسجن استقبال طرة، حيث كنت هناك، وكانوا يتحدثون فى خطبهم ودروسهم عن الكفار والبغاة واعتبار مصر دولة كفر.
بداية التنظيم كانت حين قرر عبدالله السماوى- اسمه الحقيقى طه لكنه غيّر اسمه فى السجن إلى عبدالله - تشكيل ما يسمى (جماعة المسلمين)، التى كان يطلق عليها (السماوية)، نسبة إليه، فانتشرت جماعته فى القاهرة والأقاليم وانضم إليه أعضاء من الجماعات الأخرى، وعام ١٩٨٥ قرر تشكيل جناح عسكرى للجماعة وأسند هذه المهمة إلى عبدالرحمن محمد لطفى، الذى ضم كلًا من جلال الوردانى، وعصام عمار، وسعيد زايد، وهم من قاموا بحرق أندية الفيديو فيما بعد، بعد أن أعلنوا انشقاقهم عن السماوية بحجة أنه أحجم عن استخدام العنف تحت ذريعة عدم الاستعداد، حيث كونوا ثلاث مجموعات: الأولى هى مجموعة مدينة النور بالزاوية الحمراء، بإمارة نصر كروم، والثانية مجموعة التوفيقية، بإمارة أسامة فرج، والأخيرة مجموعة بولاق أبوالعلا، بإمارة عدلى دياب، وتم الاتفاق بينهم على حرق أندية الفيديو والمسارح والسينما ومحلات الخمور والكازينوهات وسيارات الشرطة، ونجحوا بالفعل فى تنفيذ أكثر من عملية.
تم اعتقال السماوى باعتباره شيخ هذا التنظيم، لكنه أنكر صلته به، وفى عنبر «ب» بالاستقبال كان معنا، وكان لا يتكلم سوى العربية الفصحى بطلاقة يحسد عليها، يأكل بعض تمرات من التمر وضعت أمامه.. يمسك التمرة باليمنى ويضع نواتها بين السبابة والوسطى فى اليد اليسرى، ثم يلقيها خلف ظهره، ويقول لنا هذا من سنة النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم.
حين يشرب الماء يقعد مسندًا جسده على أطراف أصابعه، قائلًا: هذا من سنة الحبيب!.
أنا كنت أعرف أن هناك أحاديث تتحدث عن أن النبى شرب واقفًا وقاعدًا، وبال واقفًا وقاعدًا، وكان يخيط حذاءه، لكن السماوى كان يتفرد ويتميز بمثل هذه الأمور، وكانت يعجبنا بالفعل طريقته فى أكل التمر التى لم أعرفها من قبل، والتى بلا شك كان يلفت بها الانتباه حينما يذهب فى جولة للاستقطاب والتجنيد.
السماوى كان حريصًا طوال الوقت على أن يدور على محافظات مصر كلها لضم عناصر جديدة، وكانت لغته العربية، ولبسه المميز بجلبابه القصير ذى الجيبين على صدره، وذؤابته التى تتدلى خلف ظهره، وطريقته فى الأكل والشرب جذابة للكثيرين.
أذكر أنه كان فى مرة يتحدث عن وجوب العمل الجماعى ووجوب البيعة لأمير الجماعة، وهو كان متعودًا على أخذ البيعة ممن ينضم إليه على الفور، ثم يكتب اسمه فى كشكول بيده، فقلت له إن هؤلاء الأفراد الذين تريدهم أن يبايعوك يتبعون الجماعة الإسلامية، ما جعله يرد علىّ بغضب قائلًا: «كرم زهدى تلميذى وناجح تلميذى وخالد الإسلامبولى تلميذى كلهم خرجوا من تحت يدى».
لقد كان الرجل بالفعل الأب الحقيقى لكل الجماعات التى ظهرت على الساحة فى السبعينيات بكل قياداتها التى مرت بين يديه، فقد كان الرجل جذابًا فى أسلوبه وشكله وطلاقته، وإن كان منعه السجن والاعتقالات المتوالية من الحصول على العلم الكافى وإكمال تعليمه، حيث اعتقل أيام عبدالناصر بعد أن ألقى قصيدة فيه، وحكم مع الإخوان لمدة خمس سنوات وشهر، وكان من أصغر معتقلى الإخوان هو وشكرى أحمد مصطفى، مؤسس جماعة التكفير والهجرة، وقد تأثر بشكرى فخرج ليكفر ويقول بجاهلية المجتمع ويحرم التعليم.
عاصرت من تركوا التعليم بسبب الشيخ السماوى حيث كان يملك الحجة القوية فى الإقناع بأى فكرة يؤمن بها حتى أنه استطاع أن يقنع بعض أفراد ممن بايعوه قبل مقتل السادات بالذهاب إلى أرض الصالحية واستصلاحها واعتبارها المركز الذى سينطلق منه جند الإسلام لتحرير مصر كلها من الجاهليين.
كان أتباعه يبايعونه يدًا بيد ومن تركه كان يعتبره ناقضًا للبيعة وكان ذلك فى أول الأمر قبل أن يكبر الشيخ وتزداد خبرته وثقافته فيبدأ فى العمل الحزبى الذى كان يعتبره وثنًا يعبد من دون الله ويقول إن هناك حزبين، حزب الله وحزب الشيطان.
اعتمد السماوى فى تمويل تنظيمه على ما يسمى البذل وهو جزء بسيط يدفعه المنتمى إليه ولكن الغريب أن السماوى وأفراد تنظيمه كانوا لا يهتمون بعمل تنظيم هيراركى كالجماعة الإسلامية أو لجان أو ما شابه فقد كان ينقصهم الكثير من ذلك فكان السماوى يكتب أسماء من يبذل إليه المال فى كشكول حتى عرف من كان معه وقبض على أغلبهم.
لم أبق مع السماوى فى الزنزانة سوى أيام معدودات، لكننى التقيته بعدها كثيرًا خارج السجون، حيث حاول لم شمل تنظيمه المنفرط، لكنه حتى وفاته يوم الأربعاء ٧ يناير ٢٠٠٩ عن عمر يناهز ٦٣ عامًا، فشل فى ذلك تمامًا.