رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محنة آل البيت فى رمضان.. ثورة البصرة على أبى جعفر المنصور (4)

جريدة الدستور

قدمنا أن أبا جعفر المنصور كانت فى عنقه بيعة لمحمد ذو النفس الزكية قبل أن يلى الخلافة، وكان يخشاه من منطلق هذه البيعة، كما قلنا إن المنصور جد فى طلبه، وجد هو فى التخفى منه لكونه يعلم نية المنصور تجاهه، وخوفه منه.
ضيق المنصور الأمر على ذرية بنى الحسن بن على بن أبى طالب، فسجنهم، وأهانهم، وصادر أموالهم، فاضطر "محمد ذوالنفس الزكية"، ومعه أخوه "إبراهيم" لأن يخرجا على "المنصور" وقد أيد الإمام "مالك" و"أبوحنيفة" هذا الخروج، وأفتياا بالبيعة له لـ"محمد ذو النفس الزكية"، سيطر "محمد ذوالنفس الزكية" على بلاد الحرمين، وقد ذكرنا ما كان من أمره.
البصرة تبايع إبراهيم بن عبدالله
أما أخوه "إبراهيم" فقد نزل البصرة وظهر فيها يدعو بالبيعة له ولأخيه "ذو النفس الزكية" وكان ذلك في مستهل شهر رمضان المبارك سنة خمس وأربعين ومائة.
بايع أعيان البصرة وكبراؤها لإبراهيم وفى فترة وجيزة انتشر أمره وذاع صيته، واستجاب له خلق كثير فتحول، ولما بلغ أمره إلى المنصور ازداد غما إلى غمه بأخيه "محمد ذوالنفس الزكية".

حاكم البصرة يتخابر لصالح "إبراهيم" 

وكان نائب البصرة وواليها من جهة المنصور "سفيان بن معاوية" وكان ممالئا لإبراهيم هذا في الباطن، وكانت تبلغه أخبار إبراهيم فلا يتحرك ولا يكترث، بل ويكذب من يخبره حتى يحمى نفسه وفى ذات الوقت يدع أمر إبراهيم ينتشر ويتمكن، فكان حمايا لدعوته فى حقيقة الأمر، وقد أمده المنصور بأميرين من أهل خراسان معهما ألفا فارس وراجل، فأنزلهما عنده ليتقوى بهما على محاربة إبراهيم، وكان في البصرة جعفر ومحمد ابنا سليمان بن علي، وهما ابنا عم الخليفة المنصور، فركبا في ستمائة فارس إلي "إبراهيم" فهزمهما، واضطر "أبوجعفرالمنصور" لأن يرسل مددًا "لعامله على البصرة سفيان بن معاوية، فأرسل "أبوحماد الأبرص" في ألفى فارس مددا، فأنزلهم الأمير في القصر، ووصل الخبر لإبراهيم فخرج بأصحابه فأغار على دوابهم، وأسلحتهم فأخذوها جميعا، فتقووا بها، وما أصبح الصباح إلا وقد استظهر جدا، فصلى بالناس صلاة الصبح في المسجد الجامع، والتف الخلائق عليه ما بين ناظر وناصر، وتحصن سفيان بن معاوية نائب الخليفة بقصر الإمارة وحبس عنده الجنود فحاصرهم إبراهيم، فطلب سفيان ابن معاوية من إبراهيم الأمان فأعطاه الأمان، ودخل إبراهيم قصر الإمارة، وأمر يحبس سفيان بن معاوية مقيدا وأراد بذلك براءة ساحته عند المنصور، واستحوذ على ما كان في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف، وقيل ألفا ألف. فقوى بذلك جدا.

ثم بعث إبراهيم إلى أهل الأهواز فبايعوه وأطاعوه، وبعث إلى بلاد فارس فأخذها، وكذلك واسط والمدائن والسواد، واستفحل أمره جدا.

المنصور يغادر قصر الرئاسة ويبدأ حملة الاغتيالات

ولما بلغ المنصور خبر إبراهيم تحير في أمره، وجعل يتأسف على ما فرق من جنده في الممالك، وأحس بالخطر فتحول من بغداد- وكان قد شرع في عمارتها- إلى الكوفة.

وفى الكوفة انتهج المنصور سياسة جديدة؛ ليحمى نفسه بعدما أحس أن الخطر تفاقم من حوله مفادها أنه كلما اتهم رجلا من أهل الكوفة في أمر إبراهيم بعث إليه من يقتله في الليل في منزله، ثم وزع جنوده فى الخفاء يقعدون على رءوس الطرقات، وعلى مخارج الكوفة ومداخلها ينتظرون من يأتى لمبايعة إبراهيم فيداهمونهم بالليل، فيقتلونهم في الطريق ويأتونه برءوسهم فيصلبها بالكوفة ليتعظ بها الناس، كان المنصور يأمر بالنيران الكثيرة فتوقد ليلا، فيحسب الناظر إليها أن ثم جندا كثيرا.