كبير مذيعي «القرآن الكريم»: «ضمور الذراعين» لم يمنعني من تحقيق أحلامي.. «حوار»
والده هدد بـ«ضربه بالنار» ردا على رفض قبوله بالتعليم
احترف «البينج بونج».. ورسب مرتين في اختبارات الإذاعيين
حرمه قدره من استخدام ذراعيه فأمسك القلم بفمه عوضًا عن أصابع يده التي لم يكن بها إلا أصبعين فقط، وصار أداة لتحقيق أحلامه ليصبح بعد ذلك كبير المذيعين بإذاعة القرآن الكريم، وأول مذيع مصاب بضمور الذراعين في العالم.
لم تكن حياة الإعلامي والإذاعي رضا عبد السلام، سهلة على الإطلاق فقد مر بالعديد من الصعاب في كل مراحل حياته، بداية من رفض قبوله في التعليم الابتدائي وتهديد والده بـ«ضربه بالنار» في ميدان التحرير وصولًأ للكرسي الإذاعي بمنبي الإذاعة والتليفزيون، فلم يستسلم أبدًا هو وأسرته حتى أصبح محط أنظار العالم.
« أمان» التقى رضا عبد السلام، الذي استقبلنا بابتسامته المعهودة التي يستقبل بها كل حديث، سرد تفاصيل حياته فإلى نص الحوار:
ذعر بعد ولادته.. الأم تصرخ والأب يناجي ربه
يقول رضا عبد السلام، إن الصرخة الأولى له كمولود خرج إلى الحياة سببت الصدمة لكل من حوله، فالجميع رأى طفًلا دون ذراعين أو على وجه الدقة ضامر الذراعين، وكانت والدته تتلقى نظرات المواساة ممن حولها وحدث هياج بغرفة الولادة فدخل والده ينظر إليه فرأه طفلا لاتوجد لديه إلا أصابع صغيرة في يد ضامرة، ثبت والده وضمه إلي صدره وسلمه إلى والدته مرة أخرى وقبل جبينها، وخرج وتوضأ وصلى ودعا ربه « انت الذي خلقته وبيدك أمره فأعنه وساعده» وقال لوالدته: «الله الذي خلقه سيوفّقه في حياته.. لا تخافي» فبكت الأم، واستسلم الجميع لكلمات والده.
ويضيف «عبد السلام»، أن لديه من الاخوة اثنين فلم يكن بهما شيئًا وأراد والده أن يعلمه كل شيء في الحياة وكيف يعتمد على نفسه مثل أخوته ولا ينقصه شيء فيذكر أن والده عنفه مرة لأنه ترك شخًصا يطعمه، ومن يومها عزم أن يقضي كل أموره بنفسه، ويعتذر لمن يريد مساعدته، حتي تعود أن يفعل كل احتياجاته بنفسه ويعتمد علي ذاته.
إلحاقه بالتعليم.. ووالده يهدد بضربه بالنار في ميدان التحرير
يروي أن والده هو الذي كان يتلقى الصدمات بسببه وخاصة من ردود أفعال من حوله، وأنه كان يريد أن تتم معاملته كطفل عادي من الأسوياء دون إظهار العطف أو «مصمصة الشفايف»، فعلمه الكتابة بقدمه، وكانت من ضمن الصدمات التي تلاقها والده هي إلحاقه بالمرحلة الابتدائية بقرية كفر الشيخ إبراهيم، مركز قويسنا، بمحافظة المنوفية، فوجئ والده برفض إدارة المدرسة له، لتضيع سنة دراسية من عمره، وعاد والده مره أخرى ليدربه على الكتابة بشكل أفضل بقدمه، وذهب مرة أخرى مع بداية العام الجديد وترفض المدرسة قبوله مرة أخرى.
ويكمل حديثه قائلا:« ترك أبي مدير المدرسة وذهب مسرعًا لوكيل وزارة التربية والتعليم بالمنوفية، وقال له هذا هو ولدى الذى أراد الله له أن يولد على هذه الهيئة، وهو الآن يستطيع أن يكتب بقدمه بإجادة فائقة، فأرجو منك أن تختبره بنفسك.. فماذا لو لك ابن كذلك، ولك أن تعلم يا سيدي، أنه في حالة عدم قبوله فسوف أذهب به إلى رئيس الجمهورية، جمال عبدالناصر، فإذا لم يقبله هو الآخر، فسأضربه بالنار في ميدان التحرير».
ويؤكد «عبد السلام» أن موقف والده كان على يقين أنني سوف أقدر على تحمل كل الصعاب التي تواجهني في حياتي مستقبلا ولكنه لم يفكر أن يتركني دون تعليم ويستسلم لكل الخذلان الذي رآه من حوله هو يرى أن حرماني من التعليم الذي يعتبر أبسط حقوقي كأي طفل يعتبر كضربي بالرصاص.
تحقيق الحلم بمبنى ماسبيرو
بعد التحاقه بالتعليم بدأت الصعوبات تواجه حياته، فبعد التحاقه بالتعليم عادت إدارة المدرسة تجدد رفضها باستمرار وجوده في المدرسة نظرًا لأنه كان يكتب بقدمه ولا يستطيع الكتابة على المقعد ولكن والده لم يتركه أيضا في تلك المرحلة ولكن علمه كيف يكتب بفمه إلى أن استطاع وخلال عامين حصل على أفضل خط على مستوى المديرية، ويقول «عبد السلام»، إنه كان دائما يردد مقوله والده «افعل ما أتاحه الله لك»، فلم يشغل باله بألعاب الأطفال التي لم يكن يتمكن منها ولكنه برع في لعب الكرة وكانت له المتنفس ورغم أن يده طولها 12 سم إلا أنه كان لاعبًأ محترفًا في « بينج بونج» ورُشح للمسابقات العالمية، استمرت مسيرته التعليمية إلى أن تخرج في كلية الحقوق، وبدأ في البحث عن أرض.
وبدأ حلم الإذاعي يراوده، وتقدم للاختبار ولكنه رُفض، ويكشف أنه كان على علاقة طيبة بالكاتب الصحفي، عبدالوهاب مطاوع، فأرسله إلى الإعلامي فهمي عمر، الذي كان رئيسا للإذاعة آنذاك، ويشير « عبد السلام» إلى أنه غضب بعد مقابلة رئيس الإذاعة حينها قال متعجبًا له هتشتغل إيه فى الإذاعة!.. فرد عليه منفعلًا مذيع ولدي ما يؤهلني لذلك.
يقول «عبد السلام»:«يومها خرجت من مكتبه مُحبطا، عملت بإذاعة وسط الدلتا لمدة عامين، وحين علمت بأن الإذاعة الأم أعلنت عن حاجتها لمذيعين جُدد تقدمت للاختبار»، يشير إلى أنه رُفض كمذيع هواء مرارًا دون اختبار، فكان يصاب بالألم لأنه لم يرفض لقلة علمه، ولكنه أصر على تحقيق حلمه اللانهائي، فقابل الإذاعي الكبير حلمي البُلك وحكي له بانفعال شديد قائلًا: «دخلت امتحان مذيع الهواء مرتين دون امتحان وتم إبعادي، امتحنوني بحيادية».
ويتابع:«وخضعت للاختبار أمام حلمي البُلُك، الذى حرصت على أن أوصل إليه كل إمكاناتي أثناء الاختبار، وبعدما أجبت على جميع أسئلة الاختبار كاملة تعمّدت أن أخلع الجاكيت وارتديته أمامه، ثم فتحت باب مكتبه، وكان عملاقا يحتاج إلى إنسان قوي وأغلقته ثانية، وأمسكت القلم بالجزء المتبقّى من يدي، وقلت له: إذا فرضنا أن هذا القلم مايك فاسمح لى أن أحاور سيادتك.. واقتنع بى وأصدر قراره الذى أثلج صدرى: يصلح لأن يكون مذيع هواء بإذاعة القرآن الكريم.. وأصبحت مذيعا وقدَّمت برنامجي سيرة ومسيرة الذى ظللت أقدمه للإذاعة طيلة خمسة عشر عاما، وتناولت فيه سيرة ومسيرة جميع الأعلام في كل المجالات».
وأصبح المذيع القرآني أول مذيع هواء في العالم كله دون ذراعين، ويصر على تغيير أماكن الأزرار في أجهزة إذاعة الهواء، ليكون بعضها عند قدميه بدلًا من اليدين، وقد استجاب مدير شبكة القرآن الكريم الأسبق محمد المنشاوي لطلبه.
القرآن سر ابتسامته
يظهر «عبد السلام» طوال حديثه بابتسامة لا تفارق وجهة، ويقول إن سبب تلك الابتسامة هو حفظه للقرآن الكريم وعمله به، وكونه مسلما، وذلك ساهم في تكوين شخصيته طوال رحلته الإذاعية والدعوية، كما أنه رغب في الالتحاق بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر ليكون لديه المادة العلمية الكافية لكي يستطيع تحقيق ما يتمناه من نجاحات، يشير إلى أن الله أفاض عليه بالكثير من المنح بداية من أسرته فهو لديه من الأبناء عبد الرحمن طالب في كلية الطب وافنان طالبة بكلية الإعلام.
ويؤكد أن إنجازات عمله بإذاعة القرآن الكريم من مسببات السعادة له أهمها وصوله لكبير المذيعين بإذاعة القرآن الكريم، وتغطيته أحد مواسم الحج، وحصوله على جائزة أفضل مذيع فى مسابقة "مذيعون مبدعون" وكذا تقديمه للأمسيات الدينية والبرامج الجماهيرية والحوارية وتأليفه لكتابين عن المعاقين، ويضيف «بيت النبي صلى الله عليه وسلم من أهم مصادر سعادتي، وأعظم لحظات حياتي على الإطلاق تلك اللحظة المؤثرة، حينما وقفت أمام بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بالمدينة المنوّرة حيث استشعرت وقتها بأني أمام أعظم الخلق جميعا، الإسلام من أهم مصادر سعادتي في دنياي، حيث علَّمني أن أُحسن إلى من يسء إلي».
نقوش على الحجر
ويوصي «عبد السلام» كل ذوي الاحتياجات الخاصة، أن يتحلوا بالأمل ويسعوا في سبيل تحقيق أحلامهم سيصلون إلي ما يريدون قائلا:«لا تجعل اليأس يتسلَّل إليك، بل أجعل الناس ينظرون إلى ما هو فوق الإعاقة»، كاشفًا أن أصدر مؤخرًأ كتابًأ تحت عنوان «نقوش على الحجر» يروي مسيرته ليس لإظهار بطولته وإنما هي حياته كما حدث بها من إنجازات وصدمات وخذلان.
ويؤكد أن السبب الذي دعاه لكتابة عن مسيرته لكونها رحلة مختلفة لأكثر من وجه أن صاحبها ولد بلا ذراعين أو بالأحرى بضمور في الذراعين لا يستطيع معهما أن يؤدي كل شيء من ضرورات الحياة مما تعارف عليه الناس خصوصا وأن اليدين هما اللتان تشبعان حاجات الإنسان عندما يريد أن يفعل معظم الأشياء في حياته فهما الأداة الموصلة للطعام والشراب حين يأكل أو يشرب والوسيلة التي يستطيع الإنسان بها أن يتواصل مع الأشياء والأشخاص فهو يلبس بها يكتب بهما ويلعب بهما وهما الجناحان اللذان يطير بهما الإنسان فوق الأرض ولو للحظات ليستقيم عوده ولايسقط في وهدة الفشل وهما بالإضافة إلى كل ذلك كمال للشكل الإنساني الذي يسعد به الإنسان من الناحية النفسية فعدم وجودهما أو وجودهما بهذا الشكل الذي سنفصله بعد ذلك خلق حياة حملت كل ألوان الإبداع الإنساني في التحايل على العجز بل وهزيمة هذا العجز وجعله معدوما أو شبه معدوم وهذا الإبداع هو في الحقيقة إلهام ممن خلق فسوي سبحانه وتعالي.
ويشير إلى أن من ضمن أسباب سرد حياته في كتاب:«هو الحياة التي عشتها مع الناس ومارأيته منهم من مواقف لابد أن تحكي ولابد أن يعرف بها الناس لكي تكون لنا دروسا على الطريق ولكي نعرف بها معادن الناس ذهبها الأصيل وصفيحها الرخيص فهناك من كان بطلا بحق وإنسانا بصدق تشبعت نفسه بكل معاني الإنسانية ورسخت في نفسه مباديء دين يكرم الإنسان من حيث هو إنسان كهذا الرجل العظيم أبي رحمه الله الذي آمن أنني إنسان وأن الله مادام قد أراد لي الحياة فإنه قد كتب لي القدرة علي أن أعيش هذه الحياة فنفخ في نفسي روح المثابرة والأمل ورسم لي صورة للطريقين طريق التعب والصبر والجد والسهر وعدم الالتفات إلي المثبطين والمحبطين ونهاية هذا الطريق احترام نفسك واحترام الناس ومن قبل ذلك وبعده رضا الله سبحانه وتعالي والطريق الثاني أن تتكفف الناس وأن تعيش عالة على من حولك حينئذ تكون قد أهنت نفسك فتكون هينا علي الناس وتصبح أداة لمصمصة الشفاه ودموع أصحاب القلوب الرحيمة وتكون حينئذ لاقيمة لحياتك جئت إليها وخرجت منها بلا أثر يذكر».
«القومي لشئون المعاقين حبر على روق»
وفي نهاية حديثه طالب الدولة بضرورة النظر بعين الرحمة للمُعاقين، قائلا:«ففى الوقت الذي نجد فيه أن فرنسا بها وزير للمعاقين، وكذلك الإمارات، نجد عندنا هنا فى مصر أن المجلس القومى لشئون الإعاقة حبر على ورق، ليس له واقع على الأرض مما يجعلنى أتساءل: أين تفعيل قانون المعوقين، فلا دخل للمعاقين فى إعاقتهم، وهذه كما قلنا إرادة ومشيئة إلهية».