الإرهاب وشبكات التواصل الاجتماعي.. رحلة الصعود والانهيار
استطاعت التنظيمات المتطرفة استغلال المساحات الآمنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وحولتها إلى ىساحة حرب موجهة لكل المجتمعات عبر شبكة الإنترنت، وبثت من خلالها سمومها الخبيثة في محاولة لجمع الأنصار تارة، وللترويج عن انتصاراتها الوهمية تارةً أخرى.
وبحسب تقرير أعده مركز "اعتدال" فإن هذه التنظيمات نجحت في الانتشار والتوسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبرتها ملجأ وسكنًا تعبئ من خلاله عناصرها وتستقطب عناصر أخرى جديدة، باستطاعة أي ويمكن مراقبة “تمدّد” هذه التنظيمات.
مئات الحسابات تنشأ يوميًا لمؤيدين ومناصرين، آلاف الصور تنشر على مدار الساعة عن انتصارات ومعارك ليست موجودة على أرض الواقع، رغم الجهود اليومية التي تبذلها منصات التواصل الاجتماعي للسيطرة عليها.
يسير قطار الإرهاب عبر محطات تقنية متعددة بهدف تجنيد مقاتلين جدد وتنفيذ مخططاتهم الإجرامية، والبداية كانت في تويتر وفيس بوك والنهاية كانت في تلجرام مرورا بجوجل بلس وبعض التطبيقات الخاصة الجديدة التي يتم استئجارها.
انسحابات ورقابة جديدة
تقرير الشفافية الأخير الخاص بتويتر يعكس مجهودا كبيرا في ملحقة هذا الشبكات الإرهابية ليتحول إلى مكان غير مرغوب فيه من تلك الشبكات في السنة الأخيرة على وجه الدقة.
فقد تم حذف 274ألف حساب على تويتر في عام 2017عنه في عام 2016 وتم اغلاق مليون حساب أي بمعدل 8.4% كما كشف خبراء أن هناك أربع أسباب ترفع معدلات خطر وجود «داعش» على «تويتر» منها أن النقاشات التي تدور حول المواد المقدمة منها تكون كثيرة مقارنة بالتنظيمات الأخرى يكون هناك تنوع في المواد الإعلامية التي يقدمها داعش مقارنة أيضا بالتنظيمات الأخرى بالإضافة إلى كثرة الحسابات المناصرة في الفترات الأخيرة.
وخلص تقريرأعده المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف "اعتدال" أن موقع الفيس بوك في 2011م كان هو الموقع الأول الذي تلجئ إليه تنظيمات العنف والإرهاب، لكن انتقل "تويتر" بتدريج بعدها إلى نفس القائمة في نشر محتويات التطرف واستطاع الاثنان جذب عدد كبير من المنضمين إلى هذه التنظيمات الإرهابية.
وفي 2012م استطاعات التنظيمات الإهابية بث خطاب الكراهية في أكثر من شبكة، وانتقل الأمر في عام 2013م إلى عمل مجموعة من الحسابات الوهمية لهذه التنظمات الإرهابية واستغلال معظم الشبكات الاجتماعية.
وفي عام 2014م بدأت التنظيمات استخدام تقنيات عالية الجودة في إخراج معظم إصداراتها الرقمية وبدأ انسحاب بعض الحسابات من على فيس بوك وتويتر نتيجة الملاحقة الأمنية.
في عام 2016م بدأت الدعوة لرفع مستوى الرقابة على شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة على المستوى المنشور والمحتوى، ومع بدايات عام 2017 بدأت مواقع التواصل الاجتماعي حذف وإلغاء كثير من الحسابات الإرهابية.
ومن ناحية أخرى نشطت في عامي 2017و2018 كثيرا من الجماعات الإرهابية على تطبيق «تلجرام» وبدأت تستخدمه على نطاق واسع وهو من حيث أصل المنشأ موجود في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، وزاد عدد مستخدميه تدريجيا حتى بلغ 200 مليون وهو ما أثار جدلًا في السنوات الأخيرة، وهذا ما دفع أجهزة الاستخبارات الروسية إلى أن تطلب من مؤسسي تلجرام الاطلاع على بيانات ومراسلات المستخدمين مما دفع الشركة المؤسسة للرفض والدخول مع الحكومة الروسية في نزعات قانونية.
وهذا ما دفع فريق الرياضيات في تلجرام في التحدي العلني لمن يستطيع كسر التشفير الخاص بتطبيق الخاص بهم وأعلن عن جائزة قدرها مبلغ 200 الف دولار، مما “لجلج” الهاكرز حول العالم، ودفع ثلاثة من الخبراء الروس لمحاولة فك تشفير التطبيق واكتشاف بعض نقاط الضعف ونجحوا في ذلك، وحصلوا بموجب ذلك على 100 الف دولار مقابل تسليم هذه الاختراقات، وأصلحها فريق تلجرام خلال ساعات فقط من اكتشافها.
حتى الآن يتعهد مسئولو تيليجرام بحماية خصوصية المستخدمين بشكل قوي، رغم الضغوط والملاحقات الأمنية، مما يجعل كثيرا من الجماعات الإرهابية تهجر تويتر والشبكات الأخرى لصالح هذا التطبيق، وخاصة مع وجود بعض الدول التي تعترض على تسليم معلومات الأشخاص، وكان ردهم حازمًا في حماية خصوصية المشتركين وخاصة فرنسا وبلجيكا إلا ان دولا أخري مثل (سنغافورة وروسيا وأمريكا وألمانيا ) تطلب من مؤسسي التطبيق معلومات أساسية عن المستخدمين.
مواجهات الكراهية
وعن الاستعدادات الدولية المقبلة بشأن مواجهة ما يطلق عليه البعض الإنترنت المظلم أو تغريدات الكراهية أو الحسابات المظلمة فقد ظهرت العديد من المبادرات المجتمعية التي تواجه ذلك، وكان من أنجحها "برلمانيون ضد التطرف" والتي يشارك بها أعضاء من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا، وقد ظهرت حملتهم مع ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي واحتلالها للموصل بالعراق 2014.
في كتاب اليونيسكو "خطاب الكراهية في الإنترنت" ترصد تجارب تستحق التأمل بالاصطفاف بوجه تطرف الإنترنت؛ ومنها مبادرة "أمتي" بكينيا، تأسست 2013 على إثر موجات أحداث عنف شهدتها البلاد إبان الانتخابات وخلفت 1000 ضحية استخدمت فيها الرسائل القصيرة لنشر الشائعات بين الخصوم، وكذا بميانمار على خلفية أحداث العنف الرهيبة بولاية راخين، والتي رغم استمرارها، ولكن معدلاتها تراجعت بعد قيام منظمات مدنية بالحد من رسائل الكراهية بين الطرفين.
وفي العالم الغربي، هناك معاهد شهيرة لمكافحة التطرف الإليكتروني، ومنها "معهد محاربة تشويه السمعة" بأمريكا، ومنظمات قياس الهجومات المضادة للإسلام ببريطانيا، ومنظمةtell mama والتي تتصل بالضحايا وتساعدهم بعملية تقديم التقارير، وقد تبنت تويتر أيضا موقفا من التحرش ضد النساء على الانترنت بتعاون مع wami كما وضعت زرا للتبليغ في 2013 استجابة لعريضة من أحد المستخدمين على الانترنت.
وفي العالم العربي تبرز العديد من المنصات أهمها في الإمارات عبر مركز "هداية" وفي السعودية عبر مبادرة "مناصحة" ومركز "اعتدال" الدولي، وفي مصر عبر "منصة مواجهة التكفير" التي أطلقتها دار الإفتاء، وتشمل بين برامجها التأكيد على التصدي للتطرف عبر الإنترنت.
ترى أين يتجه عالم الإرهاب وأين سيضع رحالة في الأيام القلية المقبلة عبر العالم الإفتراضي، وخاصة بعد الهجرة الجماعية من علي تويتر وفيسبوك وجود إتجاه عالمي للتضيق على تطبيق تلجرام، هذا ما سوف تسفر عنه الأيام القليلة المقبلة.