أين ذهبت عناصر داعش بعد دحرهم في العراق وسوريا؟(2 – 3)
- داعش فشل في تحويل مصر إلى بؤرة صراع وانقسام.. وبطولات رجال الجيش والشرطة صمام أمان للمصريين
- 10 آلاف داعشي فروا إلى أفغانستان.. ومقاتلون جدد في طريقهم إلى الأراضي الأفغانية
- 6 آلاف داعشي يهددون أمن إفريقيا.. ومخاوف من حصدهم أرواح آلاف الأبرياء
- آلاف الدواعش ينتشرون في الصحراء الليبية.. والتنظيم يسعى إلى الاستقرار هناك واتخاذها مركزًا له
- «داعش» تبنى إستراتيجية توسعية جديدة في آسيا بعد هزيمته في سوريا والعراق.. وإفساد مشروع «طريق الحرير الجديد» هدفه الحالي
أين ذهبت عناصر داعش بعد دحرهم في العراق وسوريا؟ ملف خاص يتضمن ثلاثة أجزاء، أعده مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، للإجابة على هذا السؤال المنطقي الذي يشغل أذهان العالم أجمع، وفي الجزء الأول من هذا الملف أوردنا المراحل الزمنية لظهور هذا التنظيم الإرهابي، وألقينا الضوء على أعداد المقاتلين الأجانب الذين أنضموا إليه، ونقلنا رؤية القادة السياسيين حول وجهة عناصر التنظيم خلال الفترة المقبلة.
وأكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في الجزء الأول من الملف، أنه لم يعد أمام عناصر التنظيم الإرهابي بعد دحرهم في سوريا والعراق سوى ثلاثة خيارات؛ أولها: اللجوء إلى مناطق يوجد لهم فيها موطئ قدم، مثل ليبيا أو الحدود العراقية السورية أو صحراء سيناء، أما الخيار الثاني فهو القيام بعمليات إرهابية في أوروبا، ينقلون خلالها المعركة من الشرق إلى الغرب، وثالثا وأخيرًا: الانتقال إلى أسلوب حرب العصابات والذوبان في الصحراء، وهو أمر سبق لداعش تجربته في العراق.
الخيار الأول
يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن الخيار الأول هو الأقرب للواقع؛ فلا شك أن مقاتلي تنظيم داعش بدأوا بعد سقوط معاقلهم في العراق وسوريا في الفرار إلى مناطق أخرى، يرى فيها قادة التنظيم أرضًا خصبةً لإنشاء معاقل جديدة له، والسؤال الذي يطرحه نفسه هنا: أي دولة سيحط تنظيم داعش رحاله فيها ليبدأ رحلة إقامة خلافته المزعومة من جديد مثلما فعل في العراق وسوريا من قبل؟
الآراء التي أوردناها على لسان القادة السياسيين في الجزء الأول من هذا الملف؛ تقول إن عناصر «داعش» توجهوا بعد دحر التنظيم في سوريا والعراق إلى: «أفغانستان، وغرب إفريقيا، وسيناء، وباكستان، وليبيا، وآسيا الوسطى»، وهي آراء لها ما يؤيدها على أرض الواقع؛ حيث تُمثل أفغانستان مناخًا مناسبًا لتنظيم داعش، إذ تتشابه مع العراق وسوريا في تواجد تنوع طائفي، وهو الأمر الذي يُمكن عناصر التنظيم الإرهابي من اللعب على وتر الطائفية، وبالتالي إيجاد تربة خصبة للقيام بعملياتهم الإرهابية والتمركز هناك.
وهذا ما حدث بالفعل؛ حيث توجه عدد كبير من «الدواعش» إلى الأراضي الأفغانية عقب هزيمتهم في سوريا والعراق، وهذا ما يؤكده ممثل روسيا في أفغانستان «زامير قابولوف»، الذي قال في تصريحات له - وفقًا لما ذكرته صحيفة «تايم ترك» -: «إن روسيا كانت من أوائل الدول التي حذرت من ارتفاع عدد الدواعش في أفغانستان»، مشيرًا إلى أن: «قوة تنظيم داعش قد ازدادت في أفغانستان خلال الفترة الأخيرة، وتجاوز عددهم العشرة آلاف، وهذا العدد في زيادة مستمرة مع تدفق مقاتلين جدد من سوريا والعراق بعد هزيمة التنظيم هناك».
وأوردت وكالة أنباء «خاورميانه» أن أعداد المقاتلين الأجانب التابعين لتنظيم «داعش» في ازدياد في الوقت الراهن خاصة فى مدينة «درزاب» بولاية «جوزجان»، شمال أفغانستان، حيث أكد رئيس المدينة «باز محمد»، لوكالة أنباء «خاورميانه»، أن أعداد مقاتلي «داعش» الأجانب في المدينة وصل حتى الآن إلى ألف و250 مقاتل تقريبًا؛ مبينًا أن هؤلاء الأجانب يحملون الجنسيات «التركمانية، والشيشانية، والطاجيكية، والأوزبكية، والباكستانية، والجزائرية، والفرنسية»، وأن أكثرهم يتحدثون اللغة العربية، الأمر الذي يشير لاحتمال أن يكونوا من أعضاء التنظيم الفارين من سوريا والعراق.
داعش في أفريقيا
أما بالنسبة لتوجه مقاتلي داعش إلى إفريقيا؛ فيعد ذلك أحد الخيارات المرجحة بقوة، وقد تواردت الكثير من الأنباء التي تؤكد عودة بعض الأفارقة الذين كانوا يقاتلون في صفوف «داعش» بسوريا والعراق إلى موطنهم الأصلي.
وفي هذا الصدد، حذّر مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي «إسماعيل شرقي» من إمكانية عودة حوالي 6 آلاف مقاتل أفريقي قاتلوا في صفوف «داعش» إلى القارة السمراء؛ داعيًا الدول الإفريقية إلى الاستعداد «بقوة» للتعامل مع عودتهم، ومشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هناك تقارير تفيد بوجود 6 آلاف مقاتل أفريقي ضمن 30 ألف انضموا إلى داعش، وهو الأمر الذي يثير مخاوف من أن يتكرر ما حدث في الجزائر حين عاد مقاتلون من أفغانستان وأنشأوا جماعات مستقلة حصدت أرواح آلاف الأبرياء.
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن عودة الدواعش إلى إفريقيا - وبالأخص في منطقة الساحل والصحراء - يمثل خطورة بالغة على القارة الإفريقية بشكل خاص، وعلى أمن واستقرار المواطنيين بشكل عام؛ الأمر الذي يتطلب بذل جهودٍ كبيرة وتعاون بين دول القارة على المستويين المحلي والعالمي، وتبادل المعلومات الكافية بشأن هؤلاء المسلحين، لمنع تسربهم لشرايين القارة السمراء.
داعش في سيناء
على الرغم من أن الجيش المصري نجح في توجيه ضربات قاصمة للجماعات الإرهابية في سيناء، وقضى على المئات من عناصرها وحصر وجودها في عدة بؤر معزولة ومتناثرة؛ إلا أننا نلاحظ من وقت لآخر وقوع بعض العمليات الإرهابية التي يتغير شكلها التكتيكي وأبعادها الإستراتيجية، لكن هذه العمليات في المجمل تتخذ من قوات الجيش والشرطة والأقباط والجماعات الصوفية ورموز الدين الإسلامي، أهدافًا لها.
ومع أن هذه العمليات المتناثرة تشير إلى أن بعض خلايا التنظيم في مصر ما زالت قادرة على إلحاق الأذى والتخريب؛ إلا أن خطة تنظيم داعش الأساسية في مصر، والتي كانت تستهدف تحويل أرض الكنانة إلى بؤرة صراع وانقسام، منيت بفشل ذريع، بفضل بطولات وتضحيات رجال الجيش والشرطة البواسل.
وأمام هذه التضحيات والبطولات؛ لجأ التنظيم الإرهابي إلى حيلةٍ أخرى، وهي اللعب على وتر الطائفية، ليسهِّل بذلك عمليات تجنيد المحليين وإيجاد مواقع سيطرة له في الداخل، على غرار ما حدث في عدد من دول المنطقة، لكن هذا المخطط الإرهابي الخبيث مني بالفشل الذريع أيضا، بسبب وعي المصريين ومتانة نسيجهم الوطني وتمسكهم بوحدتهم، وهو ما تجسد في المواقف القوية والمتناغمة للأزهر الشريف والكنيسة القبطية، حيث بادر الأزهر الشريف من خلال هيئاته الدعوية والتعليمية والبحثية، وعلى رأسها مرصد مكافحة التطرف، إلى نشر الوعي بين المواطنين، وتفنيد حجج التنظيم الزائفة والرد عليها، وتصحيح الفتاوى الشاذة التي يعتمد عليها في إغواء الشباب واستقطابهم إلى صفوفه، ويؤدي الأزهر هذا الدور ليس في مصر فقط بل في العالم أجمع، إذ ينشر مرصد مكافحة التطرف أبحاثه ودراساته بإحدى عشرة لغة.
داعش في ليبيا
منذ سقوط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وليبيا تعيش حالة من «غياب الدولة»، وتشهد العديد من الانقسامات التي وصلت إلى حد الاقتتال الداخلي، وهي الأسباب التي تسمح لأي تنظيم إرهابي بالاستقرار في هذه الدولة دون مقاومة حقيقية؛ وقد سعى تنظيم «داعش» إلى استغلال هذا الأمر، وشرع بالفعل في تعزيز تواجده في بعض الأراضي الليبية محاولًا اتخاذها مركزًا له.
وقد أعلن «داعش»، في وقتٍ سابق، أن له ثلاث ولايات في الأراضي الليبية، هي: «طربلس، وبرقة، وفزان»، ومن ثم جعل التنظيم من ليبيا في الفترة ما بين عامي 2015 و2016 مركزًا لتنفيذ عملياته الإجرامية في شمال أفريقيا، ولم يكن هذا الإعلان الداعشي مجرد دعاية إعلامية، وإنما أصبح واقعًا ملموسًا حين استولى التنظيم في عام 2015 على مدينة «سرت»، قبل أن ينجح الليبيون في استعادتها، لتبقى أمامهم معضلة بقاء خلايا داعش المنتشرة في الصحراء الليبية حتى الآن، وقد صرح البنتاجون في عام 2016 بأن عدد المقاتلين الدواعش في ليبيا بلغ 6 آلاف و500 مقاتل تقريبًا.
ولأن ليبيا لا تتوفر فيها بعض الظروف التي تساعد «داعش» على تحقيق مكاسب سريعة على أرض الواقع؛ حيث لا يوجد بها اختلافات مذهبية حادة، أو عدو مشترك يمكن حشد الدعم ضده، وهي الظروف التي سعى التنظيم الإرهابي إلى التغلب عليها، واستبدالها بأخرى تعزز من تواجده وتتيح له ترسيخ نفوذه هناك، وذلك عن طريق التعجيل بانهيار الدولة، وتقويض المشاعر القومية المشتركة لدى الليبيين.
وبالإضافة إلى حالة الفوضى والفراغ.. فهناك أسباب أخرى دفعت «داعش»، لاختيار الأراضي الليبية معقلًا له، من أبرزها: هشاشة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لبعض دور الجوار، الأمر الذي يجعلها هدفًا سهلًا للتنظيم،- بالإضافة إلى موقع ليبيا «الجيوسياسي»؛ حيث تقع على حافة منطقة الساحل، مما يسمح لـ «الدواعش» بالتوسع نحو غرب إفريقيا، ومحاولة التحالف مع «بوكو حرام» التي تنشر الرعب في نيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد وجنوب النيجر وشمال الكاميرون، هذا بالإضافة إلى امتلاك ليبيا لثروة نفطية هائلة توفر للتنظيم حال السيطرة عليها موارد مالية ضخمة.
داعش في باكستان
تندرج باكستان ضمن قائمة أهم الدول التي يسعى «داعش» إلى تعزيز تواجده فيها، وقد ذكرت جريدة «تايم ترك» التركية أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الهدف الجديد لمقاتلي داعش القابعين في أفغانستان هو إفساد مشروع الصين، والمعروف بـ «طريق الحرير الجديد» الذي يعد أضخم مشروع تجاري في العالم يربط الصين بتركيا وأوروبا وجمهوريات آسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان ودول أخرى.
وجهة النظر هذه ربما تكون الأقرب للحقيقة؛ فقد تبنى «داعش» إستراتيجية توسعية جديدة في آسيا بعد هزيمته في سوريا والعراق، وجاءت إستراتيجية الصين في بناء «طريق الحرير الجديد» لتفسد على التنظيم الإرهابي ما كان يرمي إلى تحقيقه، حيث تقع المحطات الرئيسية للطريق ضمن الإستراتيجية التوسعية للدواعش.
واستراتيجية الصين الخاصة بمشروع «طريق الحرير الجديد» في باكستان، تقوم على إنشاء طريق تجاري من مدينة «كاشغر» غرب الصين حتى ميناء «غوادار» جنوب باكستان، والمطل على بحر العرب، والقريب في الوقت ذاته من الحدود «الإيرانية - الباكستانية»، على أن يلتف الطريق بعد ذلك إلى مدينة «شنجيانغ» الصينية، وهذا سيحقق للصين منفذًا إلى المحيط الهندي والشرق الأوسط ويربط المدن الباكستانية بعضها ببعض.
لكن إذا كان إقليم «بلوشستان» الباكستاني قد دخل ضمن مشروع الصين التجاري في عام 2015، فإنه أيضًا دخل ضمن مشروع «داعش» عام 2016، حيث استغل التنظيم الأزمة التاريخية القديمة والصراع الدائر هناك وقام بتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية ضد الشرطة والمدنيين، آخرها الهجوم على إحدى الكنائس في مدينة «كويتا» عاصمة «بلوشستان».
الأمر ذاته يتكرر مع «بنجلادش»، و«ميانمار»، اللذان يقعان ضمن الممرات البرية الستة التي تُشكل طريق الحرير البري، الممتد من جنوب الصين إلى الهند؛ فإذا كان العام 2016 شهد انضمام «بنجلادش» إلى المشروع الصيني، فإنه شهد أيضًا إعلان «داعش» بداية الجهاد في أرض «البنغال»، وهو ما تحقق على أرض الواقع بإعلان التنظيم الإرهابي مسئوليته عن عدة عمليات إرهابية وقعت هناك.
وفي ذات السياق، حذر كثير من المتخصصين في مكافحة التطرف من أن أحداث العنف غير العادية، وجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد مسلمي الروهينجا في إقليم «أراكان» البورمي، كل ذلك يشكل مناخ مساعد ومهيئ لظهور تنظيم «داعش» وغيره من الجماعات المتطرفة في ميانمار.
أما بالنسبة لإندونيسيا؛ فقد سعى تنظيم «داعش» منذ فترة إلى التواجد فيها، بهدف إنشاء ذراع آسيوية له، تمكنه من بسط خلافته المزعومة في آسيا، متمسكًا في ذلك بشعار «تنظيم داعش باق ومتمدد»، ومتخذًا من استقطاب مقاتلين جدد في جنوب شرق آسيا وسيلة لتحقيق أهدافه الخبيثة.
ولعل التفجيرات التي ضربت «جاكرتا» في 14 يناير 2016، ونُسبت إلى «داعش»، وأسفرت عن مقتل سبعة أشخاص، تشير إلى أن هذا التنظيم الإرهابي يسعى للتواجد في إندونيسيا.