نكشف تفاصيل جديدة عن علاقة الشيخ الشعرواي بالطرق الصوفية
بسم الله، والحمد لله، أما بعد.. «فإني أحيي شيخنا العارف بالله سيدي محمد بلقايد، وأقول له إذا صفى الود حمل الفراق البُعد، والذي يشتاق إلى رؤية أحد هو من غاب عن فكره، وأنت والحمد لله لا تغيب عن فكري، وأشهد الله يا شيخى أنك معي في كل لحظة، لأن الذي تحاببنا فيه هو الله، وما دمنا قد تحاببنا فيه فنحن في معيته، ومعيته لا تعرف الأزمان المتعددة، ولا الأمكنة المشتتة، وأسأل الله أن يجمعني بكم جمعًا فوق جمع الأشباح، حتى تتفانى الأرواح، وتصبح مؤهلة إلى خالق الأرواح».
الكلمات السابقة كانت بداية رسالة وجهها الراحل محمد متولي الشعراوي إلى الإمام الصوفي الجزائري محمد بلقايد شيخ الطريق الهبرية الشاذلية، في رسالة مصورة نادرة منشورة على موقع يوتيوب قبل فترة من وفاته، وتعود علاقتهما من الأساس إلى العام 1963.
يقول رجب البنا الباحث فى التصوف الإسلامى فى إحدى مقالاته بالأهرام، اتصلت يوما بالشيخ الشعراوى لتحديد موعد لإجراء حديث عن رأيه فى التصوف والفرق الصوفية وزيادة أضرحة الأولياء والصلاة داخلها وتقبيل الأضرحة وطلب قضاء الحاجات منهم وكان ذلك فى السبعينات، وكنت أكتب فى الصفحة الدينية فى الأهرام، ويومها قال لى:(تعالى أهلًا وسهلًا.. أما التصوف فإن العلم به لا ينفع، والجهل به لا يضر، وأما المتصوفة فدعهم فى حالهم فليس منهم ضرر لأحد. بعد ذلك عرفت أنه كان فى مرحلة من مراحله الأولى متصوفا ومندمجا فى حياة التصوف، ولكنه تحول من الممارسات الصوفية الجماعية إلى المارسات الفردية بالإكثار من الصلاة والصيام وقراءة القرآن وتلاوة الأوراد والصلاة على النبى.
وأنه يفعل ذلك فى «الخلوة» فى بيته بعيدًا عن العيون، لأنه لا يريد أن يقلده الناس، ويكفى أن يرى الناس منه جانبا واحدا هو جانب الداعية المتفرغ للتأمل فى كتاب الله والإعداد لأحاديثه عن تفسير القرآن وعن خواطره الإيمانية، عرفت من الشيخ محمد السنراوى الذى كان مستشارا دينيا بالأزهر وكان ملازما للشيخ الشعراوى وهو الذى كان يكتب له خواطره، لأن الشيخ الشعراوي كانت أفكاره تتدفق حرة وبسرعة حين يتكلم بعكس حاله إذا أمسك بالقلم وأراد كتابة ما يجول فى خاطره، وظل الشيخ السنراوي وفيا للشيخ الشعراوي بعد رحيله وأنشأ مكتبة ضمت مقتنياته وأعماله وكتبه ومراجعه التى تزيد على 10 آلاف كتاب، وقال عن ذكرياته معه إن الشيخ الشعراوي كان يحب «الموالد» التى تقام للأولياء وفى رأيه أن هذه الموالد فيها متناقضات تدعو للتأمل، ففيها المتعبدون المخلصون، وفيها الأغنياء والفقراء، وفيها السكارى والمخدرون، وفيها الصالحون والدجالون والنشالون، وكل هؤلاء يحتاجون إلى سماع كلمة الحق ليعرفوا الدين الصحيح، وربما يستفيدون من النصيحة، ومهمة الداعية أن يهتم بمخاطبة المنحرفين والضالين أكثر من اهتمامه بمخاطبة المهتدين الصالحين، ولذلك كان بيت الشعراوي مفتوحًا لكل من يقصده، من يريد حاجة يقضيها له، ومن يحتاج إلى مساعدة مالية يعطيها له دون سؤال، ومن يرد الطعام فإن الشيخ لا يترك ضيفه ينصرف إلا بعد أن يتناول معه الطعام، ولم يكن يتناول طعامه وحده أبدًا، ويظل منتظرًا إلى أن يأتي إليه القاصدون فيأكل معهم، وعموما لم يكن الشيخ الشعراوي يحب أن يكون وحده، ويحب أن يكون الناس حوله دائمًا فى البيت أو في المسجد أو في بيوت الأصدقاء الذين يزورهم. وربما كانت علاقة الشيخ الشعراوى بالتصوف نتيجة لحياته في صباه وشبابه فى قرية «دقادوس» دقهلية، فقد كانت في هذه القرية طرق صوفية عديدة تعقد حلقات للذكر وتردد الأناشيد الدينية والمدائح النبوية، وقد تأثر في طفولته بالشيخ أحمد الطويل فقيه القرية الذي علمه القرآن، والشيخ مصطفى البياضي الذي حببه في الشعر وعلمه بحوره وعرفه على أشعار كبار الشعراء، والشيخ يوسف النجاتي الذي تعلم منه علوم اللغة العربية.
«الشعراوى مع شيخ الطريقة الهبرية»
يضيف البنا "أنه عندما ذهب الشيخ "الشعراوى إلى الجزائر للتدريس هناك التقى الشيخ محمد بلقايد وهو من أكبر شيوخ التصوف فى ذلك الوقت، وكان ذلك فى بداية فترة الاستقلال ورحيل الاحتلال الفرنسي عن الجزائر، وتمسك الجزائريون بالدين الإسلامى وباللغة العربية تعبيرا عن الهوية العربية التى أراد طمسها الاستعمار، ومعروف أن الاحتلال كان يعتبر الجزائر مقاطعة فرنسية فكان التعليم في المدارس باللغة الفرنسية، وأهملت اللغة العربية عمدًا، وكان الجزائريون يسافرون إلى فرنسا بدون تأشيرة، بل وكانت الجزائر ضمن الدوائر الانتخابية الفرنسية وينتخب الجزائريون ممثليهم لعضوية الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) ولم تحصل على الاستقلال إلا بعد أن ضحى الجزائريون بمليون شهيد فى نضالهم ضد الاستعمار الفرنسى.
فى وقت الصحوة الإسلامية والعربية ذهب الشيخ الشعراوى إلى الجزائر فى بداية العمل على استعادة الهوية العربية الإسلامية، وتعريب المناهج التى كانت تدرس كلها باللغة الفرنسية، وتطبيق قانون باعتبار اللغة العربية هى اللغة الرسمية فى الجزائر بدلًا من اللغة الفرنسية، وعاش الشيخ الشعراوى فى الجزائر سبع سنوات ارتبط فيها ارتباطا شديدا بشيخه الشيخ بلقايد شيخ الطريقة «الهبرية» نسبة إلى مؤسس الطريقة الشيخ الهبرى بعد أن أخذ عليه «العهد»، وكان الشيخ الشعراوى يشارك بصفة دائمة فى مجالس الشيخ بلقايد وفى حلقات الذكر التى يعقدها، وفى مدينة تلمسان وفى هذه المرحلة كان يتمسك بالجانب الروحى والتعبدى فى التصوف ويحتفظ فى نفس الوقت بالجانب العقلانى فى تفكيره وسلوكه ودعوته، وعبر عن ارتباطه بالشيخ بلقايد بقصيدة طويلة جدا قال فيها:نور الوجود ورىَّ روح الوارد
فى الحديث الشريف: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له، وقد اجتمعت للشيخ الشعراوى هذه الفضائل الثلاث، فكان ينفق على الفقراء والمحتاجين أموالًا كثيرة جدا سرا وعلانية.
كان التصوف عند الشيخ الشعراوى، حب الله بالقلب والحياة مع الناس بالعقل وفعل الخير دون انتظار جزاء ولا شكورا من مخلوق، فقط كانت سعادته فى إسعاد الآخرين.
من جانبه قال الدكتور فتحي حجازي أستاذ العقيدة الإسلامية بالأزهر الشريف، لـ"أمان"إن الشيخ محمد متولي الشعراوى، كان صوفيًا زاهدًا في الدنيا، إلا أنه لم يكن تابعا لطريقة صوفية بعينها، فهو كان محب لكل الطرق الصوفية، فكان يحضر حضرات الشاذلية، والبرهامية، والبدوية، وغيرها من الطرق، فهو كان يعلم أن الصوفية عمل وعبادة وليست تكاسلا.
وتابع "حجازى" أنه كتب الكثير من الدراسات عن الشيخ محمد متولي الشعراوي، وعن علاقته بالصوفية والمتصوفة، وظهر للجميع أن الشيخ الراحل، كان يعشق التصوف الإسلامي، لما فيه من روحانيات ومحبة للمولى عزوجل، أما عن الطريقة الهبرية الشاذلية، فكان رحمة الله عليه محبًا لشيخها محمد بلقايد، وكان كثيرا يتحدث عن فضله وعن علمه الوافي في الشريعة والفقة وغيرها من الأمور.
وكان الشعراوي قد ذكر في سلسلة حوارته بأخبار اليوم والتي تم تجميعها فيما بعد في كتاب "الشعراوي يبوح بأسراره الروحية للسيدة زينب" أنه يتبع الطريقة البازية، وهي طريقة الأشراف.