«التصور السياسى للحركة الإسلامية» لرفاعى سرور.. نقد ونقض
تتفق جميع مؤلفات وأفكار التيار القطبي، في وصف المجتمعات والحكومات الإسلامية بالجاهلية، وهي في العادة خليط بين التكفير، ولي أعناق النصوص الشرعية وتأويلها بما يخدم التصور الذي يحقق رؤيتهم في التعامل مع العالم الإسلامي، ويعد "التصور السياسي للحركة الإسلامية" لمؤلفه رفاعي سرور، أحد رموز وأقطاب تنظيم الجهاد، نموذجًا مثاليًا على هذا الخليط الذي لا تخلو صفحة من صفحاته منه، كما يمكنك أن ترى شطحات كبيرة، تذهب بصاحبها إلى مخالفة الشرع الذي يدعي صاحب الكتاب أنه يدافع عنه، وأنه منطلقه الأساسي لتأسيس نظريته السياسية الإسلامية، ومنها سقوطه في اعتبار أن موسى عليه السلام، كانت له تجربة وخبرة مع الله ومع اليهود، ونقل خبرته إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين أعرج به إلى السماء، وهو ما يتنافى تماما مع عقيدة المسلمين الراسخة في الإيمان بالوحي والنبوة، وأن أنبياء الله لا يقدمون تجارب؛ بل يوصلون رسالة الله إلى عباده.
والكتاب يعد واحدًا من أهم الكتب التنظيرية للحركات الإسلامية، وهو من أواخر مؤلفات رفاعي سرور، المتوفى في فبراير عام 2012، ويقدم من خلاله رؤيته لما ينبغي أن يكون عليه العمل الحركي للجماعات الإسلامية خاصة الجهادية منها، ويعتبر أن الكتاب تأسيسًا لنظرية سياسية للعمل الحركي في الجماعات الإسلامية، تحدد كيف يكون التعامل السياسي مع الواقع الذي تستحوذ عليه القوى التي وصفها المؤلف بـ(الجاهلية).
كما يعد أيضا إحدى الترجمات الحركية لفكر سيد قطب وأبي الأعلى المودودي، الذي ينظر إلى الإسلام على أنه فكرة وحركة انقلابية لتأسيس دولة، يحكمها إمام، ويرى فيه المؤلف أن ذلك لا يحدث إلا من خلال انقلاب يتم فيه تفجير الواقع، وإعادة بنائه على أسس تخضع لرؤية الجماعة، ورغم كثرة استشهاداته بنصوص الشرع إلا أنه يظل في النهاية، مجرد رؤية فكرية تعارض الشرع بالاستحسان العقلي.
الغرض من الكتاب
يبدأ المؤلف بعرض الغرض من كتابه فيقول:
"هذا الكتاب محاولة للوصول إلى تصور سياسي للحركة الإسلامية، ينبني على نظرية سياسية إسلامية، تقوم على التأصيل الشرعي، والتحديد الواقعي، والحقيقة التي يجب أن نفهمها قبل طرح النظرية السياسية الإسلامية: أن الحركة الإسلامية هي وحدها القادرة على تكوين نظرية سياسية صحيحة".
وتحمل هذه الفقرة عنصرين أساسيين، هما أن المؤلف يعتبر أن الكتاب عبارة عن نظرية جديدة للعمل الحركي بالجماعات الإسلامية، يربط فيها - حسب زعمه- بين التأصيل الشرعي والواقع.
والعنصر الثاني: هو أن الكتاب موجه لفئة معينة من المصطفين الأخيار بالنسبة له، وهي تلك الفئة التي يعتبرها ممثلة للإسلام، وتتمثل في الحركات الإسلامية باعتبارها وحدها القادرة على قيادة نظرية سياسية صحيحة، رغم ما رأيناه من فشل سياسي كبير لكل هذه الجماعات على كل الأصعدة.
ويرى أن ما يخرج عن هذا الإطار الذي حدده في هذه الفئة، لا يكون إلا دعوات "جاهلية"، وهو المصطلح الذي يلح على استخدامه في كل صفحات الكتاب، ككل كتابات التكفيريين من التيار القطبي، فيقول:
"وأي مشكلة خارج هذا الإطار وهذا المسار هي مشكلة (جاهلية)، لا يعالجها إلا التفجير الإسلامي للواقع، وترتيبه من جديد حسب التصور الصحيح".
آلية التطبيق
يحدد سرور صراحة أن نظريته السياسية لا تتحقق إلا إذا تملكت الحركات الإسلامية من الواقع وهيمنت عليه، فيقول:
"أما البرنامج السياسي، فل ابد أن نملك الواقع لكي نتمكن من طرحه، وكل من يريد برنامجنا السياسي، عليه أولا أن يعطينا الواقع ويسلم قيادته، وليكن شعارنا في الرد على أصحاب هذا الاستفزاز: اعطني واقعك.. أعطك برنامجي".
وهذه الفقرة تؤكد اتفاق سرور في نظريته مع الحركات الإسلامية التي تسعى أولا وقبل أي شيء للوصول للتمكين أو الحكم، وعندما تصل إليه، يتفاجأ الجميع بعدم وجود ما تقدمه، فيكون السقوط سريعا للجماعة، وللمجتمع الذي هيمنت عليه.
كما يعد اعترافا منه بأن الحركات الإسلامية لا تملك برنامجا سياسيا، وأن هذا البرنامج لا يمكن تحديد ملامحه إلا بعد التمكين، وهو ما حدث بالفعل من جماعة الإخوان عندما وصلت للحكم في مصر، وفوجئ الجميع بعدم امتلاك الجماعة لبرنامج سياسي واضح، وأكد ذلك خيرت الشاطر في اعترافه الشهير، الذي شهد عليه كاتب هذه السطور، والذي قال فيه إن الإعلام قد فهم مشروع "النهضة"- الذي كان أساس برنامج المعزول محمد مرسي- بشكل خاطئ، وأن المشروع يقتصر فقط على ما يقدم إلى الجماعة من أفكار من المواطنين، واختيار أفضلها!!.
ويلح سرور في تناقض على عدم استجابة أعضاء الجماعات الإسلامية لمنتقدي عدم وجود برنامج سياسي واضح لديهم، فيقول:
"والاستفزاز الجاهلي للحركة الإسلامية بأنها لا تملك برنامجا سياسيا، أمر لا يجب الاستجابة له، الحقيقة التي يجب أن نفهمها قبل طرح النظرية السياسية الإسلامية: أن الحركة الإسلامية هي وحدها القادرة على تكوين نظرية سياسية صحيحة".
ويستأنف تناقضه، مع إلحاحه المستمر على استخدام مصطلح الجاهلية، ذلك التناقض الذي يضرب فكرة الكتاب من أساسه فيقول:
"السياسة ليست هي ذلك الهامش الذي تستدرج إليه الجاهلية الحركة الإسلامية، فتستنزف قوتها في صراعات محدودة، تسيطر عليها القوى الجاهلية، وتمنعها من الخروج إلى التأثير في مراكز القوى الدولية والاجتماعية".
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو كيف يكون تصوره عن السياسة بهذه الصورة التي تعتبر هامشية بالنسبة له، وعلى أي أساس وضع نظرية في العمل السياسي بينما يرى أنها مسألة هامشية؟
أساليب العمل
يحدد سرور 3 أساليب، ويعتبرها الأساليب الأساسية في العمل الحركي للجماعات الإسلامية، ويركز بشكل كبير على استخدام القوة وإقامة السلطة، الأمر الذي يعد إذنا مباشرا وضوءًا أخضر، لاستخدام العنف بكل صوره، واعتماد العمليات المسلحة كإحدي أدوات العمل الحركي للجماعات الإسلامية، ويؤكد سرور ذلك بشكل صريح، فيقول:
"وقد اتفقنا أن الأساليب الأساسية للحركة الإسلامية هي: التبليغ بالكلمة، (واستخدام القوة وإقامة السلطة)، أما الهجرة والعزلة هي تصرف اضطراري يتحتم عند اليأس من الاستجابة، والفرق بينهما: أن الهجرة تصرف اضطراري جماعي، والعزلة تصرف اضطراري فردي ولا تخرج عن أساليب العمل من هذا الإطار العام.
أما العلاقة بين هذه الأساليب، فيثبت فيها أن استفاضة البلاغ، وإقامة الحجة، والدعوة بالكلمة، هي الخط الأصلي للحركة، وأن خط القوة هو في الابتداء لإنشاء فرصة الدعوة بالكلمة، عندما تمنع (الجاهلية) هذه الفرصة، وفي الانتهاء، لإقامة السلطة وإنشاء الدولة".
إذن يعطي سرور للجماعة حكم الدولة، في مواجهة أعداء الإسلام المحاربين، ويجيز المواجهة بالقوة مع القوى السياسية المعارضة للجماعات التي يصفها بالجاهلية، التي تقف حائلا دون عمل الجماعة، وهذه النقطة تحديدا هي المنطلق الأساسي لكل الجماعات الإرهابية.
ويشرح ذلك بشكل أكثر وضوحا في فقرة أخرى فيقول:
"إن الممارسة السياسية تحقق ضبط العلاقات بين أساليب الحركة ذاتها من ناحية، وأساليب الحركة بالنسبة للواقع من ناحية أخرى، فهي التي تفرض أسلوب التبيلغ بالكلمة، بعد تحليل واقع الدعوة، (وهي التي تفرض أسلوب القوة)، عندما تُمنع الدعوة من فرصة الاتصال بالناس، وهي التي تحلل آثار القوى في الواقع، وتؤكد تلك الآثار لتحقيق غاية الحركة الأصلية وهي إقامة دولة الدعوة والهداية!!".
ويؤكد على حتمية استخدام القوة مع قوى الجاهلية فيقول عن نظرية القوة:
"هي التي تفرض الحق كمضمون للنظرية، والممارسة السياسية، وهي مقتضى الاعتقاد، بالمواجهة الحتمية مع (الجاهلية)، فليست المواجهة فكرة مستنبطة من ممارسة الواقع، ولكنها حقيقة ثابتة قبل الممارسة".
توحيد العمل بين الحركات الإسلامية
فكرة توحيد العمل بين الحركات الإسلامية، ليست جديدة في ظل حال البراجماتية النفعية التي تهيمن عليها، فهي تتيح لها التحالف، ليس بين الحركات الإسلامية المتعددة فقط، ولكن أيضا تبيح التحالف مع أي فصيل ترى أنه يحقق مصلحتها أيا كان توجهه، وفقا للقاعدة الذهبية التي وضعها حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان والتي تقول: "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اتفقنا فيه".
يقول سرور:
"فقد ينشأ في موقع واحد للدعوة "دولة أو إقليم أو منطقة كيانات ما عديدة ومختلفة، وعندئذ يجب منع الصراع، تحديد العلاقات السياسية بين هذه الكيانات، أو بمعنى آخر: طرح التصور السياسي للحركة الإسلامية، الذي يرى فيه كل كيان منهجيته التي يتصورها وحركته التي يمارسها بحيث ينشأ الموقف الواحد لجميع كيانات الحركة بصورة سياسية صحيحة".
مفاهيم ومصطلحات
الثورة الإسلامية
يشرح سرور ماهية الثورة التي ينبغي للحركات الإسلامية قيادتها، ويضع من عنده شروطا وضوابط تجتذب من ليس لديه دراية بالسياسة أو الشرع، وهي السمة الرئيسية التي تميز أغلب أعضاء وقواعد الجماعات الحركية، فيقول:
"فالثورة الإسلامية ليست مجرد رفض للواقع، ولكن للباطل في هذا الواقع، بحيث إذا كان في هذا الواقع حق، أخذت به الثورة الإسلامية، وأقره الإسلام، وأصبح جزءا من نظامه، وأما الغضب هو قمة الوعي، لأنه غضب لله، وليس غضبا شخصيا يفقد فيه الغاضب وعيه ويصبح إغلاقا، وأما العنف فهو الأمر المنضبط بسياسة القوة وأحكامها الشرعية".
وعن قوله (وأما العنف فهو الأمر المنضبط بسياسة القوة وأحكامها الشرعية) نتساءل: أي ضوابط شرعية تتيح لجماعة استخدام القوة ضد المجتمعات المسلمة؟!!
تدليس وافتراء
يحاول المؤلف ربط نظريته بالتاريخ الإسلامي، وهي عادة الحركات الإسلامية التي تعتمد على القصاصين الذين يحاولون الربط بين ما يقدمونه، وبين التاريخ الإسلامي ويحاولون انتزاع النصوص من سياقها، وتشبيه ما لا وجه للشبه بينه وبين واقعهم فيقول، وأبعد من ذلك الاعتماد على القصص القرآني، ومحاولة إنزال نصوصه على أحوالهم وتعاملهم مع معارضيهم، يقول سرور:
"وأبرز قضايا العلاقة الجدلية بين الفكر والحركة هي: قضية المرحلة المكية والمدنية، وتفسير تلك العلاقات من أساسها، وهذه القضية لها عناصر يجب إدراكها ابتداء: أن مرحلة الدعوة بعد تمام نزول القرآن تجاوزت المرحلة المكية والمدنية شرعا، وأن اعتبار الدعوة في مرحلة مكية أو مدنية بعد ذلك يكون باعتبار الحركة وظروفها".
وهذه الفقرة تحتاج وحدها وقفة كبيرة لا يتسع المقام لذكرها، فالمؤلف يتطاول فيها على الوحي، والنبوة، ويعتبر أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتحرك من منطلق وحي السماء بقدر ما هو توجه حركي لقائد جماعة تسعى للهيمنة وليس لتوصيل رسالة الله إلى عباده.
الإسلام.. تجارب أم وحى؟
يركز المؤلف اعتمادا على المنهج القصصي على نقل الملاحم التاريخية، وتعامل الحركات الإسلامية مع المخالفين، ويؤكد على ضرورة الاستفادة من تجارب السابقين فيقول:
"وهذا معناه أن الجاهلية تاريخ واحد وأن المواجهة من جانبها للإسلام قائمة بخبرة تاريخية كاملة، ولنا أن نتصور بتلك القاعدة مدى التطور الجاهلي في المواجهة عندما يكون العامل الزمني الذي تتطور به هو هذا التاريخ القديم المستمر".
وفي إطار تأصيل التجارب السياسية يقع في منزلق خطير بوصف سنن الأنبياء والوحي بأنها تجارب، وهذا خطأ عقيدي جسيم، يوضح مدى الجهل أو- إن شئنا تجميل وجه الكتاب- الاستحسان العقلي الاعتزالي المنبوذ الذي يهيمن على صفحاته، ففي صفحة 53 من الكتاب يقول سرور:
"ولهذا تم لقاء مباشر بين موسي رسول بني إسرائيل، وبين رسولنا عليهما الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج في السماء، واستجاب نبينا عليه الصلاة والسلام لنصيحة أخيه موسى.. واستجاب الله عز وجل لسؤال نبينا صلى الله عليه وسلم بالتخفيف وأصبحت الصلاة خمسًا بعد خمسين".
ويعلق على ذلك بقوله: " وتقييم التجارب الإسلامية علينا ليست مجرد إضافة خبرة أو زيادة معرفة، ولكنها استمداد للخير من أصله، لأن أي تجربة حدثت في مجال الدعوة هي أحداث سبقنا بها دعاة نحن نليهم في استمرار الدعوة.
والخير على مستوى تاريخ هذه الأمة مرتبط بصفة السبق الزمني بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
وفي الفقرة السابقة أيضا يحرف المؤلف - رحمه الله- قول النبي صلى الله عليه وسلم، عن مقصده الشريف في اعتبار السبق الزمني هو معيار الخيرية، وهو ما يتعارض مع نص الحديث، ولم يقل به أحد من السلف أو الخلف، لأن السبق التاريخي أو الزمني وحده ليس مقصد الرسول في معيار الخيرية، لكن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا النص يؤكد أن أقرب الناس فهمًا لوحي السماء هم الذين يتبعون الشرع وللسبق الزمني أفضلية بين هؤلاء لقرب فهمهم للشرع من منبعه الصافي، ولا يمكن أبدا اعتبار السبق الزمني وحده هو معيار الفهم فكم من المشركين وكم من المنافقين قد عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم وعاصروا تلك الفترة، وكانت عداوتهم للدين ظاهرة ولا تحتاج إلى أي دليل.
وفي النهاية فإن الكتاب في مجمله يحتاج كتابًا آخر للرد على ما ورد فيه من مخالفات.