ناصر والسادات بعيون سوفيتية
بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، دار فى خاطرى التساؤل التالى حول الوثائق والمصادر التاريخية التى نعتمد عليها عند كتابة تاريخ هذا الحدث المهم فى تاريخنا، ثورة يوليو، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع توجهاتها.
وبالقطع نعترف أن هناك نقصًا واضحًا فى الاعتماد على الوثائق الرسمية المصرية، نظرًا لمشاكل خاصة بسُبُل الإتاحة، أو حجب بعض الوثائق، مع ضرورة ذكر توفر العديد من المذكرات الشخصية المهمة، هذا فضلًا عن ثروة مهمة من الدوريات الصحفية المصرية.
من هنا اتجه العديد من الباحثين إلى الرجوع إلى وثائق غربية متاحة عن هذه الفترة، لا سيما الوثائق البريطانية والأمريكية، والتى أصبح الاطلاع على الوثائق المُفرَج عنها متاحًا للباحثين حتى عبر الإنترنت.
لكن هناك مصدرًا آخر من المصادر التاريخية أرى أنه لا يقل أهمية عن الوثائق الغربية بالنسبة لتاريخ هذه الفترة، وأقصد المصادر السوفيتية المكتوبة بالطبع باللغة الروسية. وتنقسم هذه المصادر إلى وثائق رسمية للحقبة السوفيتية، تم الإفراج عن الكثير من مجموعاتها، هذا فضلًا عن المذكرات الشخصية للعديد من الدبلوماسيين السوفيت، الذين عملوا فى مصر فى تلك الفترة.
من أهم هذه المذكرات ما كتبه السفير السابق فلاديمير فينوجرادف عن انطباعاته أثناء عمله فى الخارجية السوفيتية، وأيضًا خدمته فى السفارة فى القاهرة. ولقد تم نشر ذلك، وقام بترجمته إلى العربية أحد أهم المترجمين، وهو أنور إبراهيم.
وهناك العديد من النقاط المثيرة فى هذه المذكرات عن أسرار هذه الفترة، سواء السياسية والعسكرية، هذا فضلًا عن تفاصيل مهمة، بعضها مثلًا عن اشتراك قوات سوفيتية فى القتال إلى جانب مصر، بل ومصرع بعض الطيارين السوفيت مع أقرانهم المصريين، من جراء الهجمات الإسرائيلية.
لكن من النقاط المثيرة بشدة نظرة السوفيت إلى رؤساء مصر فى تلك الفترة، وأقصد بذلك عبدالناصر والسادات، وواضح تمامًا مدى ميل السوفيت إلى عبدالناصر، واحترامهم له، وعلى العكس من ذلك عدم تقبلهم للسادات، بل وموقفهم السلبى منه، بشكل انتقاد قد يُفَسَّر أنه نوع من الاحتقار.
يصف فينوجرادف عبدالناصر قائلًا: «القائد العظيم لأكبر أمة عربية، الرجل الذى قاد الثورة وقاد شعبه على طريق التقدم المستقل... لقد قاده منطق النضال المخلص من أجل مصالح شعبه من أجل الاستقلال الوطنى بالدرجة الأولى، قاده إلى الإيمان بضرورة عقد صداقة أخوية متينة بين الشعبين المصرى والسوفيتى».
ويقدم السفير السوفيتى نظرة سلبية للسادات، إذ يرى أنه لم يصل للحكم فى مصر إلا فى ظروف صعبة، وصراع بين الأقوياء على الحكم بعد وفاة ناصر، وبالتالى تم اختيار الأضعف مؤقتًا، وهو السادات. ويذكر السفير السوفيتى أن عزيز صدقى وزير الصناعة آنذاك لعب دورًا توفيقيًا ومهَّد الأرض لوصول السادات حسمًا للصراع مؤقتًا، لكن السادات الداهية أطاح بالجميع.
ويقدم السفير السوفيتى صورة سلبية لشخصية السادات بأنه «كان السادات هدفًا لسخرية الضباط الأحرار نتيجة ثقافته المحدودة وتواضع معارفه، ولهذا فقد راح يحاول تعويض هذا النقص بالتكلف والاصطناع والتظاهر بالتدين. كان (السادات) رجل مكائد من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، ولم يكن شخصًا مستقيمًا صريحًا».
وبصرف النظر عن تقبلنا لوجهة نظر السفير السوفيتى من عدمه، فإن هذا الكتاب يوضح أهمية المصادر السوفيتية فى كتابة تاريخ هذه الحقبة المهمة والخطيرة.