الشماتة فى الموت ليست من شيم الكرام
لقى الدكتور سيد القمنى ربه طاهر الذمة واليد؛ فما خان قناعاته الخاصة مرة ولا اعتدى على ممتلكات سواه، بل اكتشف الناس، بعد رحيله، أنه كان حريصًا على الموت قدر حرص الآخرين على الحياة، ليس بالمعنى العدمى طبعًا، ولكن بالمعنى الانتقادى للحياة الطاردة القاسية التى لا تستوعب المغايرة ولا توقر الاجتهاد ولا تعتبر التفكير فريضة بل خروجًا على الفرائض والسنن؛ لذا وجدوا على مقبرته عبارة شهيرة منسوبة إلى الشاعر الكبير الراحل محمود درويش: إن الذين ماتوا قد نجوا من الحياة بأعجوبة!!
سيد القمنى «الصحيح كسر القاف مع فتح الميم فى نطق الاسم» كاتب ومفكر علمانى جرىء، من مواليد الواسطى ببنى سويف فى ١٣ مارس ١٩٤٧، نال مؤهله الفلسفى من جامعة عين شمس ١٩٦٩، والمشهور أنه حصل على رسالتى الماجستير والدكتوراه، غير أن التشكيك طال رسالته للدكتوراه، وإن لم يثبت أحد من المشككين تزويره للدرجة الرفيعة حتى الساعة، وفى مقال ذائع للدكتور فى جريدة المصرى اليوم، وضح الموضوع، مؤكدًا حصوله عليها.. وعلى كل حال فكتبه القيّمة تتجاوز الاعتراف الأكاديمى، وتشير إلى نباهته الشديدة وحدة وعيه واستقلاله العقلى، بل يشير عمقها إلى ترفعه عن الألقاب والمناصب عمومًا.
حصل على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية ٢٠٠٩، وفى إثر ذلك قام الشيخ يوسف البدرى «المعروف بكراهيته لليبراليين والتقدميين ولكل من لا توافق آراؤهم تشدده الدينى ووصاية أمثاله على الخلق»؛ برفع قضية ضد مانحيه الجائزة بدعوى إساءته للإسلام!!
ضمن كتب الدكتور المهمة: رب الثورة أوزوريس وعقيدة الخلود فى مصر القديمة، حروب دولة الرسول، النبى إبراهيم والتاريخ المجهول، الأسطورة والتراث، الحزب الهاشمى وتأسيس الدولة الإسلامية، النبى موسى وآخر أيام تل العمارنة، الفاشيون والوطن، رب الزمان، السؤال الآخر، الإسلاميات، الإسرائيليات، الجماعات الإسلامية رؤية من الداخل، أهل الدين والديمقراطية، صحوتنا لا بارك الله فيها، الدولة الإسلامية والخراب العاجل، الدولة الإسلامية للخلف در، الحجاب وقمة الـ١٧، انتكاسة المسلمين إلى الوثنية التشخيص قبل الإصلاح.
توفى الدكتور فى ٦ فبراير ٢٠٢٢، ومكثت آثاره المختلفة عن السائد، فى نطاق بحثه الجاد فى التاريخ الإسلامى، مستخلصًا للحقائق بطريقة استقراء الواقعين السياسى والاجتماعى واستنطاقهما، شاهدة على تحديه للركود وصموده أمام مهاجميه كثيرى اللغط والصياح متملقى الجماهير، وشاهدة على نبوغه من قبل ومن بعد، وقد حاز مشروعه قبولًا ومعارضة، فى دوائر معتبرة تتسم بالفهم واللياقة، لا قلة الإدراك وسوء الأدب، هكذا وإن ظل المعتدون الغوغائيون يكفرونه ويسفهونه باستمرار، لا يستندون فى ذلك إلى حجج صادقة بالغة، وإنما تسجيلات تليفزيونية للرجل، دفعه الخصوم خلالها، بالاستفزاز الرخيص، إلى الانفعال التلقائى غير المحسوب، ويستندون أيضًا إلى عبارات له مقطوعة من سياقاتها.. وأظن رميهم فشل وسهامه أصابت أهدافها!