أمهات الأنبياء .. السيدة هاجر
من خلال مطالعة حياة الأنبياء الأربعة اسماعيل وموسى وعيسى ومحمد نجد أنهمعليهم السلامجميعًا قد عهد بهم في طفولتهم إلى الأمهات وحدهن دون مشاركة الآباء ، فلم تقم الأم بدورها الطبيعي فقط، بل عوضت إلى جانبه فقد الأب أو غيابه، وهذا الأمر يبدو طبيعيًا لأن الأمومة في عاطفتها الجياشة وإيثارها الرائع أقرب أن ترعى أصحاب الرسالات الدينية التي تقوم على الروحانية.
وفي السطور التالية نتحدث عن قصة السيدة هاجر أم سيدنا اسماعيل، ويالها من قصة تبدو فيها الأمومة في أروع مواقفها وأعنف مشاعرها ، لقد أراد الله أن يؤثر هذه الأم برعاية اسماعيل الوليد وانقاذه من الهلاك ، فتركه لها وحدها في واد قفر غير ذي زرع كي تكون لهفتها على الصغير والألم الذي ذاقته حين رأته يكابد حرقة الظمأ ومسعاها لانقاذ حياته حديث التاريخ وعبرة الدهر .
ومن هاجر ؟ كانت إحدى الأميرات المصرية ووقعت في الأسر حين أغار الغزاة على مصر ، ولما سافر سيدنا إبراهيم إلى مصر وبصحبته زوجته السيدة سارة أهداها ملك مصر لهما فسافرت بعد ذلك مع السيدة سارة إلى فلسطين ، وكانت السيدة سارة عاقرًا فبدا لها أن تهب زوجها تلك الجارية المصرية.
ولما حملت هاجر هاجت سارة حتى إذا وضعت هاجر مولودها نفذ صبر السيدة وغلب احتمالها فاقسمت ألا يؤويها وجاريتها سقف.
سار سيدنا إبراهيم بزوجته وانتهى بهم المسير عند مكة فإذا هي صحراء مقفرة وترك لها جراب فيه تمر وماء فارتاعت هاجر من وحشة البرية وتضرعت إليه ألا يتركها وولدها في هذا المكان فلم يلتفت إليها سيدنا ابراهيم ــــ عليه السلام ـــــــ كان يخشى أن تخونه عاطفته أمام تلك الأم أو تثور أبوته رحمة بابنه الوحيد الذي نبذه وأمه بالعراء.
فاعادت السيدة هاجر سؤالها بصوت واهن:
-آلله أمرك بهذا؟
فأجاب سيدنا إبراهيم دون أن يلتفت:
-أجل
فقالت السيدة هاجر في استسلام خاشع:
-اذن فالله لا يضيعنا
وتوارى عنها سيدنا ابراهيم وابتهل إلى الله في توسل " ربنا إني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون"
وأقبلت السيدة هاجر على ولدها تستمد منه الأنس والعزاء، وقد شغلها النظر إلى وجهه فلم تشعر أول الأمر بوحدتها في البرية حتى نفذت مئونتها الضئيلة، وبدا الظمأ يناوش الصغير فهبت مذعورة تبحث له عن قطرة ماء وظلت تهرول بين الصفا والمروة سبع مرات حتى نال منها التعب والإعياء وتهاوت على الرمال بجانب ولدها تنتظر المصير الفاجع مستسلمة يائسة ثم كانت النجاة انبثق ماء زمزم فهرعت "هاجر " نحوها واقبلت ترتوي وتسقي ولدها ودبت الحياة في الوادي الأجرد.
ومر رفقة من "جرهم" فنزلوا أسفل مكة فرأوا طيرًا فتعجبوا مما رأوا لأنهم كانوا يعرفون أن هذا الوادي مقفر ليس فيه ماء، فأرسلوا دليلهم فعاد يحدثهم عما رأى وتبعوه حتى أشرفوا على الماء فإذا هاجر وولدها بجوار زمزم ، قالوا لها "إن شئت كنا معك فآنسناك، والماء ماؤك " فأذنت لهم السيدة هاجر فنزلوا معها وهم أول سكان مكة.
وخلدت السيدة هاجر المنبوذة صورة مؤثرة للأمومة في حنوها وآلامها وهمومهاـ
وعاش ولدها اسماعيل –ذاك الذي رعته وحدها حين تركه أبوه في الوادي المقفر ــــــ ليتلقى مع أبيه رسالة السماء.
وللحديث بقية.