اقتصاد الدولة بين : آليات السوق.. وتجار السوء!
تظل كلمة "تجارة" قرينة كلمة "الربح والشطارة"؛ بعيدة بفراسخ عن شبح الخسارة؛ وسيظل "التاجر" عاشقًا للمثل الشعبي الذي يقول: "البحر يحب الزيادة"؛ مهما كان حجم ثروته وتجارته، ويطرق كل السُّبُل لتحقيق أعلى ربحية لخزينته وجُعبته؛ ويمارس كل الأحاييل للإعلان عن بضاعته مهما كانت الظروف التي تحيط به، وكلنا يذكُر مغزى قصة التاجر اليهودي الذي كتب إعلانًا عن مهنته وصناعته؛ فحواه : "كوهين ينعي ولده .. ويُصلح سَاعَات"! ما بالنا بصاحب "بضاعة طازجة" قد يلحقها البوار والعفن في مخازنه؛ أو "سلعة" تعتمد أو تحتوي على صيحة جديدة في عالم الموضة؛ والشباب يتكأكأون للطلب عليها وحيازتها ،حتى لو كانت الحيازة للتباهي .. لا لمنفعةٍ ما!
من هذا المنطق والمنطلق .. عكف الكثيرون من رجال الاقتصاد على دراسة نظرية "العرض والطلب" التي تتحكم في آليات السوق وتؤثر عليه سلبًا وإيجابًا؛ وبخاصة في ظل تطبيق سياسة الاقتصاد الحر؛ ومنذ قديم الزمن فإن مؤشر "الأسعار" يتجه إلى الارتفاع المستمر دائمًا لاعتبارات كثيرة، منها ارتفاع ثمن المواد الأساسية لإنتاج سلعة ما؛ وارتفاع قيمة الطاقة وتكاليف النقل؛ وهو ما يصفه رجال الاقتصاد بمؤشرات "التضخم" الذي يمثل الانحفاض المستمر في قيمة النقود الشرائية .. وهنا يلعب "التجار" لعبتهم الأزلية واقتناص الفرصة لتحقيق أعلى عائد على بضائعهم أو منتجاتهم السلعية .. والخدمية ؛ دون الأخذ في الاعتبار حال اقتصاد الدولة أو مراعاة الأحوال الاجتماعية والظروف السياسية المحيطة بها، ويبقى الشغل الشاغل لتجار"السوء" هو الانقضاض على كل هوامش الربح التي يتم اقتطاعها من "قوت الغلابة"! وبخاصة حين يكون معدل الزيادة السكانية يفوق بمراحل معدلات الإنتاج السلعية والخدمية؛ فالزيادة السكانية تأكل في طريقها الأخضر واليابس داخل نطاق خريطة الدولة والمجتمع .
وهُنا كان لا مناص من أن يظهر "دور الدولة" من أجل الحفاظ على التوازن المجتمعي المطلوب؛ وعدم ترك "الحبل على الغارب" لرأس المال المملوك لأساطين السوق و"السوء" داخل المجتمعات؛ تلك المجتمعات التي تبحث لها الدولة عن الاستقرار واستمرارية الحياة بلا ثورات أو مظاهرات تطالب بالحياة الكريمة تحت الظلال الوارفة من الرحمة والحماية .
وسرعان مااستجابت الدولة متمثلة في تعليمات الرئيس والزعيم عبد الفتاح السيسي ؛ بتكليف رئيس مجلس الوزراء برسم خطة حكومية عاجلة لمواجهة الارتفاعات الكبيرة في أسعار السلع في الأسواق المصرية، حيث سيتم إقامة أسواق وشوادر تغطي جميع المحافظات لبيع احتياجات المواطنين من السلع والمنتجات المختلفة بأسعار مخفضة، وتستمر هذه الأسواق حتى نهاية شهر رمضان المعظم؛ وهذا يتم كجزء من الجهود التي تقوم بها الحكومة لمواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار والتصدي للتلاعب في الأسواق بتوفير احتياجات المواطنين .. وربما ــ على سبيل الحيطة والحذر ــ اتقاء لما قد يحدُث من احتمالات الهبوط في مخزون احتياطي ": القمح .. قوت الغلابة " بفعل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية؛ وتفادي تأثيرها السلبي على الاقتصاد المصري .
ولقد شهدت العاصمة المصرية وبعض المدن الأخرى .. لقاءات حيَّة شبه يومية بالشارع المصري بين الرئيس والعديد من المواطنين ـ دون تمهيد أمني أو سياسي لتلك اللقاءات العفوية ــ وحظيت هذه اللقاءات بتوجيهات الرئيس المشددة واتصاله المباشر بالمواطنين بالسؤال عن "حال الأسعار" ومدى اتساقها مع دخل العائلة البسيط؛ متحدثُا مع مواطنيه بأنه لاداعي للتخزين تحسُّبًا لاختفاء بعض السلع؛ وإخبارهم بألاَّ يمسسهم الخوف من نقص بعض الضروريات الحياتية؛ وطمأنتهم بأن الدولة المصرية لديها فائض من الاحتياطيات في الدقيق والزيت والسكر؛ وعن محصول القمح .. أكد أن الاحتياطي يكفي حتى آخر العام الحالي؛ بالإضافة إلى دخول محصول القمح المحلي، مؤكدًا أنه سيتم التوسع في المنافذ لتوفير السلع الحياتية الضرورية لمنع التلاعب بالأسعار؛ وأن مصلحة المواطن المصري هي الهدف الأسمى دائمًا .
ولعلي لا أستبق الأحداث ــ وأكون في طليعة المبشرين بهذا الخبر الجميل ــ بأن أزف إلى جموع الشعب المصري الكريم قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بزيادة المرتبات والمعاشات بمعدل 13% اعتبارا من شهر ابريل 2022؛ ولعله بهذا القرار الحكيم يقول لبني شعبه الكريم : "إنني أعرف مدى المعاناة القسرية في ارتفاع مؤشرات الأسعار وانخفاض قوة وقيمة القوة الشرائية للعملة المصرية .. فإنني أبذل ما في وسعي ـ ووسع الاقتصاد المصري ـ لرفع المعاناة عن أكتاف المصريين بصفة عامة وهناك المزيد من الترتيبات تحصن بها الدولة المصرية مواطنيها من مغبة القادم من الأيام من افتقار إلى احتياجات ضرورية قد يتعذر توفرها لولا حصافة الدولة واستعدادها لمواجهة أيام صعبة ليس على مصر فقط بل على العالم كله الذي سوف يضار إذا ما تفاقمت الحرب الدائرة الآن وارتبك الاقتصاد العالمي وعمت ظلاله على الجميع .حفظ الله مصر حكومة وشعبا وكتب لها السلامة والرخاء.
- رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر