دروس فى إدارة الأزمات
تأتى دراسة علم إدارة الأزمات خلال السنوات القليلة الماضية على رأس فروع العلوم الإدارية التى يكتظ بها علم الإدارة، خاصة على ضوء ما يشهده العالم حاليًا من كوارث وأزمات غير مسبوقة، وهو ما جعل هذا العلم يخرج إلى دائرة الضوء ويتم الرجوع إلى معطياته لمواجهة تلك الأزمات طبقًا لنوعيتها وخطورتها على الدول المختلفة. وكما درسنا فى ذلك العلم أن أول مرحلة من مراحله هى التنبؤ بحدوث الأزمات، وهنا فإننى على يقين أن السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، كان لديه ذلك البعد فى أن هناك أزمة فى العلاقات الروسية الأوكرانية، وأن تلك الأزمة سوف يترتب عليها تدخل عسكرى من الجانب الروسى لمواجهة الخطر القادم إليه من الدولة الملاصقة له، والتى أصبحت حليفة للولايات المتحدة الأمريكية وتسعى إلى الانضمام إلى حلف الناتو، ليوفر لها الحماية اللازمة حال امتلاكها أسلحة نووية أو بيولوجية يمكن أن تكون مصدر تهديد لأمن وسلامة روسيا.
وذلك على الرغم من أن الرئيس الروسى حذر كثيرًا من هذا التوجه سواء كان هذا التحذير بطريق مباشر أو غير مباشر عبر دول وسيطة، ولكن يبدو أن إغراءات السلطة والتمكين التى أوحت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها للرئيس الأوكرانى جعلته يضرب بعرض الحائط لتلك التحذيرات، وراح يخطب ود تلك الدول على حساب الدولة الجارة والتى تلاصقه مباشرة غير عابئ بما يمكن أن يحدث من تهديد وخطورة نتيجة امتلاكه محطات نووية بإيعاز من دول الناتو.
المهم هنا أن مرحلة التنبؤ التى استشعرها السيد الرئيس كانت هى الأولى من بين دول العالم، تلك الدول التى كان رد فعلها بطيئًا جدًا فى استيعاب ما حدث من توجيه ضربات عسكرية روسية لأوكرانيا، والدليل على ذلك هو ذلك التخبط الذى حدث من ردود أفعال الدول المختلفة سواء فيما يتعلق بتلك الأعداد الكبيرة من رعايا أوكرانيا الذين هربوا عبر الحدود البرية إلى الدول المجاورة، أو تلك الدول التى كانت تعتمد اعتمادًا مباشرًا على الصادرات والمواد الغذائية والمنتجات الزراعية والصناعية التى كان يتم استيرادها منها أو المواد البترولية والغاز الطبيعى الذى كان يتم تصديره من روسيا إلى الدول الأوروبية التى تعتمد عليه بشكل كبير سواء فى التدفئة أو إدارة المصانع المختلفة.
فى حين أن السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، سرعان ما قام بعقد العديد من الاجتماعات مع كبار المسئولين فى الدولة، وخاصة الوزراء المعينين بتوفير الاحتياجات الرئيسية من المواد الغذائية والصناعية التى يتم استيرادها من هاتين الدولتين، بل وأيضًا من الدول المجاورة لهما، حيث تأكد بنفسه من وجود مخزون استراتيجى من القمح تحديدًا لعدة أشهر، بالإضافة إلى التأكد من اقتراب موعد حصاد القمح فى الريف المصرى، بل إن سيادته وجه الحكومة بتشجيع المزارعين على توريد محصول القمح إلى الحكومة مع سداد قيمة هذا المحصول فورًا، وهو ما سوف يترتب عليه استقرار الوضع بالنسبة للقمح، كذلك الحال بالنسبة لباقى السلع الاستراتيجية، كما قام بتوجيه الجهات الرقابية للضرب بيد من حديد على أيدى أى تاجر يحاول أن يستغل ما يحدث فى رفع أسعار السلع التى يتاجر بها تحت أى ذريعة، ولعل ذلك الحوار الذى دار بين سيادته وبين صاحب ذلك الفرن الذى ينتج رغيف الخبز الحر أكبر دليل على أنه لا يكتفى فقط بعقد اجتماعات مع الوزراء المعينين وإصدار التوجيهات اللازمة لهم بشأن الحفاظ على استقرار وثبات السوق المحلية بجميع المنتجات الغذائية التى تعرض فيه، بل قام بنفسه بالمرور المفاجئ للتأكد من ذلك وأصدر تعليماته بزيادة المعروض من تلك المنتجات من خلال منافذ الدولة المختلفة، سواء عن طريق جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة أو آمان بوزارة الداخلية وكذلك منافذ وزارة الزراعة.
وقد ترتب على ذلك التحرك الرئاسى إحكام السيطرة على محاولة رفع الأسعار من قبل مَن يحاولون استغلال تلك الظروف، وأيضًا توجيه رسائل طمأنة أن الدولة بكل أجهزتها حريصة كل الحرص على مصالح الشعب وتوفير الاحتياجات الضرورية واللازمة له، خاصة ونحن مقبلون على شهر رمضان المبارك.
وإذا تحدثنا عن الموقف المصرى السياسى تجاه ما يحدث، فجميعنا يرى أن ما تقوم به روسيا يأتى فى إطار الدفاع عن أمن وسلامة أرضها وشعبها، خاصة أنه قد سبق توجيه العديد من التحذيرات والإنذارات واللقاءات التى كانت تحاول إقناع أوكرانيا بالعدول عن توجهاتها العدوانية ضد روسيا، وعلى الرغم من ذلك فإن السياسة المصرية الحكيمة دفعتها إلى إصدار العديد من البيانات التى تدعو إلى تحكيم العقل والحفاظ على المصالح المشتركة وحق الجوار بين البلدين.. هكذا تدار الأزمات بكل الهدوء والثبات من خلال المعلومات الموثقة من الأجهزة المختلفة والوزارات المعنية ثم إصدار التوجيهات اللازمة للتعامل مع تداعيات هذه الأزمات وعدم الاكتفاء بذلك، بل والمتابعة الميدانية اللازمة للتأكد من تنفيذها.. إنه أحد الدروس المستفادة فى كيفية إدارة الأزمات والتى أتمنى أن نستوعبها ونطبقها على أى أزمة طارئة قد تتعرض لها البلاد لا قدر الله، حفظ الله مصرنا الغالية ودائمًا تحيا مصر.