عيد الأم.. الأصل مصرى
من ٧ آلاف سنة الفراعنة أول من احتفلوا بعيد الأم.. والأمريكيين بدأوا الاحتفال سنة ١٩١٤
تحتفل مصر، اليوم، بعيد الأم، واللى بيعتبر من المناسبات المهمة اللى بيتم الاحتفال به سنويًا فى أنحاء العالم، ولكن فى أوقات مختلفة حسب كل بلد، وفى العيد ده بيعبر كل فرد فى الأسرة عن حبه لأمه وشكرها ومحاولة إسعادها، ورغم نُبل الفكرة والمقصد، إلا أن الاحتفال بعيد الأم تحول إلى مناسبة استهلاكية استغلها البعض لتحقيق أرباح، فأصبحت عبئًا على ميزانيات بعض الأسر، وكذلك خرجت من إطار الاحتفاء بالأم وشكرها ومحاولة إسعادها إلى الاحتفاء بكل «ست» موجودة فى حياة الأبناء.
فى العصر الحديث بدأت فكرة عيد الأم فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت بداية الاحتفالات بالأم فى سنة ١٨٧٢، لمّا قامت «جوليا وارد» بتحقيق حلم أمها اللى كانت بترغب فى الاحتفال بجميع الأمهات، وبين سنة ١٨٨٠ و١٨٩٠ كان فيه محاولات للاعتراف به كعيد رسمى، لكن كل المحاولات فشلت، ولكن فى سنة ١٩٠٨ بدأت «آنا جارفيس» بحملة موسعة للاعتراف بعيد للأم تحقيقًا لرغبة أمها «آن ريفز جارفيس» التى قضت حياتها فى تعبئة الأمهات لرعاية أطفالهم، واللى كانت بتطالب بتحسين الظروف الصحية للأمهات للتقليل من معدل الوفيات للرضع، وأرادت أن يكون فيه اعتراف بقيمة عمل الأمهات، وفى سنة ١٩١٢ أنشأت آنا جارفيس «الجمعية الدولية ليوم الأم» واللى تبنت الدعوة لتخصيص يوم للأم، وأكدت أن مصطلح «أمهات» لازم يكون بصيغة المفرد ومش بصيغة الجمع، عشان يكون عيد لكل أم وحدها مع أسرتها، وفى سنة ١٩١٤ نجحت فى حملتها، وكان شعارها فى عيد الأم «لأفضل أم عاشت على الإطلاق، أمك».
أما فكرة عيد الأم فى مصر فترجع للأستاذ «على أمين»، واللى تم إقراره رسميًا وبدأ الاحتفال به فى سنة ١٩٥٦، وميعاد عيد الأم بيختلف من دولة لأخرى حسب ظروف وثقافة كل مجتمع، ففى مصر مثلًا تم الاتفاق على اليوم الأول من فصل الربيع، وده زى ما كان متبع فى مصر القديمة.
وده يخلينا نرجع شوية فى الزمن ونتعرف على بدايات الاحتفال بعيد الأم اللى أصله مصرى قديم، وده لأن فكرة الأمومة فى مصر القديمة نبعت من لحظة بدء الخلق، حسب علم «الميثولوجيا» المصرية، وده يوضح لنا إزاى كانت مكانة الأم مقدسة عند المصريين من قبل عصر الأسرات، وشوفنا ده من خلال تحديد يوم سنوى للاحتفال بالإلهة «إست» أو «إيزيس» إلهة الأمومة وراعية الطبيعة والسحر فى العقيدة المصرية القديمة، فتم تخليدها فى المعابد، وفى البرديات المقدسة، وفى متون الخلق والتكوين، وبنشوف كمان الإلهة «حتحور» إلهة الحُب والخصوبة، واللى تعتبر الأم الحامية للإله «حور» واللى أخفته فى أحراش الدلتا بعيدًا عن إله الشر «ست» ورضعته فبقى ابنها، وكمان عندنا الإلهة «تاورت» إلهة الحمل والولادة والخصوبة وهى صاحبة الأمهات.
اعتقد المصرى القديم أن حياة الآلهة تشبه حياة البشر، وأن الجواز هو الرباط الاجتماعى المقدس، وتجلى ده فى «الثالوث الإلهى»، أى وجود أسرة من إله أب وإلهة أم وعندهم ابن، والإلهة الأم هى اللى بتولد وبترعى ابنها الطفل لغاية سن البلوغ وبتقدم له النصيحة فى سن الرشد، ولما يستعد للجواز تختار له زوجة، وفى المرحلة دى تيجى ست تانية عشان البدء فى دورة جديدة، وكان المصريين مؤمنين إن الأم هى مركز الحياة وبالتالى العيلة، لأنها واهبة الحياة وراعية الصغار بإرضاعهم، وهى المربية وربة البيت.
ورغم إن الست فى مصر القديمة تمتعت بحقوقها المدنية والقانونية والاجتماعية، وكمان استقلالها المالى وعملها فى كُل المهن وشغلها كل المناصب، بما فيها المناصب الدينية والسياسية العليا، إلا أن مهنة المرضعة والمولّدة كانت من المهن المقدرة لدرجة كبيرة ترقى للتبجيل والتقديس.
شبّه المصريين القدماء الأم بنهر النيل، اللى بيوهب الحياة والخصب والخير والنماء، وعشان كده اختاروا شهر «هاتـور» فى التقويم المصرى القديم موعدًا للاحتفال بعيد الأم، وهو آخر شهور فصل الفيضان «آخت»، لما تكون الأرض بقت خصبة مُعدّة لبذر البذور وبدء الدورة الزراعية اللى بتشبه دورة الحياة.
وكشفت البرديات إن المصريين القدماء كانوا بيحتفلوا باليوم ده بإعداد المواكب المزينة بالزهور، واللى بتطوف فى الشوارع وحوالين المدن، وأطلقوا على اليوم ده أسامى كتيرة، زى «عيد الأم الجميلة» و«عيد أم الحياة» و«عيد الأم المقدس» و«عيد أم الوجود».
فى بردية تعود لعصر الدولة القديمة «حوالى ٢٦٩٠- ٢١٨٠ ق.م»، يعنى من حوالى خمستلاف سنة، تم توثيق احتفالات عيد الأم، وكان الاحتفال بيبدأ مع شروق الشمس اللى المصريين بيعتبروا نورها وأشعتها رسالة من الإله «رع» للمشاركة فى تهنئة الأمهات.
وتذكر نصوص البردية احتفاء المصرى القديم بعيد الأم فى احتفال كبير يُقام كل سنة فى نفس التوقيت من شهر «هاتور» فى طقوس يتم فيها تقديم الهدايا، وكان المصريين بيضعوا للأم فى بيتها الهدايا والتماثيل المقدسة المعبرة عن الأمومة، واعتبروا تمثال «إست» أو «إيزيس» اللى شايلة ابنها «حِر» أو «حورس» رمز للأمومة، وكمان رمز لعيد الأم، فكانوا بيضعوه فى حجرة الأم وبيحيطوه بالزهور والقرابين من أوانى العطور والدهون، وملابس الكتان ومختلف أنواع الأطعمة.
فى بردية تانية من عصر الدولة القديمة أيضًا، تم اكتشافها فى منطقة سقارة، وجد فيها كلمات خاصة بعيد الأم، وتضمنت عبارات رقيقة يقدمها كاتبها أو كاتبتها للأم وبيقولها: «النهارده عيـدك يا أمّى.. دخلت أشعة الشمس من الشباك لتقبل جبينك، وتبارك يوم عيدك، وصحيت طيور الجنينة بدرى عشان تغنى وتغردلك فى عيدك، وزهور اللوتس المقدسة تفتحت على سطح البحيرة لتحيتك، النهارده عيدك يا أمّى ويا ريت ماتنسيش تدعى لى فى صلاتك للإله».
وفى بردية الحكيم «آنى» يوصى بالأم فيقول لابنه: «ماتنساش فضل أمك عليك طول ما أنت عايش، وأعطيها ضعف العيش اللى أعطته لك، وأطعها واحترمها، فإن الإله هو اللى أعطاها لك، واحملها كما حملتك فى بطنها، وكنت بالنسبة لها عبء مرهق وثقيل وهى لم تسأم أو تضجر، ولمّا اتولدت شالتك جنب قلبها، وقامت وحدها على خدمتك، وكانت أم رقيقة لك، ورفيقة بك، ورضعتك تلات سنين، وكانت بتاخدك للمدرسة وتستناك وهى معاها الأكل والشُرب، فإذا كبرت واتجوزت، ماتنساش أمك، فهى اللى ولدتك وأنشأتك تنشئة صالحة، ماتخليهاش تلومك وترفع كفها ناحية الإله فيسمع شكواها».
وفى مقابر عصر الدولة الحديثة «حوالى ١٥٨٠- ١٠٨٥ ق.م» وجد عدد كبير من البرديات والأوستراكا «كسر الفخار»، تضمنت نصوصها مظاهر احتفال وتبجيل الأم المثالية فى عيدها، وكانت رسومات وتماثيل «الإلهة الأم» واحدة من أكثر المشاهد الشعبية اللى مثلت الأم وهى بترضع طفلها فى العديد من الرسومات الجدارية والتماثيل الإلهية، كان من بينها تمثال الإلهة «إست» أو «إيزيس» اللى بتتصور قاعدة على العرش وهى بتسند بإيدها الشمال راس ابنها الرضيع «حِر» أو «حورس» اللى قاعد فى حجرها وبتديله ثديها بإيدها اليمين، فى مشهد مألوف بيعبر عن نبع ونماء الحياة.
وأخيرًا.. «إن الأم هى هبة الإله للأرض، فقد أودع فيها الإله سر الوجود، اجلبوا الرضا لقلوب أمهاتكم».