كيف تتعامل إسرائيل مع أزمة اللاجئين من أوكرانيا؟
بعد خلافات داخل الائتلاف الحاكم، قررت الحكومة الإسرائيلية، برئاسة رئيس الوزراء نفتالى بينيت، العمل على استيعاب نحو ١٠٠ ألف لاجئ أوكرانى، من المتضررين من الحرب، سواء كانوا من اليهود أو لديهم أقارب يهود، أو غيرهم ممن تنطبق عليهم شروط الهجرة.
وبدأت الحكومة الإسرائيلية التحضيرات لاستقبال اللاجئين الأوكران، مع تجهيز المنازل والمجمعات السكنية التى سيسكنونها، واستكمال احتياجاتهم من المدارس والمستشفيات وغيرهما، بالإضافة إلى تحديد انتهاز الفرصة لدعم الاقتصاد الإسرائيلى، عن طريق استقدام العمالة الماهرة وذوى الخبرات من بين اللاجئين.
استعدادات لاستقبال 100 ألف معظمهم من اليهود مع عائلاتهم.. والسماح بالدخول دون تأشيرة
واجهت آييلت شاكيد، وزيرة الداخلية الإسرائيلية، خلال الأيام الماضية، انتقادات حادة بسبب القيود التى فرضتها على استقبال اللاجئين الأوكرانيين ممن لا تنطبق عليهم شروط قانون العودة، الذى يمنح أى يهودى الحق فى الهجرة إلى إسرائيل والحصول على جنسيتها إذا ما أثبت أنه يهودى أو من أصول يهودية. وقوبلت سياسات «شاكيد» باحتجاج من وزراء حزب «العمل»، الشريك بالحكومة، مع وصف قراراتها بأنها «تفرقة بين لاجئين ولاجئين آخرين»، ودعت وزيرة المواصلات، ميراف ميخائيلى، ووزير شئون المغتربين، نحمان شاى، خلال جلسة حكومية، إلى إلغاء شرط إيداع مبلغ كفالة بقيمة ١٠ آلاف شيكل قبل السماح للاجئين بدخول إسرائيل. فيما قال يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلى: «يوجد فى إسرائيل تسعة ملايين شخص ولن يتم تقويض هويتنا اليهودية من قبل بضعة آلاف من اللاجئين».
وقدم المحامى تومر ورشا، نيابة عن السفير الأوكرانى فى إسرائيل، يفجينى كورنيتشوك، التماسًا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد سياسة وزيرة الداخلية، إلا أنها استبقت المثول أمام المحكمة بتخفيف الإجراءات، وقالت إن إسرائيل ستزيد من عدد اللاجئين الأوكرانيين من غير اليهود المسموح لهم بدخولها، خاصة ممن لهم أقرباء من أى درجة فى إسرائيل.
وتابعت: «إسرائيل تستقبل بترحاب كل لاجئ، ولكنها مع ذلك لا تنسى أنها قبل كل شىء البيت القومى للشعب اليهودى، وستركز جهودها على استيعاب يهود أوكرانيا».
وكانت وزيرة الداخلية الإسرائيلية قد أعلنت، قبل ذلك، عن أنه سيتم استثناء الأوكرانيين الذين لديهم أقارب فى إسرائيل من الشروط، وقالت إنه وفى الحالات الاستثنائية، سيتعين على القريب الموجود فى إسرائيل تأكيد أن الشخص القادم من أوكرانيا سيبقى معه لمدة شهر أو شهرين فقط.
وشددت «شاكيد» على أن «إسرائيل هى أولًا وقبل كل شىء وطن الشعب اليهودى»، وستفتح أبوابها لغير اليهود و«لكن ليس لأعداد غير محدودة».
وأضافت: «فى الأيام الأولى من الحرب، جرى الحديث عن وصول عشرات الأوكرانيين، ولكن إذا نظرنا إلى الأيام الأخيرة، فقد دخل فى يوم واحد ٣٥١ أوكرانيًا، واليوم الذى يليه دخل ٥٢١ أوكرانيًا، وفى نهاية الأسبوع دخل ٦٠٥ أوكرانيين».
وواصلت: «حسب هذه المعطيات فإننا نتوقع قدوم أكثر من ١٥ ألف أوكرانى حتى نهاية الشهر الجارى، ٩٠٪ منهم غير مستحقين بموجب قانون العودة»، مضيفة أن إسرائيل تستعد لاستيعاب نحو ١٠٠ ألف يهودى مع أبناء عائلاتهم من مستحقى قانون العودة، من أوكرانيا ومن روسيا على حد سواء، مع السماح للأوكران بالدخول دون تأشيرة».
تخفيف الإجراءات.. وتخصيص 3 ملايين دولار للجالية اليهودية
عن إجراءات استقبال اللاجئين من أوكرانيا، قال نفتالى بينيت، رئيس الحكومة الإسرائيلية، إن إسرائيل ستركز على استقبال اللاجئين اليهود القادمين من المناطق الخطرة. وأوضح أنه قد تم البدء فى تسهيل إجراءات تهجير اليهود من أوكرانيا، حيث يتم تجميعهم فى دولة مولودوفا المجاورة، فى أحد مراكز استقبال اللاجئين الأوكرانيين، ومنه يجرى نقلهم على متن حافلات إلى رومانيا، ثم يتم إجلاؤهم عبر جسر جوى إلى إسرائيل.
وذكرت تقارير إعلامية أن أكثر من ١٠ آلاف أوكرانى تواصلوا مع الوكالة اليهودية، التى تسهل الهجرة إلى إسرائيل، وسأل معظمهم عن كيفية الانتقال الفورى إلى تل أبيب.
وقالت رونين كوهين، المديرة العام لوزارة الداخلية، إنه من المتوقع وصول أعداد كبيرة من المهاجرين، وإن الوزارة تعمل على ضمان «هبوط هادئ» لهؤلاء المهاجرين الجدد، مما يسمح لهم بالبقاء فى فندق خلال الشهر الأول لهم، مع ضمان حصولهم على منحة أولية تزيد على ٤٥٠٠ دولار. وأوضحت أن وزارة الداخلية الإسرائيلية قد أعلنت أنه إذا كان الشخص المؤهل للهجرة يهوديًا لكنه لم يهاجر إلى إسرائيل بسبب التجنيد الإجبارى للرجال فى أوكرانيا فإنه يمكن لعائلته الهجرة إلى إسرائيل بدونه، وذلك تخفيفًا لاشتراطات سفر الأسرة كلها معًا، التى أعلنت عنها وزيرة الداخلية مع بدء الأزمة.
فيما قال نحماى شاى، وزير شئون المغتربين، إن الوضع فى أوكرانيا يجمع الجالية اليهودية معًا، وينمى شعور أن «جميع اليهود مسئولون عن بعضهم البعض»، داعيًا لإعادة تعريف «التضامن اليهودى» فى القرن الحادى والعشرين.
وأوضح أن وزارته خصصت مبلغ ٣.١٢ مليون دولار لصالح الجالية اليهودية فى أوكرانيا، مع توقع تخصيص مبلغ مماثل فى المستقبل لكل من يهود أوكرانيا والمجتمعات اليهودية فى البلدان المجاورة. وأكد أن وزارته تراقب الوضع فى أوكرانيا لمعرفة ما إذا كان هناك ارتفاع فى «معاداة السامية» ردًا على الحرب.
فرصة لدعم الاقتصاد بالعمالة الماهرة والخبرات التكنولوجية
على الجانب الاقتصادى، كتب المحلل الإسرائيلى مايكل همفريز مقالًا فى جريدة «إسرائيل اليوم» تطرق فيه إلى المنافع الاقتصادية التى تجنيها إسرائيل من استقبال المهاجرين الأوكرانيين.
وأشار إلى أن موجات الهجرة اليهودية التى قدمت من الاتحاد السوفيتى بعد تفككه، فى تسعينيات القرن الماضى، جعلت إسرائيل تستوعب نحو مليون مهاجر فى غضون عامين، الأمر الذى ساعد على تطور الاقتصاد بشكل كبير، خاصة أن نصف هؤلاء المهاجرين كانوا يحملون شهادات أكاديمية ويحظون بتدريبات عالية ومهارات مهمة، جعلتهم عاملًا أساسيًا فى تأسيس صناعة التكنولوجيا الفائقة.
وأضاف: «مع موجة الهجرة وصل إلى إسرائيل ١١٠ آلاف مهندس و٨٠ ألف تقنى و ٣٥ ألف مدرس و١٧ ألف عالم، و٤٠ ألف طبيب وطبيب أسنان وممرض، وحوالى ٦٠ ألف عامل صناعى مؤهل، لذا تشكل هجرة السكان المتعلمين عاملًا بالغ الأهمية فى النمو الاقتصادى لإسرائيل».
وأشار إلى أن أكثر من نصف المهاجرين من أوكرانيا حاصلون على شهادات أكاديمية، فى وقت يعانى فيه الاقتصاد الإسرائيلى من نقص العمالة، خاصة المهندسين.
ونوه إلى أنه، اعتبارًا من عام ٢٠٢١، كان هناك ١٣ ألف وظيفة مفتوحة فى صناعة التكنولوجيا الفائقة فى إسرائيل، ومع ذلك فشل نحو ٦٠٪ من الشركات فى ملء الوظائف المطلوبة.
وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية كانت تستعد لاستيراد العمال الأجانب لدعم صناعة التكنولوجيا الفائقة ومعالجة النقص الحاد فى العمال، مؤكدًا أن وصول أعداد كبيرة من السكان المتعلمين من أوكرانيا سيحل المشكلة.
وتابع: «مجال التكنولوجيا الفائقة ليس الوحيد الذى يتطلب قوة بشرية عالية الجودة، بل هناك نقص بنحو ٥ آلاف عامل فى صناعة البناء، كما يشكو قطاع الفنادق من نقص بنحو ١٦ ألف عامل، وكانت هناك أيضًا رغبة فى استيراد العمالة الأجنبية، لإكمال هذا النقص».
ودعا فى مقاله إلى التركيز على استيعاب اللاجئين الفارين من الحرب فى أوكرانيا، مع وضع هدف أساسى هو أن يتمكن هؤلاء المهاجرون فى غضون عام واحد من العمل فى إسرائيل لدعم اقتصادها.