هيكل بين ثورتى ١٩ و٥٢
آفة خطيرة يعانى منها تاريخنا على مر العصور، وهى محاولة محو الماضى لصالح الحاضر، ولعل خير مثال على ذلك التاريخ الفرعونى ومحاولة بعض الفراعين محو اسم سابقيه من على آثارهم، وتدوين اسمه، وترتب على هذه الظاهرة مسألة «القطيعة مع الماضى»، وعدم الاستمرارية فى مسيرة تاريخنا.
أقول ذلك ونحن فى شهر مارس، شهر الاحتفال بثورة ١٩، وأيضًا ونحن هذا العام نستعد للاحتفال بمرور سبعين عامًا على ثورة ٢٣ يوليو؛ إذ عرف تاريخنا المعاصر للأسف الشديد ظاهرة الاحتراب بالتاريخ بين أنصار ثورة ١٩ وأنصار ثورة ٢٣ يوليو، حتى كاد الأمر أن يصل إلى حد القطيعة بين الثورات المصرية.
والحقيقة أن ثورة ٢٣ يوليو أعادت الاعتبار إلى ثورة ١٩، وكان ذلك فى أعقاب هزيمة يونيو ٦٧، وفى إطار حركة مراجعة التاريخ المصرى التى ظهرت بعد هذه الهزيمة؛ إذ احتفلت الدولة المصرية فى عام ١٩٦٩ بذكرى مرور «٥٠ عامًا على ثورة ١٩١٩». وكانت أهم مظاهر هذا الاحتفال ما قامت به مؤسسة الأهرام من إعداد كتاب وثائقى تذكارى عن ثورة ١٩، وكتب محمد حسنين هيكل، أحد العقول المفكرة لثورة يوليو، مقدمة مهمة لهذا الكتاب، أعاد فيها الاعتبار لثورة ١٩، واصفًا إياها بأنها «صفحة من أهم صفحات التاريخ المصرى الحديث».
وتطرق هيكل إلى ظاهرة الاحتراب بالتاريخ، ومحاولة القطيعة مع الماضى لصالح الحاضر قائلًا: «إن تاريخ مصر الحديث تعرض لحملة من سياط التعبيرات المطلقة والسهلة، تدمغ الماضى إجمالًا وتظن أنها بذلك تُرضى الحاضر، ناسيةً أن الحاضر مهما كان اختلافه عن الماضى، ولد فى أحشائه وبدأ فيه، وبالتالى فإنه ليس هناك ذلك الانغلاق الكامل بين عهد بائد وعهد جديد قام على أطلاله».
ويأخذ هيكل على بعض الكتابات التى حاولت، فى إطار الترويج لثورة يوليو، القطيعة مع التاريخ لصالح ثورة يوليو، وكيف أساء ذلك المنهج لثورة يوليو ذاتها: «من نتيجة ذلك أن ساد تصور سطحى، بدا معه- خطأ- وكأن تاريخ مصر الحديث لم يبدأ إلا بعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وكان ذلك إهدارًا غير مقبول، كما أنه غير صحيح، لصفحات مهمة من تاريخ مصر الحديث، جرت وقائعها قبل سنة ١٩٥٢».
ويوضح هيكل جليًا أن فكرة «المراجعة» للتاريخ المصرى بدأت فى أعقاب هزيمة ٦٧: «ومع اقتراب الذكرى الخمسين لقيام ثورة الشعب المصرى فى ١٩١٩، ومع الجو الذى كان يخيم على الوطن كله فى أعقاب نكسة يونيو ٦٧، فقد فكرنا جديًا فى أن ننشر بعض اللمحات من قصة هذه الثورة العظيمة».
ويشير هيكل إلى أهمية العودة إلى التاريخ فى خضم اللحظات الصعبة للأمم: «إن الشعوب فى وقت الأزمات أحوج ما تكون إلى الإلهام الذى يمنحه لها إحساسها بتاريخها».
تحية لثورات الشعب المصرى