جمعية تعطيل «المستقبل».. فى سراديب المحليات
فى ختام اليوم الأول من فعاليات مهرجان أبيدوس، الذى أقيم منتصف الأسبوع الماضى بسوهاج.. التف العشرات من أبناء المحافظة حول الوزراء.. وفيما مضى عدد كبير منهم إلى جوار نواب مجلسى الشيوخ والنواب يسألون الوزيرة د. إيناس عبدالدايم عن «المستقبل» راح الكثيرون- وقد التفوا- فيما يشبه دائرة صغيرة لم يزعزعها البرد المفاجئ، الذى حل على ساحة المعبد- حول موقع جلوس الوزيرة- يسألون عن التفاصيل ويرسلون أحلامهم إلى الحكومة عمّا ينشدونه لهذه البلاد التى أُهملت كثيرًا، وأخيرًا جاءها «أهل العاصمة فى إشارة ذكية إلى الحضور اللافت للدولة أخيرًا فى تلك البقعة التى هى آخر نقطة فى مركز البلينا تحت الجبل الغربى.
وسط هذه الأجواء المتفائلة سألتنى الوزيرة المبدعة د. إيناس باعتبارى مواطنًا سوهاجيًا.. لماذا لا يستثمر أبناء المحافظة هنا؟ وأضفت وبعضهم من أغنياء العالم.. ولم أشأ أن أبتعد عن الإجابات السهلة التى يقذف بها الجميع.. مواطنون ومسئولون.. هنا لا يوجد المكسب السريع.
وفى اليوم التالى كانت المفاجأة بالنسبة لى.. مفاجأة أضافت لى سببًا آخر من أسباب هروب المستثمرين، سواء الأجانب أو المصريون من فكرة العمل فى الصعيد.
قدم لى أحد الأصدقاء بالمستندات والصور قصة رجل سوهاجى سافر إلى الخليج العربى مع إخوته منذ سنوات بعيدة.. وجاء إلى مصر منذ عشر سنوات تقريبًا، وقرر ألا يسافر مرة أخرى.. أن يعمل فى بلده.. جمع كل ما لديه من مدخرات ومع إخوته أيضًا وراح يبحث عن مشروع ليبدأ به.. فكان أن نصحه البعض بأن يذهب إلى مجال السياحة، فهو مجال واعد فى هذه المحافظة التى لم تكشف عن خزائنها بعد.. منها أخميم، وهى مدينة كاملة بنيت على المعابد، وكذلك منشأة بطليموس تلك التى نسميها «المنشأة».. وهناك أبيدوس- وقد كنا ضيوفها- وبها أقدم معابد العالم- وبها «الحواويش» التى أشار إليها د. خالد العنانى فى كلمته الافتتاحية، وقد رممت الوزارة- وزارة الآثار- مقابرها فى الفترة الماضية، وهناك أيضًا الدير الأحمر والدير الأبيض وكلاهما يجرى العمل فيه حاليًا.. وهناك حلم أهل سوهاج الذى تحقق أخيرًا بافتتاح المتحف.. متحف آثار سوهاج على النيل.
قالوا له.. إن المستقبل يقول إن السياح سيتوافدون لزيارة تلك المقاصد وهناك أزمة فى الفنادق.. سوهاج لا يوجد بها فندق واحد تحت التصنيف.. لا خمس نجوم ولا أربع نجوم ولا حتى ثلاث.. كل ما هناك ثلاث بواخر ثابتة يتم استخدامها كفنادق.. وفندق آخر تحت التجهيز منذ سنوات ولأسباب فنية لم يتم افتتاحه.
المهم أن الرجل وبحسبة اقتصادية وجد ضالته فى إنشاء فندق خمس نجوم اشترى له أرضًا على النيل بـ٢٠٠ مليون جنيه ووضع خمسمائة مليون أخرى فى البنك للمبانى والتجهيزات، وبدأ رحلة الحصول على التراخيص، وكان أن وقع الرجل فى المحظور.. ودوخينى يا لمونة ما بين سبع عشرة جهة، وربما أكثر، ولمدة عامين كاملين، رغم حصول الرجل على موافقة سلسلة عالمية شهيرة لإدارة الفندق، ورغم علم أكبر رأس بالمحافظة.. -محافظها- بالمشروع، إلا أنه لم يستطع أن ينهى الأمر الذى تاه بين عناد اثنين من الموظفين أحدهما تبع الإدارة الهندسية لمركز أخميم، والثانى فى إدارة التخطيط بالمحافظة.. لجان يتم عقدها بأمر المحافظ تتلوها لجان أخرى ولا شىء يتحرك.. والحجة أن الشارع «مختلف عليه».. هل هو أربعون مترًا أم عشرة أمتار فقط.. رغم أن المنشآت السياحية- كما علمت- مستثناة فى الأصل من شروط الارتفاع.
باختصار تم تجميد ثلاثة أرباع المليار جنيه.. لأسباب غير مفهومة بالنسبة لرجل قرر عدم السفر مجددًا والبقاء فى بلده والاستثمار به.
وقد اختار الرجل بالفعل ما تحتاجه التنمية السياحية فى هذه البقعة المظلومة من أرض مصر.
الدولة تشق البلدان هناك تبنى فى كل شبر.. مشروعات حياة كريمة فى كل قرية تقريبًا والأهل ينتظرون أن يكتمل كل ذلك بمصانع ومنشآت تتيح لهم فرصة العمل.. لكن الراسخين فى سراديب المحليات من صغار الموظفين لا همَّ لهم سوى تعطيل مصالح العباد والبلاد لأسباب هم يعرفونها، ونحن فى غنى عن ذكرها، فالهدف أكبر من ذلك.. هؤلاء الذين أبدعوا فى فنون تطفيش المستثمرين من المصريين والأجانب يحتاجون إلى نظرة من الجهات الرقابية.
قصة الرجل فيها تفاصيل كثيرة، لكنها ليست الغرض من هذه الإشارة.. الغرض أن هناك من يتعمد تعطيل المستقبل.. وهناك أياد مرتعشة لم تعد تناسب ذلك العمل الذى يجرى على قدم وساق.
قصة المشروع.. وتفاصيله واسم صاحبه لدينا لمن يهتم.. لدينا لمن يريدها.. وما أتصوره أن رئيس الوزراء ووزير التنمية المحلية لا يرضيهما عودة هؤلاء الذين يحركهم «لهو خفى» لوقف الحال.
من يرغبون فى التعمير كثيرون.. ومن يريدون الاستثمار والعمل فى الصعيد كثيرون أيضًا.. ومن يجيدون فنون تطفيشهم من أعضاء جمعية تعطيل المستقبل كثيرون أيضًا للأسف.. ولهم الغلبة.