عبدالناصر وإفريقيا
ونحن نقترب من الذكرى السبعين لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، تلح على ذهنى عدة مواضيع مهمة ترتبط بهذا الحدث المهم فى تاريخنا، سواء اتفقنا أو اختلفنا حوله، من هذه النقاط المهمة العلاقة مع إفريقيا. ومن البداية أوضح عبدالناصر مبكرًا فى كتابه «فلسفة الثورة» أهمية ما أطلق عليه البُعد الإفريقى فى السياسة الخارجية المصرية، ضمن نظرية الأبعاد الثلاثة: البُعد العربى، ويليه البُعد الإفريقى، ثم البُعد الإسلامى.
وفى الحقيقة لم يكن عبدالناصر هو أول من أشار إلى أهمية البُعد الإفريقى فى سياسة مصر الخارجية، لكن يُحسب له تفهمه هذا البُعد، ووضعه كأسبقية فى مجالات السياسة الخارجية فى لحظة فارقة فى تاريخ إفريقيا، هى لحظة حركة التحرر الإفريقى ضد الاستعمار، إذ إن ارتباط مصر بإفريقيا هو فى حقيقة الأمر ارتباط وثيق تدعمه معطيات الجغرافيا ووقائع التاريخ.
هل نبدأ بنهر النيل ومحاولات ملوك مصر القديمة الوصول إلى منابع النيل، وامتداد الحضارة الفرعونية إلى النوبة، أم نتذكر ما يعرف فى التاريخ القديم برحلات بلاد بونت؟
وفى التاريخ هل ننسى ضم محمد على السودان ومصر وبداية مشروع وحدة وادى النيل؟، وهل نتذكر عصر الخديو إسماعيل وحروب الجيش المصرى فى إفريقيا لتأمين منابع النيل؟
على الجانب الدينى هل نسينا أن المسيحية دخلت إلى إفريقيا عن طريق مصر، وأن البابا القبطى هو أيضًا بطريرك إفريقيا، وكانت كنيسة إثيوبيا تابعة لمصر؟.. هل نتذكر دور الأزهر الشريف فى دعم الإسلام واللغة العربية فى إفريقيا، وكيف احتضن الأزهر، ضمن أروقته، أروقة لأبناء إفريقيا؟
تذكرت كل ذلك كخلفية تاريخية وأنا أُطالِع الكتاب المهم «عبدالناصر والثورة الإفريقية» لمؤلفه الأستاذ محمد فايق، وهو مَن هو، أحد صناع السياسة الإفريقية فى عصر عبدالناصر، وأحد كبار مؤسسى حركة حقوق الإنسان فى مصر الآن. وفى هذا الكتاب يوضح فايق اللحظة التاريخية المهمة التى أدركها ناصر: «أن مصر المستقلة لا تستطيع أن تعيش وحدها، وآمن بأن الثورة المصرية جزء لا يتجزأ من ثورة التحرر الوطنى.. فالتحم بحركة التحرر الوطنى الإفريقى». ويوضح فايق أن الدور المصرى فى إفريقيا كان يخدم أيضًا الأبعاد الثلاثة للسياسة الناصرية: البُعد العربى، عرب إفريقيا، والبُعد الإسلامى، مسلمى إفريقيا، والبُعد الإفريقى فى النظرة إلى إفريقيا بشكل عام. لذلك حُفِر اسم مصر وناصر فى الذاكرة الإفريقية.
الغريب أن مبارك تخلى بسهولة عن هذا الدور التاريخى! ويُرجع البعض ذلك إلى عدم قبول مبارك فكرة الزعامة بشكل عام، وعدم رغبته فى دفع كُلفتها، وطبيعة «الموظف» فى أدائه. ويرى البعض أن مبارك تنازل عن هذا الدور التاريخى لصالح القذافى، خاصةً بعد محاولة اغتيال مبارك الفاشلة فى إثيوبيا.
على أى حال ترتب على كل ذلك تراجع الدور المصرى فى إفريقيا، هذا الدور الذى تحاول مصر الآن استعادته من جديد.