سامح شكرى: سياستنا الخارجية مستقلة.. والدبلوماسية «درع وسيف» لمصر
نشرت وزارة الخارجية نص التقديم الذي كتبه وزير الخارجية سامح شكري، إلى مجلة «الدبلوماسي» بمناسبة مئوية الوزارة.
وكتب وزير الخارجية تقديمًا بعنوان «مسيرة الدبلوماسية المصرية بين قرن مضى وآخر آت في ظل الجمهورية الجديدة»، تحدث فيه عن الجهود والدور الذي تضطلع به الوزارة منذ نشأتها وحتى الآن.
وننشر نص تقديم وزير الخارجية إلى مجلة الدبلوماسي احتفالًا بمرور مائة عام على تأسيسها.
الدبلوماسية ومصلحة مصر العليا
«إن المتأمل في صفحات تاريخ مصر الحديث يدرك أن يوم 15 مارس 1922 يعد مناسبة عزيزة في تاريخ مصر ونفوس المصريين، ففي مثل هذا اليوم من كل عام تحتفل مصر بيوم صدور إعلان استقلالها، وتمكنها من إعادة وزارة الخارجية بعد أن توقفت عن العمل إثر إعلان الحماية البريطانية على مصر عام 1914.
وخلال قرن مضى منذ ذلك اليوم، شهدت مصر أحداثًا جسامًا، برهنت فيها الدبلوماسية المصرية على أنها درعٌ للوطن في الخارج، وسيفٌ له متى اقتضت الحاجة؛ لم تدع في ذلك بابًا وراءه مصلحة عليا لمصر إلا وطرقته بإصرار، متشبثة بثوابت تحركاتها الخارجية ومبادئها الوطنية.
كانت وزارة الخارجية، خلال تلك العقود، مؤسسة وطنية لها تقاليدها الراسخة التي لا تضع سوى مصالح الوطن ورعاية أبنائه في الخارج نصب الأعين؛ وتوالت عليها كوادر رفيعة من شيوخ الدبلوماسيين الأجلاء وشبابهم الواعد، عاهدوا الله والوطن ألا يبخلوا بجهد أو أن يضنوا بعرق لتحقيق تلك الغاية، بل إن من أبناء تلك المؤسسة من قدَّم روحه فداءً في ميدان العمل الخارجي، نحتسبهم عند الله سبحانه من الشهداء.
حقوق مصر.. ومساندة شعوب المنطقة
وأود هنا أن أشير إلى أن أحد أهم مرتكزات دبلوماسية مصر أن لها سياسة خارجية مستقلة تستند إلى مبادئ وأسس واضحة تهدف من خلالها إلى الدفاع عن حقوق وشعب مصر الكريم، وتساند بعزم صادق لا يلين الحقوق المشروعة لشعوب منطقتها العربية والإفريقية بل والإنسانية جمعاء؛ وذلك استنادًا إلى ما تتمتع به القاهرة من رصيد ضخم من المصداقية الدولية، ووفاءً للثقة التي أولتها إياها شعوب حاضنتها العربية والإفريقية والإسلامية، واضطلاعًا بدور قدر لها أن تضطلع به منذ أن بزغ فجر الحضارة الإنسانية.
وخلال مسيرة عمل الدبلوماسية المصرية، كانت الدائرة العربية أحد أهم محاور سياستها الخارجية، إذ حملت مصر على عاتقها لواء العروبة وكانت منبرها الصادح بحقوقها المسلوبة، ودافعت عن قضاياها بتفانٍ كامل.
ولا تزال القاهرة تضطلع بذات الدور في هذا المسار، مدافعة عن حقوق شعوبنا العربية، واستقلالية قرارها السياسي وسلامة أراضيها، وتعلي في الوقت نفسه من أهمية العمل العربي المشترك باعتباره قوام الحماية الرئيسة لعالمنا العربي.
ويستدعيني هنا ما ذكره المفكر جمال حمدان في توصيف علاقة مصر بدائرتها العربية في رائعته "شخصية مصر"، إذ يقول: "إن مصر مركز الثقل الطاغي وقطب القوة في العالم العربي (…) مصر أكثر من عضو ضخم في الجسم العربي، إنها رأسٌ، ورأسٌ مُوحٍ مؤثر، ثم هي جهاز عصبي مركزي فعال".
العلاقات العربية والإفريقية والدولية
كما شمل نطاق دوائر اهتمام الدبلوماسية المصرية القارة الإفريقية باعتبارها عمقًا استراتيجيًا آخر لمصر، وتجلى ذلك الاهتمام في مساندة حق الشعوب الإفريقية في نيل الاستقلال.
كما كثفت مصر دائمًا من جهودها في تعزيز علاقاتها الخارجية مع دول القارة وحملت نبراس التنمية لأشقائنا فيها عبر مجموعة مستمرة وممتدة من المشروعات التنموية التي تحتاج إليها دولنا الإفريقية، وحقها في التنمية المُستدامة.
وإذا كانت الدائرتان العربية والإفريقية مثلتا دوائر اهتمام رئيسة في مجال الدبلوماسية المصرية، إلا أن ذلك اقترن بدبلوماسية واعية استشرفت أهمية تنويع محاور التحركات الخارجية آسيويًا وأوروبيًا وأمريكيًا، وتوظيف هذه المحاور لخدمة مصالحنا القومية، والمُساهمة بفاعلية في بناء جسور السلام وتدعيم ركائز الأمن والاستقرار لمصر ودول المجتمع الدولي.
ولم تغفل الدبلوماسية المصرية كذلك خلال مسيرتها المضيئة عن الانخراط الجاد والتفاعل النشط مع مختلف أطر العمل الدبلوماسي متعدد الأطراف، إقليميًا ودوليًا، فكان التحرك المنظم برؤية عملية وعلمية في كافة منصات الدبلوماسية متعددة الأطراف حفاظًا على مصالح مصر الاستراتيجية والدفاع عن ثوابت مصر الوطنية وتعزيز أطر التعاون الدولي؛ فكان لمصر صوت مسموع ودور ملموس إزاء مختلف الملفات والقضايا متعددة الأطراف على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والبيئية، التقليدية منها والمستحدثة.
استضافة مصر COP 27
وتأكيدًا على ما تنطوي عليه رؤية الدبلوماسية المصرية من وجوب مواكبة متغيرات العصر، ومعالجة ما يشهده المجتمع الدولي من تحديات راهنة، فقد نجحت مصر في الحصول على الدعم الدولي لاستضافة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ COP 27، أكبر محفل دولي معني بقضية المناخ، وتأثيراتها الشديدة على كافة البلدان، وبالأخص الدول النامية والإفريقية غير المتسببة فيها.
ومن اللافت أن نحتفل بمئوية الدبلوماسية المصرية في ذات العام الذي تنظم فيه مصر هذا الحدث العالمي.
إن الدبلوماسية المصرية وما عرف عنها من عراقة وشمولية وحرفية أولت أيضًا اهتمامًا خاصًا بالعمل القنصلي من منطلق الحرص على رعاية أبناء مصر الكرام في الخارج، والذين سيظلون دائمًا محور اهتمام القيادة السياسية وجهاز تمثيلها الخارجي.
اهتمام مصر بأبنائها في الخارج
لقد برهنت الظروف الاستثنائية التي شهدتها بعض الدول في السنوات الأخيرة أن مصر لم تغفل يومًا عن أبنائها المقيمين فيها، وكانت حاضرة متى اقتضت حاجاتهم.
بل وامتد الأمر لنطاق أوسع وأشمل بأن دعت مصر أبناءها للاستفادة من النماذج المصرية النابغة في المجالات المختلفة، والتي تزخر بها جامعات العالم ومراكز الفكر والأبحاث، وكانوا دائمًا أبناءً أبرارًا لم يدخروا جهدًا أو وسعًا لدعم مصر ومساندتها.
إن الحديث عن مئوية وزارة الخارجية لا يستوفي حقه دون الحديث عن دبلوماسيي مصر، لما لهم من باعٍ طويل فكرًا وعلمًا في مجالات العمل الدبلوماسي على تنوعه، فهم كوادر منتقاة من أبناء مصر وفق معايير موضوعية خالصة لا تُعلي إلا الكفاءة الرفيعة.
لقد نجحت وزارة الخارجية على مدار السنوات الماضية أن تنمي باستمرار قدرات كوادرها الدبلوماسية، وضمان سلاسة انتقال الخبرات من جيل الشيوخ إلى جيل الشباب وفق نظام محكم دقيق يحرص على التجديد المستمر للدماء السارية في عروق الوزارة.
شهداء الدبلوماسية المصرية
ولم تكتفِ بهذا القدر من نقل الخبرات، حيث سعت إلى إتاحة الفرص التدريبية في الداخل والخارج، من أجل مواكبة التطورات الدولية المتلاحقة، والتفاعلات بالغة التعقيد التي بات يتسم بها المشهد الدولي أكثر من ذي قبل.
تحية تقدير وعرفان لشهداء الدبلوماسية المصرية الذين ضحوا بأرواحهم وهم في خدمة بلدهم الأم.. تحية تقدير وامتنان لدبلوماسيي مصر الأجلاء والأوفياء في عيدهم المائة، الذين يواصلون سطر صفحاتِ التاريخ بجهودهم وعملهم لرعاية مصالح الوطن وأبنائه في الخارج، استشرافًا لمستقبل واعد ومشرق يضيف إلى مكتسبات مصر، ويدعم من مكانتها ودورها وفق رؤية طموح لقيادة سياسية رشيدة وواعية تُعلي من مكانة مصر التي ستظل دائمًا مكانة رفيعة محل اهتمام وتقدير من المجتمع الدولي».