في ذكرى ميلاده.. «النسوة الإنجيليات» شكلن حياة «ماركيز» المبكرة
جابرييل جارثيا ماركيز، أو "جابو" كما اعتاد أصدقائه مناداته، والذي تحل اليوم الذكري الخامسة والتسعين علي مولده، حيث ولد في مثل هذا اليوم من العام 1927، في بلدة "أركاتاكا" في كولومبيا.
ويعد ماركيز رائد رواية الواقعية السحرية، كتب وألف العشرات من الروايات، من بينها: مائة عام من العزلة، الحب في زمن الكوليرا، وقائع موت معلن، ليس للكولونيل من يراسله، ذكري عاهراتي الحزينات، خريف البطريرك وغيرها. وفاز بجائزة نوبل للآداب عام 1982 عن مجمل أعماله الروائية والقصصية.
وفي كتابه "ماركيز.. لن أموت أبدا"، للكاتب الكولومبي كونرادو زولواجا، والصادر في نسخته العربية عن دار العربي للنشر والتوزيع، بترجمة سمير بشير محفوظ. يشير الكتاب إلي طفولة "ماركيز" المبكرة، حيث نشأ في بيت جده لأن أباه "جابرييل إيليخو" ركض وراء أحلامه فاستقال من وظيفته كعامل تلغراف، وقرر أن يستقر في مدينة "بارانكيا" بوصفه صيدليا خبيرا في تحضير الأدوية المنزلية. أصر الجدان أن يظل "جابرييل" معهما في أمان في منزلهما في "أركاتاكا".
"النسوة الإنجيليات" في حياةماركيز
كان من ضمن الذين نشأ ماركيز وسطهم أيضا مجموعة من "النسوة الإنجيليات" ــ كما وصفهن ماركيز ــ وكن مسئولات عن المطبخ، ويصنعن له الحلوى علي شكل الحيوانات، ويدرن كافة شئون المنزل، بما في ذلك ميزانية البيت، هذا لأن الكولونيل أحب واهتم بأشياء أخرى عادية أكثر من اهتمامه بالشئون المالية، خصوصا بعد أن ظل لأعوام عدة منغمسا في المناصب العسكرية المختلفة التي شغلها ولم تنجح في تحقيق سوي جزء صغير من أحلام عائلته.
كتب "ماركيز" في مذكراته المعنونة بــ “عشت لأروي”: “أؤمن أن الفضل في طريقتي في التفكير يعود إلي النسوة في عائلتي، وكل الذين عملوا في خدمتنا وأثروا في طفولتي. فجميعهن تمتعن بشخصيات قوية وقلوب رحيمة، وعاملوني بتلقائية جعلتني أشعر وكأن الجنة قد وجدت علي الأرض”.
ويلفت كونرادو زولواجا إلي أنه: "كانت النساء اللاتي تعاملن معه ذوات تأثير كبير فيه منذ أيام طفولته، كما كن مسئولات عن العديد من أقوي اعتقاداته، مثل أن النساء هن اللاتي يحافظن على تماسك العالم بقبضتهن الحديدية. كن كثيرات فهناك مثلا "لوسيا"، وهي الأولى التي أرته منطقتها الحميمية، وتأثر للغاية بذلك، لكنه مع ذلك لم ينتبه سوى لطيات الجلد المتدلية من بطنها.
ويتذكر "تشون"، الهندية والتي أصبحت الخالة الراعية له والتي صاحبت والدته على الدوام وهي تشتري احتيجاتها من بلدة "بايندوبار" أو "ريوهاتشا"، و "ماتيلدا أرمنتا"، التي وقف في ركن الحجرة شبه المظلم يشاهدها وهي تلد وكأنه صياد، يتذكر "ترينيداد" كذلك ابنة أحد العاملين بالمنزل، والتي اصطحبته ذات مرة إلي حفل راقص، وضمته إليها بقوة لدرجة أنه شعر وكأنه سيختنق: “لا أعلم ما الذي حدث لها، ولكنني حتي اليوم، استيقظ في منتصف الليل وأنا مضطرب وهائج، كأنني أستطيع أن ألمس كل جزء منها في الظلام وأستطيع أن أشم رائحة جسدها التي تشبه رائحة الحيوانات”.
ويتابع كونرادو زولواجا حديثه عن النساء اللاتي أثرن في تنشئة "ماركيز" المبكرة: "إلبيرا كاتينو"، أو العمة "با"، الأخت التوأم للعم "إستيبان"، كانت رقيقة للغاية في رعايتها للصغار، ولكن الجميع كانوا يتجاهلونها، و"فرانسيسكا سيمودوسيا" الخالة ماما بنت عم جدي، والتي لم تكن مع رجل قط أو بدت وكأنها تمتلك قلبا تعذب بالحب خذلانه. كانت تحمل معها مفاتيح المقبرة، وتهتم بكل ما يتعلق بالموت والوفيات. لدرجة أنها خاطت كفنها بنفسها وماتت عندما أرادت أن تفعل، وبعد أن ملأت بيانات شهادة الوفاة الخاصة بها والأوراق المطلوبة للجنازة.
ويشدد "زولواجا" علي: نساء والمزيد من النساء، حممنه معهن، واعتقدن أنه لا يفهم ما يتحدثن عنه من أمور النساء في أثناء فرك جسده بالصابون، لكنه كان يفهم كل شيئ. كن كذلك يغسلن له أسنانه، وينتظر بفارغ الصبر أن ينتهين، وتمني لو لديه طاقم أسنان مثل الذي تمتلكه جدته "مينا"، لكي يتركه لهن ليغسلنه ويخرج للعب في الشارع مع أصدقائه وفمه خال تماما من الأسنان. كانت جدته "مينا" تعتقد أن حفيدها سيصبح عرافا، وظن جده أنه سيصبح رساما شهيرا. كان جده هو سنده في الحياة.
ويقول عنه "ماركيز" في مذكراته "عشت لأروي": "كان مصدر الأمان الشامل في حياتي. اختفت شكوكي حيال كل شئ وأنا معه، أعطاني وجوده شعورا بأن قدمي قويتان، وتقفان بثبات وأنني أستطيع مواجهة الحياة الحقيقية دون خوف."