«أسرار الملوك والملكات».. قصة «الملكة حرنيت» حلقة الوصل في مصر القديمة
في كتابه الصادر حديثًا عن دار دوِّن للنشر والتوزيع تحت عنوان "أسرار الملوك والملكات في مصر القديمة"، يذكر الدكتور حسين عبد البصير العديد من الخفايا حول الملوك والملكات.
وعن الملكة "حرنيت" يقول حسين عبد البصير:" في حوالي عام 1900 ميلادية، قام عالم الآثار البريطاني الأشهر وأبو عِلم المصريات الحديث السير وليام ماثيو فلندرز بتري بفحص مقبرة زوجها، أغلب الظن، الملك چر، ذلك الملك الذي حكم مصر بعد الملك حورعحا في عصر الأسرة الأولى. وتُعتبَر مقبرة الملك چر المقبرة الأكبر في منطقة أبيدوس (العرابة المدفونة في محافظة سوهاج الحالية).
ويضيف:"واكتشف العالم وليام ماثيو فلندرز بتري ذراعًا بشريًّا ملفوفًا باللفائف الكتانية ومزيَّنًا بأربع أساور من الذهب والتركواز والجمشت واللازورد وذات خرزات ذهبية عديدة. ويُعَدّ هذا الذراع البشري من أقدم الأشياء المحنَّطة في مصر القديمة، وبعد دراسة تلك القطع الأثرية اتضح أنه قد أخفى أحد اللصوص في العصور القديمة هذا الذراع وراء سلم المقبرة، فأنقذ تلك الكنوز الجميلة من السرقة التي حدثت للكثير من محتويات تلك المقبرة الملكية الكبيرة. وقادت قطع الحلي تلك العالم وليام ماثيو فلندرز بتري إلى الافتراض أن هذا الذراع يخص إحدى زوجات الملك چر، وليس الملك چر نفسه، غير أنه من غير المؤكد إثبات صحة نظرية العالم بتري تلك.
ويكمل:" وعندما وصلت تلك الأساور الثمينة إلى المتحف المصري بالقاهرة الذي كان تحت الإدارة الأجنبية آنذاك، ومن أجل عرض الأساور فقط، للأسف قام أمين المتحف الأجنبي إميل بروجش بالتخلص من الذراع البشري واللفائف الكتانية ورميها وعدم عرضها أو دراستها أو حتى حفظها للأجيال القادمة، وركز على الأساور التي أصبحت من أهم قطع الحلي المعروضة بالمتحف.
وعلى الرغم من أن مقبرة الملك چر قد احتوت على بقايا جسد لامرأة غير معروفة - وكانت من بينها جمجمة تلك السيدة التي ماتت في سن صغيرة، وربما كانت من الحريم الملكي الخاص بالملك چر - فإنها لم تكن لزوجته الملكة المعروفة حرنيت التي من المرجَّح أنها دُفنت في مقبرة أخرى بعيدة عن زوجها الملك مثلها في ذلك مثل كل الملكات زوجات ملوك عصر الأسرات المبكرة.
ويتابع:" وتم اكتشاف مقبرة الملكة حرنيت في شمال مصر، وتحديدًا في منطقة سقارة الشمالية في محافظة الجيزة. وهي مقبرة كبيرة الحجم، وتقع في جبانة استخدمها النبلاء الذين كانوا يعملون في عاصمة البلاد التي كانت تسمى بـ «إنب حدج» أي «الجدار الأبيض» (والتي أُطلق عليها اسم «منف» أو «ممفيس» في اللغات الأوروبية بعد ذلك).
جدير بالذِّكر أنه يُطلق على مقابر سقارة اسم «مصطبة»، وهو اسم أطلقَه عمال الحفائر المصريون الذين كانوا يعملون مع علماء الآثار الأجانب؛ وذلك لأنها تشبه المصاطب الموجودة أمام بيوتهم في الريف المصري، خصوصًا في ريف الجيزة القريب من منطقة سقارة الأثرية.
وكانت هذه المقابر أو المصاطب مليئة بكل أنواع القرابين والأطعمة التي كان يحتاج إليها المتوفى كي يستخدمها في العالم الآخر.
وأدت ضخامة مقابر سقارة من ذلك العصر إلى الاعتقاد بأن هذه المقابر تخص ملوك عصر الأسرتين الأولى والثانية، غير أن الحقيقة الأثرية تشير إلى أن كل ملوك الأسرة الأولى وبعض ملوك الأسرة الثانية كانوا قد دُفنوا في جبَّانة أم الجعاب في منطقة أبيدوس في محافظة سوهاج في صعيد مصر الذي جاء منه أولئك الملوك الأوائل المؤسسون للدولة المصرية العريقة.
ويستطرد:" ونُقش اسم الملك چر على بعض الأواني في مقبرة زوجته الملكة حرنيت، وكذلك تم العثور على بعض الآثار التي تحمل اسم خليفته، الملك دن، ابنه من الملكة حرنيت، والملك قاعا، آخر ملك من ملوك الأسرة الأولى.
ويكمل:" ويتضح من شكل مقبرة الملكة حرنيت من الخارج أنها عبارة عن مصطبة كبيرة من الطوب اللبن، غير أنه كان يوجد تل من الطمي يشبه الهرم وسط بناء المقبرة العلوي المستطيل الشكل. وتم تبطين المقبرة من الخارج بالطوب اللبن أيضًا.
وتعد المقابر على شكل تلال إبداعًا قادمًا من الجنوب، بينما كان شكل المقابر على هيئة مصاطب اختراعًا شماليًّا بحتًا، فهل جمعت الملكة حرنيت في مقبرتها بين هذين الأسلوبين المعماريين كي تؤكد بشكل رسمي على العلاقة الوطيدة بين شمال مصر وجنوبها؟ أم أن اختيارها جاء بناءً على التطوُّر السريع للعمارة الجنائزية في ذلك العصر الذي ساهم في الوصول إلى فكرة بناء الأهرامات بعد ذلك؟ وأعني بذلك عصر الأسرة الثالثة عندما تم بناء الهرم المدرج في سقارة في عهد الملك زوسر.
ويختتم حسين عبد البصير:" تبقى الملكة حرنيت ملكة مُهِمَّة وحلقة وصل في سلسلة ملوك متتابعين في عصر مبكر كان يتم فيه إرساء دعائم وأُسس الدولة المصرية بمنتهى القوة حين كان العالم في ظلمات المجهول بينما مصر تُبدع وتصوغ فجر الضمير للعالم كله وللإنسانية جمعاء".