«مهمة صعبة».. هل تتوسط إسرائيل بين روسيا وأوكرانيا؟
حاولت إسرائيل منذ بداية الأزمة الأوكرانية أن تتخذ موقفًا محايدًا، لكن مع تطور الأوضاع والتصعيد الغربى ضد موسكو اضطرت تل أبيب أن تعلن عن موقفها، الذى جاء متوافقًا مع حلفائها فى الولايات المتحدة وأوروبا، وسط تزايد المخاوف من غضبة روسية تؤثر على التوازنات الداخلية فى إسرائيل نفسها، فضلًا عن اضطراب التوازن فى الميدان السورى.
وفى ظل تلك الظروف، جاء طلب الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، ذى الأصول اليهودية، قيام إسرائيل بدور الوساطة بين كييف وموسكو لوقف إطلاق النار ليثير القلق والتردد فى تل أبيب، مع تباين المواقف فى القيادة الإسرائيلية، خشية إغضاب الروس أو الأمريكيين وحتى الأوكرانيين أنفسهم، مع غياب أدوات الضغط القادرة على إنجاح الوساطة على أى من الأطراف، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
تقسيم أدوار بين بينيت ولابيد لعدم إغضاب أى من الأطراف
خلال الأيام الماضية، أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن الرئيس الأوكرانى طلب من رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالى بينيت، خلال مكالمة هاتفية، التوسّط لدى روسيا، للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار.
وجاء هذا الطلب، ليجدد ما دأب عليه «زيلينسكى»، منذ أشهر، فى طلب الوساطة الإسرائيلية لدى موسكو، فى عهد رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق، بنيامين نتنياهو، الذى تواصل مع روسيا مرتين فى هذا الصدد دون جدوى، وكذلك تجدد الطلب الأوكرانى أثناء زيارة الرئيس الإسرائيلى، يتسحاق هرتسوغ، إلى كييف فى أكتوبر الماضى.
ووفقًا لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن «بينيت» سأل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، عندما التقيا فى أكتوبر الماضى، عن إمكانية التوسط الإسرائيلى فى الأزمة مع أوكرانيا، وهو ما رفضه «بوتين» حينها، واصفًا «زيلينسكى» بـ«النازى»، وفقًا لما نقلته الصحيفة.
وحسب التقارير الإعلامية الإسرائيلية، فقد كررت كييف طلبها من «بينيت» مرتين على الأقل، آخرها الأسبوع الماضى، وهو ما نوقش فعلًا أثناء المكالمة الهاتفية التى جمعت بين «بينيت» و«بوتين»، واستمرت لمدة ٤٠ دقيقة.
ونقلت الصحف الإسرائيلية عن مسئولين رفيعى المستوى قولهم إن بعض المسئولين الإسرائيليين، بمن فيهم «بينيت»، التقوا نظراءهم من الروس والأوكران والأمريكان، الأحد الماضى، بالتزامن مع بدء المفاوضات الروسية الأوكرانية على حدود بيلاروسيا.
ورغم أن يفجينى كورنيتشوك، السفير الأوكرانى فى تل أبيب، تحدث عن كون إسرائيل واحدة من أبرز الوسطاء المحتملين بين كييف وموسكو، فإن مايكل برودسكى، السفير الإسرائيلى فى أوكرانيا، قال إن تل أبيب لن تكون قادرة على التوسط بين روسيا وأوكرانيا فى هذا الوقت، وإنه لا توجد فرصة سانحة لإجراء محادثات بين الطرفين بوساطة إسرائيلية فى الوقت الحالى.
وفى الوقت الذى يتحدث فيه البعض عن أهمية الوساطة، فإن الحكومة فى تل أبيب تحاول أن تبقى تدخلها فى الأزمة عند أدنى حد ممكن، بحسب مصدر إسرائيلى مطلع، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلى قد واجه انتقادات، فى الأيام الأخيرة، لعدم إدانته الهجوم الروسى، والتعبير فقط عن دعمه شعب أوكرانيا، فيما وجه وزير الخارجية، يائير لابيد، انتقادات شديدة اللهجة ضد روسيا.
وقال بعض المصادر الدبلوماسية إن تصريحات كبار المسئولين الإسرائيليين قد تم تنسيقها، بحيث يكون «لابيد» الأكثر تشددًا ضد روسيا، من أجل الحفاظ على مصالح تل أبيب مع واشنطن، فيما يركز «بينيت» على المساعدات المدنية للشعب الأوكرانى، حفاظًا على المصالح مع روسيا، مع إعلان موقفه بأنه «نحن نتصرف باعتدال ومسئولية».
فيما قال جارى كورن، نائب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية للشئون الأوروبية– الآسيوية، إن إسرائيل لا تطلق تصريحات متشددة ضد روسيا، لأنها تريد أن تبقى لنفسها إمكانية للتواصل مع المستويات العليا فى الدولتين.
وأوضح، فى مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية «كان»، أن تل أبيب على اتصال بجميع أطراف الصراع، خاصة أنها تضم مئات الآلاف من المهاجرين من روسيا وأوكرانيا، كما أن الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى يهودى، وحفيد أحد الناجين من المحرقة النازية.
تفضيل البقاء بعيدًا خشية اختلال التوازن داخل الأراضى السورية
رغم تكرار الطلب الأوكرانى للوساطة الإسرائيلية، ومقترحات أن يقود أحد مسئولى إسرائيل، ومن بينهم رئيس الوزراء السابق «نتنياهو» تلك الجهود، فى ظل علاقته القوية بالرئيس الروسى «بوتين»، فإن معظم الأصوات فى إسرائيل يدعو للتفكير كثيرًا قبل الإقدام على هذا الأمر.
والسبب فى ذلك الموقف داخل إسرائيل ليس مجهولًا، إذ تخشى تل أبيب من الاشتباك مع موسكو، التى تملك نفوذًا عسكريًا على سوريا، خاصة فى ظل التنسيق الروسى الإسرائيلى المهم بالنسبة للأخيرة فيما يخص عملياتها ضد المواقع الإيرانية فى سوريا.
ويرى كثير من الساسة والمحللين فى تل أبيب أن إسرائيل عليها أن تفكر مليًا فيما إذا كان هذا أمرًا تريد الدخول فيه حقًا، حتى لو كان لدور الوسيط بريقه، خصوصًا أنه قد يمنح صاحبه جائزة نوبل للسلام حال نجاحه، وهو أمر مشكوك فيه كثيرًا فى ظل طبيعة هذه الأزمة.
وقال جيرالد شتاينبرج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بار إيلان العبرية، لصحيفة «إسرائيل اليوم»، إنه نادرًا ما ينجح الوسطاء فى حل الأزمة، مضيفًا: «فى معظم الحالات يكون الأمر أكثر مسرحية، حيث تحاول أطراف النزاع فقط استخدام عملية الوساطة للحصول على مكاسب».
وأوضح أنه، وقبل محاولة القيام بدور الوسيط فى الحرب الروسية الأوكرانية، من الأفضل لإسرائيل أن تنظر فى احتمالات نجاح دول صغيرة فى حل الأزمات الكبيرة، ضاربًا المثل بدولة النرويج، ومحاولتها فى العقد الأول من هذا القرن التوسط فى الحرب الأهلية فى سريلانكا، وهو ما فشل وأدى لتحميل النرويج المسئولية وإلقاء اللوم عليها وقت اشتداد المذبحة.
وأضاف: «فى المفاوضات عليك أن تكون حذرًا، فهناك حاجة إلى الانتظار حتى النقطة التى يتم فيها إنهاك الجانبين مما يجعلهما يبحثان عن طرف ثالث للوساطة، وهذه الحالة تسمى النضج للمحادثات»، منوهًا إلى أنه، وبعد أسبوع من العملية الروسية فى أوكرانيا، لم يصل أى من الجانبين إلى تلك النقطة.
وتابع: «حتى عندما يصل الطرفان إلى هذه النقطة، فإن الوسيط الخارجى عادة ما يضطر إلى طرح شىء ما على الطاولة، سواء كانت ضمانات أمنية أو القدرة على إفادة أى من الجانبين للوفاء بجانبهما من الاتفاقية، وإسرائيل ليست لديها تلك القدرات».
وأكمل: «أولئك الذين يتحدثون عن قيام إسرائيل بدور الوسيط يشيرون إلى العلاقات الطيبة التى تتمتع بها إسرائيل مع كل من موسكو وكييف، لكنهم يخلطون بين الوساطة الشخصية أو التجارية وبين المفاوضات الدبلوماسية».
وقال: «لعب الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر هذا الدور فى كامب ديفيد، فى المفاوضات بين مصر وإسرائيل عام ١٩٧٨، لكن إسرائيل لم تقترب شيئًا من امتلاك الثقل والقوة اللذين كانت تتمتع بهما الولايات المتحدة فى ذلك الوقت».
وأضاف: «علاوة على ذلك، قامت إسرائيل، خلال الشهر الماضى، بدراسة كيفية الاستجابة للأزمة بعناية، وأرادت أن تظل بعيدة عن الأنظار قدر الإمكان بسبب القيم والمصالح المتضاربة، لذا فإن مصالح إسرائيل تحتم عليها البقاء بعيدًا، حتى لا تعرض التوازن الدقيق القائم مع روسيا فى سوريا، الذى يمكّن إسرائيل من التصرف كما تشاء فوق الأجواء السورية للخطر، دون الدخول فى صراع مع القوات الروسية فى المنطقة.
وأكد، فى الوقت نفسه، أنه ينبغى على إسرائيل أن تكون جزءًا من أسرة العالم، من الدول الديمقراطية الليبرالية الرافضة لما اسماه «الغزو الروسى».
وأشار إلى أن هناك دولًا أخرى تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من موسكو وكييف يمكنها أن تلعب دور الوسيط، وبالفعل أبدت استعدادًا لذلك، ومن بينها أذربيجان والهند والإمارات العربية المتحدة وتركيا، منوهًا إلى أن أيًا منها، وحتى الآن، لم تتخذ خطوات جدية فى ذلك، كما أن دولًا أخرى، مثل سويسرا والنرويج، تتنافس مع بعضها على دور الوسيط العالمى، لكنها حتى الآن لم تظهر فى المشهد السياسى كوسطاء.