«العنف الأسري».. حكايات تكشف اضطرار زوجات للاستمرار في علاقات سامة (ملف)
منذ خمسة أيام دخلت والدة م.ع إلى العناية المركزة وبينما هي منهارة لتدهور حالة والدتها الصحية، وهي آخر ما تبقى لها في الدنيا بعد وفاة الأب وسفر الإخوة، عادت إلى المنزل لتجد زوجها يستقبلها بالسباب والضرب والقذف لها ولوالدتها المريضة التي هي الآن بين الحياة والموت، وكان ذلك كله لمجرد أنها تعيش حالة من الحزن والخوف لمرض والدتها لا أكثر.
تقول م.ع، إنها كانت في حاجة إلى الدعم النفسي، بسبب حالة والدتها الصحية، لكنها لم تجد إجابة على حالتها السيئة تلك إلا الضرب المبرح الذي وصل إلى محاولة خنقها، قبل أن تفلت من بين أيديه وتجري بسرعة نحو باب المنزل للاستنجاد بجارتها، وبعدما شعرت بالأمان في منزل الجارة، هددته بتقديم بلاغ ضده إذا ما توقف عن سبها ومحاولات ضربها، فما كان منه إلا أن أرسل إلى أخيه المحامي لتهديدها بسحب حضانة الأطفال منها إذا ما قامت بالشكوى أو اللجوء للقضاء.
"أنا عايز أطلق خلاص مبقتش مستحملة".. تقول إن هذه الكلمات كانت تدور في ذهنها في هذه الليلة المشئومة، وعقدت العزم على الطلاق بعدما تتعافى والدتها من الأزمة الصحية التي ألمت بها، لكن، وفي صباح اليوم التالي، توفيت الأم التي كانت بمثابتة السند والأمان لها، ولم تعد تدري كيف يمكن أن تقدم على تجربة الطلاق، التي تواجه فيها الزوج، وأخيه المحامي، المجتمع، بعد أن أصبحت وحيدة في الدنيا ومن غير ظهر يحميها.
السيدة "م.ع"، ليست أولى الزوجات التي تعرضت للإهانة على يد الزوج، ومضطرة للاستمرار، ولعل آخرهم هي عروس الإسماعيلية التي تعرضت للضرب المبرح على يد زوجها، أمام الجميع ولم يحاول أحد إنقاذها لمجرد أنه زوجها، ولم يحاول أي من أفراد أسرتها إنقاذها بل دفعوها إلى الاستمرار في هذه الحياة دون وجود ضمانة لعدم تكرار هذه المحاولة مرة أخرى، بل وفي ظل إصرار الزوج على الاعتراف بهذا التصرف معتبرًا أنه شيء عادي.
وفي محاولة لطلب النجدة، تعرضت و.م، إلى الاعتداء عليها من قبل الزوج بالضرب وعرض حملها الأول للخطر، ولكنها لا تستطيع الثأر منه لأنه وبحسب قولها لا يترك أي أثر على جسدها في كل مرة يقوم بالضرب فيها لكي لا تجد دليلًا تشكوه به، ويتهمها بالجنون كلما حاولت الشكوى لأي من أفراد أسرتها أو أسرته، وتؤكد أنه يتفنن في عدم إظهار عملية الضرب عليها، ويمعن في إيذائها لفظيًا ونفسيًا وجسديًا.
أصيب السيدة بنوع من أنواع الصداع المزمن جراء قيامه المستمر بشد شعرها، خاصة في المرات التي يكون فيها تحت تأثير المخدرات، وترغب في طلب الطلاق منه، ولكنها لا تدري كيف يمكن أن تحصل على حقوقها بالإشارة إلى ضربها لها من غير وجود علامات شديدة، خاصة وأنها الآن في مواجهة الأمر وحدها لوفاة الأب والأم، هذه الوفاة التي تدفعه إلى مزيد من العنف من غير شفقة بها ولا رحمة.
أما السيدة الثالثة فهي س.ع، التي تزوجت لمجرد أنه نجل لصديق أبيها، وفي كل مرة كانت تشعر بعدم الارتياح للاستمرار في هذه العلاقة، لم تجد مساندة من الأهل الذين دفعوها دفعًا إلى الاستمرار في هذه العلاقة السامة بكل مراحلها، غير أن ما اكتشفته بعد الزواج كان أكبر من تحملها كإنسانة.
"فيه كل عيوب الدنيا اللي تتخيلوها أو متتخيلوهاش". تقول س.ع، إنها تعيش حياة قاسية مع زوج، مدمن للمخدرات، وبخيل، وخائن، سواء كانت هذه الخيانة بالزواج العرفي أو عن طريق علاقات غير شرعية، وكلما اتجهت للشكوى أوقع الحق عليها في كل التصرفات المنافية للفطرة التي يقوم بها.
تقول إنها في كل مرة تلجأ فيها لوالدها من أجل إنقاذها هي وأطفالها الأثنين، فهي تخشى أن يقلتهم أو يتسبب لهم في مكروه في إحدى نوبات السكر التي يتعرض لها بشكل يومي، لكن ما من الأب إلا أن يعيدها إلى منزل الزوجية، مؤكدة لها أنه يمكن أن يساعدها في مصروفات المنزل والأولاد ولكن هذا مشروطًا باستمرارها في هذه العلاقة السامة، وإلا فلن يدفع لها شيء إذا ما تقدمت لطلب الطلاق بعيدًا عن الأسرة، رغم تأكيدها لهم أنه ألقى إليها يمين الطلاق أكثر من ثلاث مرات متفرقة، وإنها شرعًا أصبحت محرمة عليه، لكن الأب أكد لها أنه طالما أنه ينكر ذلك فإثمه على نفسه ولا إثم عليها.
آراء خبراء النفس والأسرة حول العنف الزوجي وما يترتب عليه:
يقول الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية، إن الألم النفسي الذي تخلفه هذه التصرفات العنيفة لا يمكن أن يمحيه الزمن طالما أن السيدة لا تزال في هذه العلاقة السامة، ذلك لأن الإنسان دائمًا في حاجة إلى التعامل بآدمية، وفي حين يحدث العكس، وبعدما يشعر الإنسان بالإهانة والاستغلال فإنه يدخل في نوبات اكتئاب أو أي نوع آخر من المرض النفسي.
وأوضح، استشاري الصحة النفسية، في تصريح خاص لـ"الدستور"، أن أسوأ شيء يمكن أن يتعرض له الإنسان في حياته هو الاضطرار إلى التواجد في هذا النوع من العلاقات التي تتسم بالعنف والقسوة، وهناك بالفعل حالات كثيرة من السيدات التي تتضطر للتواجد في مثل هذه العلاقات سواء لعدم القدرة على توفير نفقات المعيشة بعد الطلاق أو لعدم مساندة الأهل، أو الخوف من المجتمع، وفي هذه الحالة يتضاعف إحساسها بالألم النفسي.
نصيحة الفرصة الثانية
وأضاف أنه لا يحاول اللجوء إلى الطلاق كحل سهل، وغالبًا ما ينصح الأزواج بمحاولة الحصول على فرصة آخرى، والتفكير في الأمر بشكل جيد لكي لا يتعرض للندم، وهو ما يفعله في كثير من الحالات رغم أنهم تكون لديهم نية مسبقة في الانفصال، ولكن في الحالات التي يكون بطلها العنف المستمر، فقرار الانفصال هو الحل، ذلك لأن وجود شيء من الحب لابد وأن ينتهي من الاستمرار في هذا المسلسل من الإهانات، لأن جميع العلاجات سواء المعنوية أو العقاقير لا تأتي بنتيجة طالما أنها لم تنتهي من مصدر هذه الإهانات.
لا بديل لعنف الزوج
ومن جانبها قالت هدير يوسف، استشاري الصحة النفسية للأسرة والطفل، إن المشكلات الأسرية وخصوصًا الخلافات بين الأب والأم بتأثر تأثير مباشر على الأطفال وتعتبر بيئة خصبة لنمو الاضطرابات النفسية، والسلوكية لدى الأطفال، ولذلك لابد من محاولة تجنيب الأطفال المشاكل الأسرية قدر الإمكان، فهناك ضرورة من حماية الأطفال حتى من الأهل ذاتهم، فالخلافات الأسرية تخلق نوع من أنواع القلق لدى الأطفال، ويدعى قلق الإتصال، وتجعل الطفل خائف طوال الوقت ولا يشعر بالأمان، والاستقرار النفسي داخل الأسرة.
تأثير الخلافات الزوجية على الأطفال
وتؤكد استشاري الصحة النفسية، أن الذكريات السلبية التي تخلفها هذه الإهانات والخلافات في الأسرة، تؤثر على الطفل ويظل يتذكرها لفترة طويلة من عمره ولا يتمكن من التخلص منها بسهولة، وتجعله عادة مضطرب، كما يمكن أن تحوله إلى شخص عدواني تجاه المجتمع، سواء كان الأطفال في نفس سنه أو صغر.
وأضافت أن عدد كبير من السيدات لا يكون لديها البدائل التي تدفعها إلى الانفصال عن هذه العلاقة، سواء كان السبب لعدم اكتمال تعليمها أو لعدم وجود مكان مناسب يمكن أن تسقل فيه بالأطفال أو حتى تتركهم فيه لفترة مؤقتة إذا ما توافر العمل، وهذه النماذج منتشرة بشكل كبيرة خاصة في المحافظات البعيدة عن القاهرة سواء كانت في الصعيد أو القرى، كما أنها لا تتمكن من الانفصال أو الاستقلال بسبب العادات والتقاليد في مثل هذه المناطق، بالإضافة إلى وجود سيدات استسلمت لهذا الوضع ولا تستطيع الابتعاد عنه.
وتنصح استشاري الصحة النفسية السيدات، بضرورة التحلي بالقوة، ولديها القدرة على إرسائل رسائل للشريك بقدرتها على التخلي بسهولة عن هذه العلاقة، ولكن ما يدفعها للاستمرار هو اعتبارات كثيرة لها علاقة بالحب، والرغبة في استمرار هذه العلاقة وليس لمجرد أنها في حاجة إلى المادة أو لا تملك سبيل آخر، ذلك لأن هناك نوع من أنواع الرجال يستقوى على المرأة طالما نما إلى عمله أنها ضعيفة، أو على الأقل تحاول الانفصال عنه نفسيًا وتتعامل كما لو كان غير موجود، من أجل توفير بيئة أمنة نفسيًا لها وللأطفال وهذا أضعف الإيمان إذا لم تجد القدرة على الانفصال.