الحرب فى أوكرانيا: ما مدى تأثير العقوبات الغربية على روسيا؟
اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلالية جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك عن أوكرانيا من جانب واحد، كان الشرارة الأولى التي دفعت الولايات المتحدة والغرب إلى الإعلان عن حزمة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا.
مع شن الهجوم الروسي المتواصل على أوكرانيا منذ فجر الخميس، قرر البيت الأبيض مع حلفائه الأوروبيين توسيع عقوباته لتشمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف.
فهل العقوبات الغربية ستكون موجعة لروسيا؟.. وما تأثيرها على أوروبا؟
العقوبات الغربية على روسيا
الغزو الروسي أدى إلى تعاون متعدد الأطراف من دول "تمثل أكثر من نصف الاقتصاد العالمي"، حيث وافق الاتحاد الأوروبي وأستراليا وكندا واليابان ونيوزيلندا والمملكة المتحدة بالفعل على فرض عقوبات مماثلة، وفقًا للبيت الأبيض، وقال بايدن: "سنحد من قدرة روسيا على القيام بأعمال تجارية بالدولار واليورو والجنيه والين".
وتشمل العقوبات الغربية فرض عقوبات ومنع سفر وتجميدًا لأرصدة المزيد من البنوك ورجال الأعمال الروس ومسئولين كبار في قائمة تضم الرئيس بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف.
كما أضاف البيت الأبيض أكثر من 10 أشخاص وكيانات إلى قائمة النخب الروسية (وأفراد عائلاتهم) التي فرضتها الولايات المتحدة، وهذا يعني أن أي أصول يمتلكها هؤلاء الأفراد في الولايات المتحدة سوف يتم تجميدها.
تأتي العقوبات المباشرة على كبار القادة السياسيين في روسيا أيضًا بعد أن وافق الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات "ضخمة" على روسيا، بما في ذلك على قطاعات المال والطاقة والنقل، بالإضافة إلى ضوابط التصدير وسياسات التأشيرات.
كما تستهدف الولايات المتحدة قطع العلاقات مع أكبر 10 مؤسسات مالية في روسيا، مما يقطع فعليًا أي تدفق للأموال بين السوق الأمريكية والمؤسسات التي تمثل ما يقرب من 80٪ من الأصول في القطاع المصرفي الروسي.
تقع أبرز القيود على أكبر بنك في روسيا، Sberbank، و25 من الشركات التابعة له، وكلها تمثل أكثر من ثلث الأصول المالية لروسيا.
في الوقت الذي توقف بايدن عن تنفيذ حظر لما يسمى بتحويلات SWIFT من روسيا، موضحًا أن "العقوبات التي اقترحناها على جميع البنوك [الروسية] لها نفس العواقب- وربما نتائج أكبر- من نظام سويفت، وأضاف أن استبعاد روسيا من نظام SWIFT هو خيار متاح دائمًا.
تستهدف الولايات المتحدة على وجه التحديد الوسائل الروسية لتطوير جيشها، وقال البيت الأبيض إن منع القوات المسلحة في البلاد من استيراد وتمويل معين سيحبط طموحات بوتين الاستراتيجية، في الوقت الذي تقوم فيه إدارة بوتين باستيراد مواد تكنولوجية أمريكية، بالإضافة إلى المنتجات المصنوعة في دول أخرى تستخدم في تطوير المعدات العسكرية، فيما يريد البيت الأبيض توجيه ضربة لروسيا من خلال الحد من وصولها إلى تلك المواد، فمنع روسيا من التكنولوجيا الفائقة (غير العسكرية) له تداعيات واسعة النطاق، فقد يؤثر ذلك على الاقتصاد الروسي بأكمله، بما في ذلك صناعة الدفاع، وفي النهاية يعيق نموه على المدى الطويل، قال بايدن: "نقدر أننا سنقطع أكثر من نصف واردات روسيا عالية التقنية".
كيف ترى أوكرانيا العقوبات؟
الإجراءات التي تستهدف صادرات النفط والغاز، والتي وفرت 36٪ من الميزانية الوطنية لروسيا العام الماضي، لا تزال غائبة بشكل واضح عن المناقشة العامة.
بعض الأوكرانيين كما يبدو ليسوا سعداء. وقال النائب الأوكراني أوليكسي جونشارنكو، في مقطع فيديو نُشر على "تويتر" يوم الخميس: "نحتاج إلى عقوبات حقيقية، وليس فقط بعض المشاكل لأصدقاء بوتين"، متابعًا: "نحن بحاجة إلى فرض حظر على الغاز والنفط الروسي لأن كل برميل نفط روسي وكل متر مكعب من الغاز الروسي مليء الآن بدماء الأوكرانيين".
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إن الكتلة ستستهدف قطاع الطاقة الروسي من خلال حظر تصدير يمنع الشركات الأوروبية من إرسال التكنولوجيا إلى روسيا التي تحتاجها لتحديث مصافيها.
تأثير عقوبات "الطاقة" على أوروبا؟
سيكون الحظر الغربي على الطاقة مؤلمًا لبوتين، لكنه لم يشعر بآثارها الكاملة لعدة سنوات، بينما على على المدى القصير- وهو ما يهم أثناء الغزو- سيكون لدى أوروبا وبقية العالم الكثير لتخسره.
في المتوسط، يعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا للحصول على 35٪ من غازه الطبيعي، على الرغم من أن بعض الدول تعتمد عليها أكثر من غيرها.
وأدت التوترات بشأن أوكرانيا إلى تفاقم أزمة أسعار الوقود الأوروبية التي بدأت العام الماضي بسبب خروج العالم من الوباء. في الوقت الحالي في أوروبا، تكلف ميجاواط ساعة من الغاز الطبيعي ما يقرب من عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل عام.
وستؤدي العقوبات المفروضة على الطاقة الروسية إلى ارتفاع الأسعار عالميًا، وقد كان للمخاوف من إمكانية فرضها تأثير بالفعل: فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي يوم الخميس الماضي بنسبة 51٪ في أوروبا، وضرب النفط الخام- الذي تعد روسيا ثاني أكبر مصدر له في العالم- أعلى مستوى في سبع سنوات عند 105 دولارات للبرميل.
تأثير العقوبات على موسكو
يعد غزو أوكرانيا نقطة تحول لصادرات روسيا من النفط والغاز، يقول مسئولو الاتحاد الأوروبي إنهم سيكشفون النقاب عن استراتيجية لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية في أسرع وقت ممكن.
ولكن السؤال الأهم، هل سيجبر حظر الطاقة روسيا على التراجع عن غزو أوكرانيا؟، يقول المراقبون إن الإجابة هي "لا"، بسبب الوقت الذي سيستغرقه الاقتصاد الروسي حتى يشعر بالآثار.
تمتلك أوروبا نفوذاً في قطاع الطاقة الروسي، حيث تشتري أكثر من 70٪ من الغاز الطبيعي للبلاد، وسيكون للحظر الذي تفرضه الكتلة تأثير "خطير للغاية" على شركات الطاقة الحكومية الروسية في غضون عدة سنوات، كما تقول ماريا باستوخوفا، الخبيرة في الجغرافيا السياسية للطاقة في برلين.
لكنها تقول إن منع روسيا من بيع نفطها وغازها لأوروبا "لن يترجم على الفور إلى ضرر ملموس للكرملين"، وذلك لأن روسيا قامت بتكوين احتياطيات أجنبية عالية على الإطلاق بقيمة 630 مليار دولار، ويرجع الفضل في ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية على مدار العام الماضي حيث خرج العالم من عمليات الإغلاق بسبب وباء كورونا، فالاحتياطيات النقدية ستحمي روسيا من الكثير من العواقب الاقتصادية التي يحاول الغرب إلحاقها في الأشهر القليلة المقبلة، لكنها ستكون فعالة على المدى البعيد.