«على حد السكين».. كيف تتعامل إسرائيل مع الحرب فى أوكرانيا؟
إثر إعلان الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، اعترافه باستقلال جمهوريتى «دونيتسك ولوجانسك» من جانب واحد، ثم غزو أوكرانيا، الذى ترتب عليه قرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فرض عقوبات على روسيا، تواجه إسرائيل حاليًا أزمة كبيرة بسبب علاقتها بجميع الأطراف، الأمر الذى يجعل من الصعب على تل أبيب البقاء على موقفها المحايد، الذى استمرت عليه منذ بداية الاضطرابات بين روسيا وأوكرانيا منذ عام ٢٠١٤.
وبعد الغزو الروسى لأوكرانيا، أصبح من الصعب على تل أبيب أن تحافظ على موقفها المحايد فى ظل علاقتها المتميزة بالولايات المتحدة، وتفاهماتها مع روسيا فى الميدان السورى، بالإضافة إلى رغبتها فى دعم أوكرانيا ورئيسها اليهودى، وهو ما يجعل الدبلوماسية الإسرائيلية تسير على حد السكين فى التعامل مع هذه الأزمة، وهو ما نرصده فى السطور التالية.
موقف محايد قبل بدء الغزو الروسى.. وتركيز على محادثات الاتفاق النووى مع إيران
فى الصحف الغربية، تم وصف الحرب الروسية- الأوكرانية قبل اندلاعها بأنها ستكون أكبر حرب فى أوروبا منذ عام ١٩٤٥، وذلك حسب تعبير رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، فى مقابلته مع قناة «بى بى سى»، على هامش مؤتمر «ميونخ» للأمن، الذى انعقد الأسبوع الماضى.
وقال «جونسون»: «إذا شن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين غزوًا على أوكرانيا فإن المملكة المتحدة والولايات المتحدة ستفرضان عقوبات شديدة على روسيا».
وفى المؤتمر نفسه، قالت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكى: «يمكننى أن أقول بيقين مطلق إنه إذا غزت روسيا أوكرانيا فإن الولايات المتحدة، جنبًا إلى جنب مع حلفائنا وشركائنا، ستفرض عقوبات اقتصادية كبيرة وغير مسبوقة عليها». وبعد أيام قليلة من هذه التصريحات، اتخذ الرئيس الروسى قرار غزو أوكرانيا، بعد إعلانه الاعتراف باستقلال جمهوريتى «دونيتسك ولوجانسك» من جانب واحد، وهى الخطوة التى دفعت الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى فرض ٤ حزم من العقوبات، بالتنسيق مع حلفاء وأصدقاء أمريكا فى العالم.
وشدد الرئيس الأمريكى على أن ما قامت به روسيا يعد «انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولى»، ويستلزم ردًا قويًا من جانب المجتمع الدولى، موضحًا أن العقوبات ستشمل مصرفين روسيين ومسئولين بارزين، بالإضافة إلى إجراءات لقطع أجزاء من الاقتصاد الروسى عن النظام المالى العالمى.
وفى مواجهة ذلك، حاولت إسرائيل اتخاذ موقف محايد نسبيًا منذ بداية الأزمة، وخصص بينى جانتس، وزير الدفاع الإسرائيلى، فى خطاب ألقاه أمام مؤتمر ميونخ للأمن، ٦٥ كلمة عن الأزمة الأوكرانية، وهو خطاب من نحو ٩٥٠ كلمة تناول فيه بشكل أساسى الملف الإيرانى.
وقال «جانتس»: «الآن، بينما تتجمع غيوم الحرب فوقنا، تقع على عاتق قادة العالم مسئولية نشر الهدوء، وتعزيز الخطاب، والتمسك بالمبادئ التى ستحافظ على السلام والأمن العالميين، وينبغى أن يكون هذا هو النهج تجاه الصراع فى أوكرانيا، وأدعو جميع الأطراف، حتى لو كنا فى الدقائق الأخيرة، إلى بذل كل شىء لمنع إراقة الدماء»، فى محاولة لاستخدام الدبلوماسية الهادئة حيال الأزمة فى أوكرانيا. فيما تحدث نفتالى بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلى، عن الأزمة بشأن أوكرانيا، خلال افتتاح الاجتماع الأسبوعى للحكومة الإسرائيلية، وكان حديثه حول دعوة المواطنين الإسرائيليين إلى الخروج من أوكرانيا فى أقرب وقت ممكن، دون التطرق إلى تفاصيل الأزمة أو الموقف الإسرائيلى منها.
فيما قال أفيجدور ليبرمان، وزير المالية ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، عن الأزمة، فى مقابلة إذاعية: «أعتقد أن هذا ليس من شأننا، دعونا لا نبالغ فى أهميتنا الذاتية، إن أذكى شىء يمكننا القيام به هو إبقاء الأضواء منخفضة قدر الإمكان، وما يجب أن يثير اهتمامنا ليس أوكرانيا، بل المحادثات النووية فى فيينا، فهذا أكثر إثارة للقلق».
مخاوف من تأثير بيان الإدانة على التفاهمات مع الروس بسوريا
بعد الغزو الروسى لأوكرانيا، بدأت الحكومة فى تل أبيب تتخذ موقفًا أكثر وضوحًا من الأزمة، وأجرى رئيس الوزراء الإسرائيلى تقييمًا للأوضاع، فى ظل التصعيد، واستعرض خلال جلسة حكومية كل تداعيات الأزمة من النواحى المختلفة، السياسية والاقتصادية والأمنية.
واتفقت الحكومة الإسرائيلية، بحضور مسئولى الجيش والأمن القومى، على توجهاتها حيال الأزمة الأوكرانية، ودعت إلى مواصلة الجهود الرامية إلى إجلاء الإسرائيليين من المنطقة الملتهبة، مع دعم الجالية اليهودية فى أوكرانيا، والاستعداد لاستيعاب المهاجرين منها، وتقديم المساعدات الإنسانية لهم إذا لزم الأمر.
وعلق وزير الخارجية الإسرائيلى على الأزمة بقوله: «الهجوم الروسى على أوكرانيا انتهاك خطير للنظام الدولى، وإسرائيل تدين الهجوم، وهى مستعدة لتقديم المساعدة الإنسانية لمواطنى أوكرانيا».
ورغم تلك الإدانة، حاولت إسرائيل اتباع خط متوازن من الأزمة، وحتى بعد الغزو لم تتعهد بالانضمام إلى الغرب فى عقوباته ضد روسيا، لأنها تشعر بالقلق من تعقيد علاقتها الحساسة مع موسكو، ولا تزيد من حدة الحرب الكلامية، وتأمل أن تفهم الولايات المتحدة موقفها.
وحتى الآن أظهرت الولايات المتحدة تفهمها للوضع الإسرائيلى، ولم تكن هناك دعوات عامة من واشنطن لإسرائيل للانحياز إلى جانبها فى هذا الصراع بشكل كبير، خاصة أن روسيا لاعب رئيسى فى منطقة الشرق الأوسط، خاصة فى سوريا، لذا تحتاج إسرائيل إلى التحرك بحذر إذا أرادت الاستمرار فى التمتع بحرية العمل التى تتمتع بها حاليًا فى ضرب المواقع الإيرانية فى سوريا، لأن آخر ما تريده هو اصطدام الطائرات الروسية مع طائراتها فى الأجواء السورية، أو تأثر التنسيق بينهما فى الميدان السورى.
وفى هذا الإطار، يترقب الإسرائيليون دعوة الولايات المتحدة حلفاءها للانضمام إلى العقوبات الاقتصادية المقترحة وغير المسبوقة ضد روسيا، لأنه إذا حدث ذلك فسيؤدى إلى تعقيد كبير فى علاقة إسرائيل بروسيا، لأنه قد يؤدى إلى إنهاء التنسيق الأمنى بين موسكو وتل أبيب فى سوريا، وهو ما يخالف الصيغة المتفق عليها منذ عام ٢٠١٥.
وهذا التعقيد قد يدفع إسرائيل، خلال الأيام المقبلة، إلى تذكير الولايات المتحدة بموقفها الحساس تجاه روسيا، والتأكد من أن واشنطن لن تضغط عليها للانضمام إلى العقوبات.
تعقيدات للحفاظ على علاقة جيدة مع كييف ودعم الرئيس اليهودى
ما يزيد الموقف الإسرائيلى تعقيدًا تجاه الحرب الدائرة هو أنها تحاول المناورة لتحقيق التوازن، ليس فى علاقتها بالولايات المتحدة وروسيا فقط، ولكن أيضًا فى علاقتها بأوكرانيا.
وتحظى أوكرانيا بأهمية خاصة فى تل أبيب، نظرًا لكون كثير من الإسرائيليين من أصول أوكرانية، كما أن الرئيس الأوكرانى، فولوديمير زيلينسكى، يهودى، هذا بالإضافة إلى كون أوكرانيا دولة مهمة فى أوروبا الشرقية وتحظى حاليًا بدعم المعسكر الغربى، الداعم لإسرائيل نفسها، ومن أجل ذلك فإن لإسرائيل دائمًا علاقات جيدة مع أوكرانيا، وشبكة علاقات نوعية معقدة، حتى قبل أن يتولى «زيلينسكى»، منصبه.
وفى أثناء أزمة ضم الروس شبه جزيرة القرم الأوكرانية فى عام ٢٠١٤، كانت المخاوف فى إسرائيل مشابهة لمخاوفها اليوم، لكن فى حينه تباهى بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة حينذاك، بـ«العلاقات الخاصة مع الصديق بوتين»، ورغم ذلك، وبعدها بعامين، عند التصويت فى الأمم المتحدة على الإدانة الدولية لضم شبه جزيرة القرم، وبعد نقاشات وترددات، قررت إسرائيل التغيب عن التصويت، وكانت النتيجة هى غضب الطرفين الروسى والأوكرانى، وإن تم الحفاظ على مستوى جيد من العلاقة مع الطرفين.
وبمرور الوقت، وهدوء الأجواء نسبيًا بين روسيا وأوكرانيا، نجحت إسرائيل فى دعم تلك العلاقة مع الطرفين؛ فمن جانبه، واصل أفيجدور ليبرمان، وزير المالية الحالى ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، وهو من أصل روسى، دعم العلاقات مع روسيا و«بوتين»، وفى المقابل نجح زئيف إلكين، وهو من أصل أوكرانى، وأحد أقطاب حزب «الليكود» سابقًا، فى بناء علاقة متطورة مع أوكرانيا ورئيسها «زيلينسكى»، والدائرة المقربة منه.
ولكن، ونظرًا لحساسية علاقة إسرائيل مع الروس، رفضت تل أبيب طلبًا أوكرانيًا فى الربيع الماضى لشراء منظومة بطاريات القبة الحديدية حتى لا تغضب موسكو، رغم أن الطلب الأوكرانى كان من الولايات المتحدة، لكن طبيعة إنتاج المنظومة الدفاعية المشترك بين واشنطن وتل أبيب تسمح للأخيرة بالتحفظ على نقل المنظومة إلى دولة ثالثة.
ونتيجة لكل ذلك، تتخوف إسرائيل الآن من اتخاذ مواقف أكثر جدية تجاه الحرب الدائرة، وتحاول السير على حد السكين بحثًا عن الخروج بموقف لا يجعلها تخسر أيًا من أطراف اللعبة.