جمال عبدالناصر: فلسفة الثورة «1-2»
هذا الكتاب من أهم المصادر عن تاريخ ٢٣ يوليو، لا أبالغ إذا قلت إنى قرأته العديد من المرات، كما استخدمته فى كثير من مقالاتى.. يطرح هذا الكتاب العديد من التساؤلات، ولكن السؤال الأول بالنسبة لى: مَنْ الذى سَطَر هذا الكتاب؟ من المعلوم أن الرؤساء فى كل زمان ومكان لا يكتبون بأنفسهم، ولكن هناك من يترجم أفكارهم إلى خُطَب وأحيانًا كتب، وبالمناسبة هذا لا يعيب الرئيس، أرجح الآراء أن كاتب «فلسفة الثورة» هو محمد حسنين هيكل، وإن كنت سمعت رواية أخرى أن كاتبها هو أحد أصدقاء ناصر فى شبابه، وهو النشار.. على أية حال يُتَرجِم كتاب «فلسفة الثورة» أفكار عبدالناصر، بل دعونى أقول يحدد مسار يوليو لسنوات طويلة.
يشرح ناصر لماذا دخل الجيش إلى ميدان السياسة اضطرارًا: «وجد جيشنا نفسه مضطرًا للعمل فى عاصمة الوطن وليس على حدوده.. كنا نشعر شعورًا يمتد إلى أعماق وجودنا بأن هذا الواجب واجبنا، وأننا إذا لم نقم به فإننا نكون قد تخلينا عن أمانة مقدسة نِيط بنا حملها».
ويوضح عبدالناصر بعد ذلك أسباب كفره بالسياسة، خاصة الصراع الحزبى، الذى رأى فيه الآفة الكبرى: «لو أن أحدًا سألنى فى تلك الأيام ما هى أعز أمانيك لقلت له على الفور أن أسمع مصريًا يقول كلمة إنصاف فى حق مصرى آخر، أن أرى مصريًا لا يكرس وقته لتسفيه آراء مصرى آخر».
من هنا يرسم عبدالناصر مسار يوليو فى السنوات التالية، ويحدد أن مهام الجيش كانت ليست فقط القيام بثورة واحدة، لكن ثورتين: ثورة سياسية وثورة اجتماعية. «إن الثورة السياسية تتطلب لنجاحها وحدة جميع عناصر الأمة وترابطها وتساندها ونكرانها لذاتها فى سبيل الوطن كله، والثورة الاجتماعية ومن أول مظاهرها تزلزل القيم، وتخلخل العقائد، وتصارع المواطنين مع أنفسهم أفرادًا وطبقات، وتحكم الفساد والشك والكراهية والأنانية».
ويرى عبدالناصر أن هذا الصراع بين الثورتين كان هو السبب الرئيسى وراء ضياع ثورة ١٩١٩ التى لم تستطع تحقيق نتائجها، نتيجة انشغالها سريعًا بالصراع الحزبى والصراع الاجتماعى.
لذلك يحدد ناصر مسار ٢٣ يوليو بأنها فى حاجة إلى «النظام والاتحاد والعمل»، وهى شعارات التنظيم السياسى ليوليو، بعد إلغاء الأحزاب، والأخذ بسياسة الحزب الواحد.
وبالقطع من أهم المآخذ على يوليو- وعلى عبدالناصر على وجه الخصوص- مسألة الحرية السياسية، والحزب الواحد وصولًا إلى تنظيم «الاتحاد الاشتراكى»، حتى إن البعض يرى أن سياسة «الصوت الواحد» كانت من أهم أسباب هزيمة يونيو ٦٧.
والحق أن عبدالناصر كان يتبع سياسة «الفترة الانتقالية» حتى تستقر أمور المجتمع، فيبدأ- من وجهة نظره- خطوات تحقيق المبدأ السادس من مبادئ الثورة «حياة ديمقراطية سليمة».. لكن المشكلة الكبرى أن «الفترة الانتقالية» قد طالت كثيرًا لأسباب متعددة، وجاءت هزيمة يونيو ٦٧، ثم الوفاة العجيبة لعبدالناصر وهو فى سن الثانية والخمسين، لتحرم عبدالناصر من تحقيق ذلك، ولتضيف المزيد من التعقيدات على المسألة الديمقراطية فى مصر.