مَنْ يقف وراء عودة التوتر فى حى «الشيخ جراح»؟
اشتعلت الأوضاع مجددًا فى حى «الشيخ جراح» بمدينة القدس المحتلة، بعدما هاجم مستوطنون متطرفون، السبت الماضى، منازل فى الحى وقذفوها بالحجارة، ما أدى لإصابة عدد من قاطنيها إلى جانب التسبب بخسائر مادية فى هذه المنازل.
وبين اتهامات متبادلة بالمسئولية عن ذلك التصعيد، وتورط أحد نواب «الكنيست» الإسرائيلى فى تأجيج الأوضاع، وانحياز الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين فى مواجهة المقدسيين المدافعين عن سكان الحى- يحذر الجميع من تكرار الأزمة التى اندلعت فى مايو الماضى وامتدت نارها من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، قبل أن تنجح الوساطة لمصرية فى إخمادها ومنع تطورها إلى حرب جديدة.
ما تفاصيل التوتر الجديد فى حى «الشيخ جراح» بالقدس المحتلة؟.. وما أهداف الداعين إلى هذا التصعيد الجديد؟.. وماذا عن موقف الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية منها؟.. أسئلة نحاول الإجابة عنها فى السطور التالية:
نائب يهودى متطرف أشعل المواجهة بين المستوطنين والعائلات العربية
بذور التوتر فى حى «الشيخ جراح» بمدينة القدس المحتلة تعود إلى رغبة إسرائيلية دائمة فى تغيير التركيبة السكانية للمدينة، عبر إخلاء منازل عشرات العائلات الفلسطينية فى القدس، بعد إنذار أهلها، الذين يقيمون فيها منذ عقود، بالإخلاء لصالح المستوطنين.
وتصاعد التوتر فى «الشيخ جراح» خلال الأشهر الأخيرة، ما أسفر، بالإضافة إلى أمور أخرى، عن جولة من القتال بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويتعلق التوتر عادة بـ١٣ عائلة مقدسية يتوقع إخلاؤها من الحى، ولا تزال ملفات الإخلاء عالقة فى المحكمة الإسرائيلية العليا، منذ التصعيد الأخير فى مايو الماضى.
وتحت مزاعم الاعتداء على إحدى العائلات اليهودية المقيمة فى حى «الشيخ جراح»، وهى عائلة «يوشبيب»، تسلل المستوطنون، مطلع الأسبوع الماضى، إلى المنطقة لحصار منزل عائلة «سالم» الفلسطينية المقيمة فى الحى، وبعض العائلات الأخرى، فيما سارع إيتمار بن غفير، عضو «الكنيست» رئيس حزب «القوة اليهودية»، إلى الحى لإقامة مكتب برلمانى فيه، ما ساعد على تأجيج الأوضاع.
فى أعقاب ذلك، حضرت قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية عملت على التفريق بين المستوطنين والشباب الفلسطينى من المدافعين عن المنازل العربية فى الحى، بعد مواجهات بين الطرفين، وسط انحياز واضح من الشرطة الإسرائيلية لصالح المستوطنين، ما أسفر عن إصابات بين الفلسطينيين.
وتسبب المكتب البرلمانى لعضو «الكنيست»، إيتمار بن غفير، الذى كان عبارة عن مظلة زرقاء وطاولة وكراسى بلاستيكية، فى تأجيج المشهد، خاصة بعدما أدلى بعدة تصريحات متطرفة أدت لتصاعد التوتر، بدءًا من تبادل الشتائم بين الجانبين، إلى رش المستوطنين رذاذ الفلفل وقذف الحجارة باتجاه الفلسطينيين، ما أسفر عن إصابة الفلسطينية فاطمة سالم، البالغة من العمر ٧٥ عامًا، وإصابة أحد أبنائها واعتقال الآخر.
مع تبادل قذف الحجارة واستمرار الاشتباكات، تدخلت الشرطة الإسرائيلية لتوقيف الفلسطينيين وملاحقتهم بتهمة إحداث أضرار بالسيارات اليهودية المتوقفة بالحى، والتعدى على رجال الشرطة.
وخلال المواجهات، سقط «بن غفير» على الأرض مغشيًا عليه، وسط اعتبار كثيرين أنه المسئول عن التصعيد هذه المرة عبر مكتبه البرلمانى المزعوم.
وسبق لـ«بن غفير»، فى مايو الماضى، إقامة «مكتبه البرلمانى» المثير للجدل فى نفس الموقع، وحينها نجح بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء السابق، فى التوصل إلى اتفاق معه، أسفر عن تفكيك «المكتب» مقابل زيادة عدد رجال الشرطة فى الحى.
وخلافًا لـ«نتنياهو»، لا يملك رئيس الوزراء الحالى، نفتالى بينيت، قوة ضغط كافية على «بن غفير»، الذى وصل إلى مقعده فى «الكنيست» بدعم من «نتنياهو»، بالإضافة إلى أنه رئيس لحزب متطرف، لا يجد مصلحة له فى تهدئة النفوس لصالح الحكومة الحالية.
ويرى المراقبون أن «بن غفير» ذهب لحى «الشيخ جراح» تحديدًا لإشعال الأجواء، مدعيًا أن حضوره بسبب حريق شب فى منزل عائلة يهودية بالحى، مع استهداف زيادة تواجد أفراد الشرطة فى المنطقة، والذين فى رأيه يظهرون إهمالًا فى السيطرة على الأوضاع، مهاجمًا بذلك عومير بارليف، وزير الأمن الداخلى فى حكومة «بينيت»، لأنه «ترك السكان لمصيرهم»، على حد قوله.
حكومة بينيت ترغب فى التهدئة.. ودعوات لـ«تصعيد المقاومة»
يتزامن التوتر فى حى «الشيخ جراح» بمدينة القدس المحتلة مع التصعيد فى الضفة الغربية، بسبب مقتل ٣ ناشطين فلسطينيين ينتمون لحركة «فتح» على أيدى وحدة حرس حدود إسرائيلية، بالإضافة إلى مقتل شاب فلسطينى، يبلغ من العمر ١٧ عامًا، بنيران الجنود الإسرائيليين، إثر مواجهات فى منطقة جنين.
وتعليقًا على تدهور الأوضاع وتصرفات عضو «الكنيست»، إيتمار بن غفير، قال نفتالى بينيت: «لسنا بحاجة إلى استفزازات تؤدى إلى إشعال المنطقة لأسباب سياسية فقط»، مضيفًا: «إحراق منازل لليهود أمر غير مقبول، وأؤكد لكم أنه منذ الآن سترفع الشرطة درجة حمايتها وتحرص على حماية كل مواطنى الدولة».
فيما قال يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلى: «بن غفير ليس هنا للدفاع عن السكان، هو هنا لإشعال الأرض كما فعل فى الماضى، وإذا كان هناك اختلاف فى الروايات بين الشرطة وبين بن غفير، فأنا لا أتردد فى تصديق رواية الشرطة، وأنا ضد كل من يأتى لإثارة الشغب والعنف، نحن ضد العنف، وليس سرًا أن حى الشيخ جراح هو مكان قابل للانفجار».
كما اتهم بينى جانتس، وزير الدفاع الإسرائيلى، «بن غفير» باستغلال الوضع سياسيًا، قائلًا: «أعضاء الكنيست الذين يحاولون استغلال الوضع سياسيًا، وبينهم عضو الكنيست بن غفير، يعملون ضد مصلحة إسرائيل الأمنية والسياسية والاجتماعية»، مضيفًا: «الأمر ليس لعبة، بل هو يتعلق بحياة الناس».
فيما دعت عدة مقالات رأى وتحليلات فى الصحف العبرية السياسيين الإسرائيليين إلى اتخاذ مواقف تساعد فى تهدئة الأوضاع، ودعا عاموس هارئيل، الكاتب والمحلل السياسى، إلى إخراج «بن غفير» و«مكتبه المرتجل الذى لا لزوم له» من حى «الشيخ جراح».
وشدد على أن «هذا سيكون العمل الإيجابى الأول فى الاتجاه الصحيح»، منبهًا إلى أن «قسمًا كبيرًا من اليمين الإسرائيلى فى المعارضة له مصلحة فى تأجيج الأوضاع فى القدس بشكل مستمر».
ومن الجانب الفلسطينى، حذر كثيرون من أن المسّ بالنساء وتعدى المستوطنين على السيدة «فاطمة سالم» هو شىء لا يمكن التهاون معه، فضلًا عن التهاون مع محاولات إجلاء الفلسطينيين من منازلهم.
وأدان الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن» ما حدث فى حى «الشيخ جراح»، وحذر من تداعيات ما يجرى فى القدس المحتلة من اعتداءات لقوات الاحتلال الإسرائيلى على المواطنين الفلسطينيين ومحاولة الاستيلاء على ممتلكاتهم.
ودعت اللجنة المركزية لحركة «فتح» إلى تصعيد المقاومة الشعبية والتصدى للمستوطنين، بعد اجتماع لمناقشة التطورات التى تشهدها الساحة الفلسطينية، وما آلت إليه الأوضاع مؤخرًا فى حى «الشيخ جراح» وكل مواقع المواجهة.
أما حركة «حماس» الفلسطينية، فنشرت بيانًا تهديديًا، وأطلقت طوال الأسبوع الماضى تصريحات عنيفة تجاه ما يحدث.
ورغم ذلك، يرى كثير من المراقبين أن «حماس» لن تسارع إلى التصعيد هذه المرة، رغم أن أحداثًا مشابهة كانت بداية لمواجهة عسكرية فى مايو الماضى، بعدما أطلقت الحركة صواريخها تضامنًا مع النضال الفلسطينى فى القدس المحتلة، وردت إسرائيل بعملية أسمتها «حارس الأسوار»، قبل أن تتدخل مصر للوساطة وقيادة جهود التهدئة بين الجانبين.
ويشير المراقبون إلى أن قطاع غزة لا يزال يتعافى من العدوان الإسرائيلى الأخير، فى مايو الماضى، خاصة بعدما سمحت الحكومة الإسرائيلية بدخول آلاف العمال من القطاع للعمل فى إسرائيل، مع تقديم تسهيلات اقتصادية، والسماح بدخول البضائع إلى غزة بسهولة نسبية، إلى جانب استمرار الجهود المصرية للتهدئة وإعادة الإعمار.