كلمة الرئيس فى «محيط واحد».. وقضايا البيئة
قديمًا قال بعض المتشددين في عوالم السياسة وفرض السيطرة والقوة: إن ما لم يحسمُه الفكر.. تحسمُه العضلات! والعضلات في عُرف هؤلاء؛ هو صوت أزيز الرصاص وهدير دانات المدافع؛ واندفاع أسراب البشر إلى الموت عبر اجتياز حدود البلاد وتخطي القوانين والأعراف والتقاليد الإنسانية، وفرض السيطرة والهيمنة الاستعمارية بالأساليب القديمة العقيمة، التي يبدو أنها أصبحت “موضة قديمة”، وأصبح لزامًا على القيادات الوطنية للشعوب المُحبة للأمن والسلام أن تبحث عن وسيلة مُثلى لتغذية شرايين الحياة بكل الدماء التي تجعل قلوبهم تنبض دومًا بأنغام موسيقى الحياة!
ولهذا.. جاءت مشاركة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة "محيط واحد" بمدينة بريست الفرنسية؛ لتعزز من دور مصر تجاه القضايا الدولية وفي إطار دور مصر الأصيل كرئيس قادم لمؤتمر الأمم المتحدة للتغيرات المناخية.. وكلمة فخامته في هذا الصددـ أظهرت اهتمام الدولة المصرية بقضايا البيئة بشكل عام والبحار والمحيطات بشكل خاص، لما تحظى به من موقع جغرافي مائز يطل على بحرين.
وربما للمرة الأولى ــ القراء الأعزاء ــ يجد كاتب المقال، والمتابع لسير الأحداث المتتابعة والمتسارعة داخل الوطن وخارجه مع تحركات الرئيس السيسي؛ أن قلمه لايستطيع أن يُبحر بعيدًا عن محتوى مضامين كلمة الرئيس؛ وبخاصة في هذا المجال الحيوي الذي يُعد جديدًا على ساحة السياسة العالمية ومستجداتها.
فقد استعرض الرئيس التجربة المصرية فيما يتعلق بـ"الطاقة المتجددة" وصولاً للطموحات المصرية في هذا المجال .. فتجيء كلمته في افتتاح المؤتمرــ والتي أرى أنه يجب أن تكون مادة دراسية في شتى المراحل التعليمية من الابتدائي إلى الجامعة ــ قاطعة معبِّرة وتسد الطريق على كل دعاة التسلط والقهر للشعوب حين يقول : "... إن البحار والمحيطات، تمثل نحو 70% من مساحة كوكبنا، وتربط بين شعوبنا وثقافاتنا، وتُسهم في حركة التجارة والملاحة الدولية فضًلا عن كونها مصدرًا مهمًا للغذاء والموارد الطبيعية ومحفزًا للنشاط الاقتصادي، ولازدهار مجتمعات ودول بأسرها ...".
و "... نحن نعى ذلك في مصر جيدًا؛ فلقد ساهم موقعنا على البحرين الأحمر والمتوسط، في نشأة حضارتنا الممتدة، وبناء تطورنا منذ فجر التاريخ فضًلا عن امتلاك مصر لقناة السويس، التي ساهمت ولا تزال، في دفع حركة التجارة الدولية، بوصفها أحد أهم الممرات الملاحية في العالم ... "؛ و"... مراعاة أهمية الحفاظ عليها ولتحول دون تعرض البحار للتلوث بشتى أنواعه، بما في ذلك التلوث بالنفايات البلاستيكية، الذي يمثل تحديًا حقيقيًا، خاصة أمام الدول النامية التي تسعى للحصول على الدعم والتكنولوجيا، اللازمين لتنفيذ استراتيجيات الحد من استخدام البلاستيك المُضر بالبيئة ..."، لذلك : "... تتخذ مصر كذلك خطوات حثيثة، للتحول إلى مركز للطاقة المتجددة، بما في ذلك التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر، بما يمثله من فرصة حقيقية، لخفض حجم انبعاثات قطاع النقل البحري، وسنعمل خلال الفترة المقبلة، على طرح أفكار ومبادرات للتشاور حولها مع شركاء التنمية، بهدف حشد المزيد من الدعم للجهود المصرية في هذا المجال المهم ...".
ويواصل الزعيم السيسي كلمته الرائعة التي تضع المعايير الواجب اتخاذها لاستكمال مسيرة التقدم والازدهار؛ ويقطع الطريق على كل محاولات القفز على الحقائق التي أصبحت من الثوابت في عالمنا الحالي والمستقبلي؛ فيقول : "... يظل تغير المناخ التحدي الأصعب الذي يواجهنا، بما له من آثار سلبية تطول شتى مناحي الحياة وليست البحار والمحيطات بمعزل عن تلك الآثار، حيث امتصت المحيطات ما يزيد على 90%، من الحرارة الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، بوتيرة متسارعة منذ سبعينيات القرن الماضي، ما ساهم في ارتفاع مستوى حمضيتها، وانخفاض نسبة الأكسجين بها، وتدهور الحياة البحرية فضًلا عن التهديد المستمر، الذى يمثله ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات، على المناطق الساحلية في العديد من دول العالم ...".
وأشار فخامته إلى أنه: لا تزال الجهود الدولية للتغلب على الآثار السلبية، لتغير المناخ على البحار والمحيطات، لا ترقى إلى المستوى المأمول ومن ثم فإن مصر، بصفتها الرئيس القادم، لمؤتمر أطراف إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، تدعو إلى تكثيف الجهود الدولية، الرامية إلى حماية بحارنا ومحيطاتنا من تلك الآثار، والحفاظ علــى اسـتدامتها وتنـوع الحياة البحريـة بها ...".
و "... تأكيدًا على مساهمتنا، في الجهد الدولي لحماية البحار والمحيطات يسرني أن أعلن عن انضمام مصر، إلى الإعلان المقرر صدوره عن قمتنا هذه، تحت عنوان، "حماية المحيط: وقت العمل" وكذلك إلى مبادرتي "التحالف العالمي للمحيطات"، و"التحالف عالي الطموح من أجل الطبيعة والبشر" ونتطلع إلى العمل في إطار تلك المبادرات المهمة مع كافة الأطراف، لضمان تحقيقهما للنتائج المرجوة ...".
واختتم الرئيس كلمته : "أثق أن قمتنا اليوم، ستخرج بنتائج إيجابية، تعكس التزام دولنا، بتحقيق أهداف "اتفاق باريس للمناخ"، وحماية البحار والمحيطات وأتطلع في هذا الصدد، إلى استقبالكم في "شرم الشيخ"، خلال القمة القادمة لتغير المناخ لنواصل معًا حديثنًا هذا، لصالح حماية الحياة على كوكبنا، لنا وللأجيال القادمة".
ولعلي في ختام محاولتي للإلمام بمعظم محتوى كلمة الرئيس السيسي، والربط المادي والمعنوي بين كلماته المعبِّرة وبين فكر المواطن في الشارع المصري والعربي؛ لاأجد سوى القول بأنه ــ كما يقول المثل العربي العبقري مع اختلاف الغرض والتوجه ــ : "قَطَعَت جَهِيزَةُ قَولَ كُلّ خَطِيبِ" والمراد من المثل، أنه يضرب لمن يقطع على الناس ما هم فيه من أفكار وتوجهات بعيدة عن الحقائق التي باتت واضحة في حياتنا وطقوس مناخنا، والعمل الدءوب على الأخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا المتقدمة؛ لبلوغ الرفاهية المطلوبة لحياة الأمم والشعوب .