انتهاك الأطفال
زوجتي منشغلة للغاية بمسألة الانتهاكات الجسدية التي يتعرض لها الأطفال، هي مهتمة بالموضوع أصلا، وتتابع جميع ما يعلن عنه في هذا الصدد، وربما لأن لدينا طفلتين، لم يدخلا المدارس بعد، فإنها تشعر بالرعب لو توقعتا تعرضهما إلى سوء من هذا النوع (لا قدر الله) مع دخول المدارس، بل لا تخفي قلقها عليهما في كل حين ومكان، ووسط جميع الناس مهما تكن درجة صداقتنا بهم وثقتنا فيهم!
يعزز قلقها ازدياد الحوادث بهذا الشأن، وبلوغ الأمر مبلغا فظيعا مستغربا للغاية، هو ضلوع الأقرباء في جرائم الانتهاك، ومن ضمنهم الآباء أنفسهم، الآباء المجانين طبعا، والأعمام والأخوال من الأوصياء على الصغار، وكثيرا ما تقول لي ذاهلة: العالم أصابه جنون أكيد!
أقدر قلقها طبعا وأشاركها إياه، غير أنني أحاول ألا أتركها لهواجسها فتصير حزينة ملتاعة من فرط الريب والشكوك، أحاورها في المسألة محاورة جادة تتسم باللطف، وأخفف عنها إحساسها بآلام اللواتي تعرض أطفالهن لانتهاكات ما، وآلام الأطفال المنتهكين أنفسهم، وغالبا ما أنهي الكلام بأن مجتمعنا يقظ، وأن المجرمين وشذاذ الآفاق مهما كثر عددهم فإنهم محدودون، وأن علينا أن نهتم بتربية أبنائنا، وأكبر الاهتمام، بمجرد شعورنا بإدراكهم لما نقول، أن نجعلهم يحترمون أجسادهم، ولا يدنون منها أحدا إلا في الضرورات القصوى، وبرقابة أمينة صارمة، وألا يخافوا من الحكي الصادق حول ما يجري لهم من الآخرين..
لقد انتشرت "البيدوفيليا" بين البالغين في هذه الفترة (الولع بالصغار)، ولانتشارها أسباب نفسية واجتماعية طبعا، وهو ما يجب أن يخضع لدراسات جادة في الإطارين النفسي والاجتماعي.. صحيح أن الانتشار ليس فادحا لكن يُخشى تفاقمه؛ فقصص الانتهاكات الجسدية للصغار صارت أساسية بالصحف والمواقع، وما من صباح تشرق فيه شمس إلا بين يديه واقعة جديدة مخجلة، ترهب الآمنين، وتسقط كثيرا من حائط الأمان الذي يتكئ عليه البشر في رحلة الحياة..
لا يتعرض الأطفال، في خلال هذه الاقترافات المشينة إلى الجنس العنيف وحده، جنس التحرش بالبراءة واغتصابها، لكنهم يتعرضون للقتل أيضا، ويتعرضون للتهديد بالقتل لو نجوا من القتل نفسه، وللإيذاء المعنوي البالغ الذي يمكن
استنتاجه بسهولة!
في المدارس، يجب أن تكون الرقابة حقيقية، والمهم ألا تفسد لهو الصغار وألا تعقد بساطتهم، كما أننا، من البداية، يجب أن نخضع المعلمين والعاملين بالمدارس لاختبارات علمية دقيقة منوعة، تشي بأهليتهم للتعامل السليم مع الصغار من عدمها، مع تحفيز الأخصائئين النفسيين والاجتماعيين إلى لعب دورهم المنوط بهم كاملا وصحيحا، وأما المباحث؛ فالمرجو أن يكون دورها سابقا، بوسائله النبيهة، فلقد دخل انتهاك الطفولة فعليا فيما يجب ملاحقة عناصره المنظمة أحيانا، ومعناه محو المستقبل نفسه بلا مبالغة..
إن صغارنا هم أجمل وأعز مرايانا؛ فحاشا أن نسمح بكسرهم أو حتى مسهم بتشويه ما!