السينما والمقاصد الشرعية
الحكم على السينما والفن والفنانين بالمقاصد الشرعية أمر غير مقبول وغير جائز فخلط الدين بالفن يفسد الاثنين
تماما كخلط الدين بالسياسة، والذي يفسد السياسة ويضر بالدين ودائماً ما يتصدى المتشدقين بالدين وبالفضيلة لذلك الخلط وعن عمد.. فالخلط غايتهم حتى خلط أحدهم الدين بالدواجن وروج لمنتجات لها علاقة بالدجاج في إعلان دعائي ليتربح من الدواجن كما تربح من الدين.. وهكذا تفسد الأشياء.
هواة الخلط دائما ما يشتتوا أفكارنا لخلط الحابل بالنابل فتضيع الحقائق وتتوه وسط اللغط والزحام فلا نلتفت للخطأ أو نميزه عن الصواب.. تلك هي الخدعة والالتفافة الكبرى والمنهاج الذي يتبعونه لذر الرماد في العيون كي لا نرى فنائب (الحزب الديني ) الذي تصدر للمشهد من جديد وهاجم الفن والسينما والفنانين وحكم عليهم بالمقاصد الشرعية.
بعد اللغط والجدل الذي أثير بعد عرض فيلم (أصحاب و لا أعز ) وكان فرصة مواتية له للظهور على السطح و اعتلاء المشهد من جديد بعد أن غابت عنهم الأضواء ولم يعد أحد يلتفت اليهم.. فصناع القرار الحقيقيون مشغولون بإنجازاتهم ومنجزاتهم على أرض الواقع لذلك التقط النائب من الفتات والتهافت الفارغ بذرة ورواها لتكبر ويكبر هو معها ويظهر من جديد بعد أن نام لسنوات في سبات عميق فاق منه ليحدث جلبة مفتعلة ارتدت وانفجرت في وجهه من وجهة نظري.
فلقد أعادنا نائب الحزب الديني لقضيتنا القديمة -والتي لم ننساها -فقط وإشفاقاً على أعضاء ذلك الحزب النائم في سباته منذ سنوات .. سبات يشبه سبات الموتى .. فالحزب الديني صار أقرب لكونه حزباً كاريكاتوريا أو كارتونياً - مع كامل الاعتذار لفن الكاريكاتير وفنون الكارتون - وكل أنواع الفنون.
موت من تبقى من الأحزاب الدينية اكلينيكياً جعلنا نشفق على حالهم ومحالهم فسكتنا عن مطالباتنا بحل ما تبقى منها.. فحل الأحزاب الدينية كان ومازال مطلباً مجتمعيا.. وبالفعل حلت العديد من الأحزاب ولم يبق سوا حزب وحيد أو حزبين على الاكثر وبفضل غباء النائب و حنينه للنور وان يطفو من جديد على السطح وعلى المشهد كالفراش الذي يطير صوب الأضواء فيحرقه النور.
أعاد لنا النائب مطالباتنا
وقد سبق و طالبت على صفحات جريدة الدستور الموقرة وموقعها الالكتروني بحل الاحزاب الدينية وإلغاء المادة التي تشدق بها النائب ليحكم على فيلم سينمائي وفق مقاصد الشريعة ويذكرنا بمادة الشريعة التي تتحدث عن دين الدولة وتعتبر الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع
وقد طالبت وطالب كثيرون بتعديل تلك المادة فالدولة كيان اعتباري لا دين له
الدين و المعتقد للافراد لا للكيانات الاعتبارية، والدولة أيضاً كيان رحب يسع الجميع وهي دولة مواطنة في المقام الاول وتقف على مسافة واحدة من الجميع وتساوي بين كافة مواطنيها في الحقوق والواجبات، وحرية الاعتقاد والاحتكام للشرائع التي اختاروها بحرية مطلقة دون ان نفرض عليهم شرائع بعينها او دين او معتقد بعينه، فشكراً جزيلاً للنائب الذي فاق من سباته، والقى قنبلة في وجوهنا و ذكرنا بالمادة التي يجب تعديلها بل و ذكرنا بضرورة السعي والمطالبة بحل حزبه الديني غير الدستوري ..فدستور البلاد يحظر قيام أحزاب على أساس ديني و لا يجيز الحكم على الفنون والفنانين بمقاصد الشريعة و لا يجيز خلط الدين بالفن ولا خلط الدين بالسياسة، ولا يبيح أيضاً إحداث البلبلة أو الفوضى أو الحض على الكراهية أو ازدراء الفنانين أو هجائهم أو النيل منهم او الطعن في سيرتهم او الخوض في أعراضهم أو حياتهم الشخصية أو استعداء بقية أفراد الشعب عليهم أو استعداء البرلمان عليهم والزج به لتوقيع عقوبة على أهل الفن أو المطالبة برفع قضايا على الافلام و الفنانين ومنع عرض الافلام !
كل ذلك عاد بنا لذكرى محاولة اغتيال نجيب محفوظ وتطاول أحد أعضاء البرلمان ايضا من سنوات ضد رواياته وأفلامه ! بل واغتيال فرج فودة واستقالة الراحل جابر عصفور من منصب وزير الثقافة عام ٢٠١٤ ورحيل نصر حامد أبو زيد عن البلاد بعد تكفيره و المطالبة بالتفريق بينه وبين زوجته -و من كفره كفر بعد ذلك بسبب كتابه ( أبي آدم ) - كذلك التحقيق مع المبدع الراحل (ابراهيم اصلان ) بعد نشر السلسلة التي كان يرأسها بوزارة الثقافة لرواية ( وليمة لاعشاب البحر ) للكاتب السوري ( حيدر حيدر )، فقد أعاد المشهد الحالي بالفعل لذاكرتنا كل تلك الجرائم و الآثام لتطفو على السطح من جديد، كما أعاد المشهد ايضا لذاكرتنا مطالباتنا بضرورة حل ما تبقى من الاحزاب الدينية وتعديل المادة الثانية من الدستور كي لا تتكئ عليها تلك الأحزاب وكي لا يتكئ عليها الغوغائيون و الرجعيون و الظلاميون والديماغوجيون لمهاجمة السينما والفن والثقافة والقوى الناعمة في مصر والتي هي من ركائز الدولة في خطتها للتنمية المستدامة ٢٠٣٠ .