سليم اللوزي: تواصلت مع مهربين لأنجز رواية «زبد أحمر» (حوار)
ينتمي الروائي اللبناني الشاب سليم اللوزي إلى مدينة طرابلس عاصمة محافظة الشمال. هناك نشأ وكبر، ولذلك ربما، نرصد في رواياته القضايا والهموم التي يعيشها المواطن اللبناني بشكل عام، وأهل الشمال خاصة.
وفي روايته الأخيرة "زبد أحمر" الصادرة عن دار هاشيت أنطوان في 2019.. طرح اللوزي مأساة الهجرة غير الشرعية عبر 6 حكايات للبنانيين قادمين من الشمال، حمل كلٌ منهم همه أو حلمه وألقاه في البحر في محاولة لعبور الأبيض المتوسط والوصول إلى إيطاليا.
إلى جانب "زبد أحمر"، أصدر اللوزي روايتين هما "ذبائح ملونة" و "خلف العتمة".
"الدستور" حاورت الروائي الشاب.. فإلى نص الحوار.
في "زبد أحمر" كتبت عن مسألة الهجرة غير الشرعية عبر البحر.. لماذا اخترت هذا الموضوع؟
عام 2013، غرق ومات العشرات من اللبنانيين، أغلبهم من أهالي الشمال. أهالي منطقتي حيث ولدت. في العبارة المتجهة من إندونيسيا إلى أستراليا. حينها كنت أعمل في قناة تلفزيونية كمعد تقارير.
أفجعني الخبر، وتعمقت أكثر بقصص الضحايا، توجهت إلى قريتهم. تعرفت على الناجين. كان المشهد مرعبًا. لماذا فعلوا ذلك؟ حينها بدأت التنقيب أكثر عن الأسباب التي تدفع بالمرء لخوض غمار البحر، حينها لم يكن المتوسط مقبرة المظلومين بعد. وقررت كتابة قصتي، وإسقاط شخصيات ومواضيع اجتماعية وقصص عن الحب والكرة والمال والنساء والظلم وفقدان الأمل على أبطال روايتي الستة.
كتبت الرواية خمس مرات ومزقتها وأعدت كتابتها، كتبتها بكل ما جمعت من مآسي وألم على امتداد خمس سنوات من المتابعة والبحث والقراءة عن ظاهرة ركوب البحر وتهريب البشر. حتى أنني تواصلت مع أحد المهربين، كي أفهم كيف تتم الأمور، كي تبقى الأحداث واقعية. طلبت منه تهريبي من لبنان إلى إيطاليا. شرح لي كل التفاصيل وكيف ستتم العملية. قبل أن أقول له إنني أخاف الغرق وامتنع عن التواصل معه مجددا! لقد حصلت على ما أريد لاستكمال عناصر الرواية.
في البداية كانت الرواية مجرد قصة تروي ماذا حدث ويحدث. ولكن مع مرور الأيام، فاض المتوسط بجثث البشر الهاربين من واقعهم، بحثًا عن الأفضل، فزاد الحمل فوق كتفي. محزن أن ترى أحداثًا اختلقتها من خيالك قبل أربعة سنوات في روايتك، تحدث بعد حين. هذا ما قرأته في تقرير أعد عن شاب لبناني فشل في الهرب وعائلته عبر البحر، وحين مات ولده على القارب. دفنه في البحر. تمامًا كما فعلوا على متن قاربي!
كنت أحاول أن أكتب الفاجعة، كي أخفف وطأة المشهد في خيالي.
تبدو دوافع أبطال "زبد أحمر" للهجرة، متباينة.. كالفقر، وقمع المجتمع للفتيات أو الجري وراء أحلام شخصية كاحتراف كرة القدم.. هل حرصت على جعل تلك الدوافع متباينة ونأيت عن وضع "دافع جمعي يطال الجميع" كالحرب الأهلية مثلًا أو الاحتلال بغرض تنويع حكايات شخصيات الرواية؟
الغرض كان عرض مشاكل اجتماعية/ثقافية/أحلام الشخصيات على امتداد حياتهم. فتجد التوأم المثلي وغير المثلي، وتجد عاشق الكرة الحالم بإيطاليا كحاضنة، ومعدّ البيتزا، وعاشق مونيكا بيلوتشي، والعائلة الكبيرة الساعية إلى النجاة. هكذا هي في المشهد الخارجي. ولكن كلهم في الهم أولاد قرية.
يعيشون في بواطنهم مأساة واحدة، العزلة والحرمان والمجتمع والتقاليد وغياب الأمل. بواطن الأمور معقدة أكثر من الثياب التي ارتدوها في ظاهر المشهد. باختصار، أحلامهم عابرة إذا أمعنت التفكير بها. هل تستحق "مونيكا بيلوتشي" مثلًا ركوب البحر؟ أو فريق اليوفي؟ أو حتى مهارات تحضير البيتزا؟ كلها أوهام تعلقوا بها كي يهربوا من الحقيقة. من واقعهم الذي عايشوه. حينها، يصبح كل شيء مباحًا، السرقة، الكذب، تهديد مستقبل العائلة، الهرب، الاحتيال، المعاشرة الجنسية.. كلهم ضحايا شهواتهم وهواجسهم وحاضرهم.
اخترت تقنية تعدد الرواة.. لماذا؟ هل كانت الرواية لتفسد حال استخدمت تقنية أخرى مثل الراوي العليم مثلًا؟
الراوي العليم، صاحب صوت واحد. هذا لا ينفع هنا. لكل بطل هدفه وحلمه، وأسبابه. والراوي العليم سيفسد الرواية. يجب لكل شخصية أن تروي، أن تبني نفسها، أن تصف حالها، أن تخبرك ما لا يستطيع الراوي العليم إخبارك به. كانت الشخصيات الست تأكل وتعيش وتشرب معي على امتداد خمس سنوات من الكتابة. في منزلي القديم، رسمت الشخصيات وكتبت مزاياها على الجدران. كتبت متلازماتهم وصرت أطالعها أثناء تجولي. لقد عاشوا معي واحدًا واحدًا. سمعت أصواتهم في داخلي، فكتبتهم بحب.
هذا في الظاهر، وفي الباطن، هناك نوع من التحدي ولد في داخلي، هل تستطيع يا سليم كتابة ستة قصص في قصة واحدة؟ أن تكتب بلسان الشخصيات الست على اختلافاتهم دون الوقوع في فخ أنك الراوي. كتبت الحوارات والشخصيات ووقفت أمام المرآة أقرأ كل شخصية بصوتها، أقوم بحركاتها. أتهجى الكلمات مثل باجيو. أقولها بخوف مثل ناجي. أقولها بغضب مثل أبو حسن. في هذه الرواية زرعت عائلتي التي خلقتها وتركتها بين الصفحات، كي تعيش مع القارئ.
يبدو الواقع اللبناني والعربي بكل تجليات الفقر والفساد والعنف فيه المحرك الرئيسي لكتاباتك مثل "زبد أحمر" و "خلف العتمة" و"ذبائح ملونة".. ألا تفكر في كتابة أعمال مفارقة للواقع.. فنتازية مثلًا؟
لكل منا ما يرويه، ولكل منا ما يراه. أنا أؤمن بهذه النظرية. أن لا أحمّل الشخصيات قضايا، أنا أكتب عن القضايا فيهم. فهم عابرون في أفكار تعصف في خاطري. يحملون ما أراه للقارئ وتنتهي القضية. لدي نصوص لم تنشر فيها خيال بحت، بعيدة عم الواقع. وهي قصص قصيرة، تكتب وتوضع على جنب إلى يوم ولادتها. لدي قصص كتبت من عشرة سنوات، أطورها كلما عدت إليها تماشيًا مع تطور لغتي ومفرداتي وخيالي. ولدي قصص كتبت قبل أيام، ولدي مشاريع قصص وأفكار لم تكتمل. أنا أحمل العديد منها في رأسي فقط. وسأضعها على الورق قريبًا. أظن أن روايتي المقبلة، والتي أشرع بكتابتها اليوم، ستكون منفصلة عن الواقع العربي واللبناني. شيء من أوروبا الشرقية.
أين سليم اللوزي من كتابة القصة القصيرة؟
هنا. بين القصص غارق. لقد كتبت حوالي ٢٥ قصة قصيرة لم أنشر منها على مدونتي إلا 5 أو 6 لكنها هنا في ملفاتي على الحاسوب. أكتبها وأضعها بحنان على جنب. كي تجتمع مع شقيقاتها في أعمال قصصية قريبًا. أنا الآن بصدد التحضير لمجموعة قصصية، وفي نفس الوقت، أخط الصفحات الأساسية في روايتي الرابعة. أنشأت قبل أيام مدونة بعنوان "معطف غوغول"، وأنشر عليها بعض الأشياء كتدريب على الكتابة. على أن تنضم هذه القصص إلى مجموعات سترسل في نهاية المطاف إلى دار النشر. وتحديدًا إلى "دار هاشيت أنطوان / نوفل"، التجربة الأخيرة معهم كانت الأفضل والأكثر احترافية على الإطلاق.
سمعنا أنه جارٍ تحويل رواية "زبد أحمر" إلى عمل درامي.. حدثنا عن التفاصيل.
في اتصال مع الممثل والكاتب الدرامي ادمون حداد، وهو صديق قديم، تناقشنا في الرواية التي كان قد قرأها مؤخرًا. وقال لي: "تعال نسلسلها"، لم أفهم القصد في البداية. ولكن شرح لي أنه متحمس إلى تحويلها إلى سلسلة حلقات، وأنه لديه أبواب مفتوحة مع منصات العرض الأكثر شهرة اليوم، على أمل أن تنال موافقتهم. نحن اليوم نعيد صياغة الحلقات ونسلسلها. قد نواجه مقص الرقيب أو طلبات في التعديلات أو الحذف، فإحدى الشخصيات مثلية الجنس، وهذا يعد للأسف في عالمنا العربي من المحرمات. سأدافع عن شخصياتي بالطبع، وسنتبع أسس درامية. على أمل أن ننجح في إقناع المنتجين ومنصات العرض بتلقفها. أما إذا تلقفتها إحدى منصات العرض الأجنبية، فأعتقد أن الشخصيات لن تخضع لمقص الرقيب. من يعرف.. سنتتظر ونرى، ولكن الأكيد، أن الرواية تتسلسل لتصبح مسلسلًا. إن حالفها الحظ طبعًا.
تعمل في الإعلام ضمن فريق قناة "الحرة".. كيف ترى العلاقة بين العمل الإعلامي والأدب؟ هل يعرقل أحدهما الآخر أم ينميه؟
عالمان مختلفان.. دائمًا ما أقول في قرارتي نفسي، الوظيفة التي أعمل بها، وأحبها كثيرًا، هي مصدر الرزق. أما الأدب، فهو حبوب الدواء المضاد للجنون. أنا أكتب كي لا أصاب باللوثة، وأحافظ على ما بقي من دماغي.
ماذا عن مشروعك الأدبي القادم؟
العمل الأدبي المقبل كبير، مختلف عن كل ما قدمته سابقًا. تقع أحداثه منذ زمن بعيد في أوروبا الشرقية، فيه كل ما ورثته من غوغول ودوستويفسكي وبولغاكوف وتولستوي من إرث في داخلي. فيه البرد القارس والحب الجميل والظلم المطبق والزمان الغابر. أنا في علاقة حب قاتلة مع العمل الجديد. أحبه كثيرًا وأعيد قراءة ما كُتب منه عدة مرات.
وبالوقت عينه، أكتب مجموعة قصصية، علاقات بيني وبين الأشياء والكائنات الأخرى. أعتقد أن المجموعة القصصية ستصدر قبل الرواية.