صابر عرب: الناقلون للتراث بلا وعى جعلوه عبئًا على الناس
قال الدكتور صابر عرب وزير الثقافة الأسبق، خلال مناقشة كتابه "بين الثقافة والسياسة"، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن محور كاتب وكتاب: رغم حجم الكتاب الضخم إلا أنني فضلت عدم نشر كثير من الموضوعات، والتي تحمل أفكار صادمة قد تثير الجدل الفكري في مرحلة لا تستوجب هذا.
وعن كواليس التحضير للكتاب، تابع عرب: “عندما كنت باحثا في دار الكتب، وجدنا أوراق الدكتور طه حسين، والتي كان الدكتور محمد حسن الزيات قد أهداها إلى الدار. في هذه الفترة فكرنا في دار الكتب أن ننشر هذه الأوراق لأهميتها، وبالفعل بدأت برفقة الدكتور أحمد زكريا في العمل علي هذه الأوراق، ووجدنا من بينها رسائل من الدكتور طه حسين إلي أصدقائه وزملاءه، ورسائل منهم إليه”.
وأردف الدكتور صابر عرب: من هذه الرسائل التي كانت تحويها أوراق الدكتور طه حسين، وجدنا أول رسالة منه إلي الشيخ مصطفي عبد الرازق وقال فيها: "أكتب إليك من باريس وما أدراك ما باريس، حيث نعيش في بلد يعيش فيها الشيخ محمد المطيعي الذي لو ألقيناه من فوق برج إيفل لأنجس المدينة كلها". ويبدو من هذه الرسالة أنها شخصية جدا ولا يجوز نشرها، ولم ننشرها بالفعل.
رواد التنوير ومفكري النهضة المصرية
وعرج وزير الثقافة الأسبق الدكتور صابر عرب، بالحديث حول بوادر النهضة الفكرية المصرية التي إنطلقت في عشرينيات القرن المنصرم، مشيرا إلى أن أسماء الأعلام منها: الدكتور طه حسين، أحمد لطفي السيد، محمد عبده، توفيق الحكيم، كل هذه السلسلة الرائعة من الرواد الذين أسسوا الفكر المصري الحديث، مازالت أفكارهم قائمة وموجودة بيننا رغم غيابهم، وغياب من وقفوا ضدهم ثاروا ضد أفكارهم.
وأضاف عرب: ويبقي الشيخ محمد عبده ذا العقلية الواعية والفاهمة لكل قضايا التراث، حيث فسر التراث تفسيرا نقديا عقليا، وأكثر مفكر ربط بين الدين والفكر، حتي في قرائته وتفسيره للقرآن، انحاز إلي التفكير العقلي، فيما فيه مصالح الناس، توجد الشريعة ومقاصدها. وبالرغم من الهجوم الشرس الضاري الذي تعرض له الشيخ محمد عبده، حتي أن المخالفين له والرافضين لأفكاره أسسوا جريدة خصيصا للهجوم عليه، والنيل منه، حتي أنهم كانوا يتخذون من استضافته للأجانب في منزله منطلق للهجوم عليه، وترويج الشائعات حوله.
كان الشيخ محمد عبده صاحب أول مشروع إصلاح للأزهر، وعندما اشتد عليه الهجوم، فما كان منه إلي أن قدم استقالته من الأزهر وجلس في بيته ومات كمدا وغيظا بعدها بأسبوعين.
وعلي المنوال نفسه كان مصير الشيخ مصطفي عبد الرازق، ففي جلسة عاصفة في الأزهر استمرت لمدة ثلاث ساعات، هوجم الشيخ مصطفي عبد الرازق، رغم أنه كان ينشد الإصلاح في الأزهر، سواء إصلاح الإدارة والفكر، وكانت هذه الجلسة في شهر رمضان، إلا أنها انتهت بتقديم الشيخ مصطفي عبد الرازق استقالته أيضا، وجلس في بيته ليموت بعدها أيضا كمدا وغيظا، بعد هذه الجلسة العاصفة.
ولفت عرب إلي ما يجمع بين الشيخ عبده والشيخ مصطفي عبد الرازق أن الاثنين أنفتحا علي العالم وعلي الآخر، فالشيخ محمد عبده درس الفلسفة في السربون، واختلط بالعديد من المفكرين والكتاب والمستشرقين والرحالة، وكذلك الشيخ مصطفي عبد الرازق.
وشدد عرب: كل الذين دافعوا عن القضايا التنوير والفكر، لاقوا هجوما ضاريا شرسا بقدر ما أحدثوا من حراك في الحياة.
أهمية دراسة الفلسفة في العلوم البحتة
يضم كتاب "بين الثقافة والسياسة" مجموعة من الدراسات التاريخية والفلسفية والفكرية المختلفة، ورغم دراستي للتاريخ إلا أنني اكتشفت أنه كان يجب علي دراسة الفلسفة التي أصبحت أميل إليها أكثر من التاريخ. وعلي دارس التاريخ لابد له من دراسة الفلسفة، وأن يكون مؤهلا بالدراسات الفلسفية والفكرية، فخلو التاريخ من دراسة الفلسفة جعله يخرج من قيمته العلمية، ويتحول إلي مجرد سرد للأحداث والوقائع، فلا توجد لدينا مدرسة لنقد التاريخ كما في العلوم البحتة الأخري.
وأكد عرب علي أن الناقلون للتراث بلا وعي جعلوا التراث عبء، وعلي من يتعرض للتراث أن يقترب منه ويتشابك معه بوعي وفهم وعقل، أو كما قال الشيخ محمد عبده: "ما يتعارض مع العقل، يتعارض بالضرورة مع النص"، وعندما رد عليهم : حتي ولو كان القرآن، فرد الشيخ محمد عبده: إنك لم تفهم النص القرآني.
وكان تفسير الشيخ محمد عبده للدين في ضوء فهم مقاصده، فالقرآن لا يقرأ آية آية، ولا سورة سورة، إنما في إطار مصلحة فحيث تكمن مصلحة الناس يتحقق الشرع. لذا كل من أناروا حياتنا الفكرية درسوا الفلسفة والتي للأسف لم تعد تدرس في بعض التخصصات. ولو جاز لي أن أقول لقد تأثرت كثيرا بالشيخ محمد عبده وأعيش عصره، الذي قدم إسلاما مختلفا يتسم بالوعي ورؤية متقدمة للفن والعلم والعلاقات الاجتماعية.