عن السينما وأحوالها «2-3»
من الصفحات المهمة والمثيرة فى تاريخ علاقة الدولة بالسينما تجربة القطاع العام، وعلى الرغم من قِصَر عمر هذه التجربة، «١٩٦٣- ١٩٧٢»، إلا أنها ما زالت مثار جدل كبير بين المثقفين بشكلٍ عام، وأهل السينما بوجهٍ خاص، ناهيك عن استثمار هذا الجدل فى الصراع السياسى بين مؤيدى ومعارضى يوليو.
فى الحقيقة أنه فى عام ١٩٦٣ حدث تحول كبير، إذ تم تغيير المؤسسة المصرية العامة للسينما، التى كان يقتصر دورها على الدعم والرعاية وتنشيط سوق السينما، إلى إنشاء المؤسسة المصرية العامة للسينما والإذاعة والتليفزيون، وصاحب ذلك إنشاء أربع شركات، اثنتين للإنتاج، وواحدة للاستديوهات، والرابعة للتوزيع والعرض، وبعد ذلك تم إنشاء شركة خامسة هى القاهرة للسينما، وتم فصل شركة التوزيع عن العرض.
ومن أهم الدراسات عن تجربة القطاع العام فى السينما رسالة الدكتوراه لدرية شرف الدين عن السياسة والسينما فى مصر «١٩٦١- ١٩٨١».. وانتهت درية شرف الدين فى رسالتها إلى انتقاد هذه التجربة، وأبرزت تأثيرها السلبى فى تاريخ السينما المصرية بوجهٍ عام، كما أشارت إلى الانتقائية فى الإنتاج ومحاباة بعض السينمائيين، وإبعاد وتهميش بعضهم الآخر، وفقًا لتوجهاته السياسية وعلاقته بالدولة.
ومن الدراسات المهمة أيضًا فى هذا الشأن دراسة هاشم النحاس التى انتقد فيها التجربة بشكلٍ عام، مع عدم إنكاره الأفلام المهمة التى أنتجها القطاع العام، أو «ما ضخه القطاع العام من دماء جديدة بإتاحة فرصة العمل لمجموعة كبيرة من الشبان المبدعين».. لكن هاشم النحاس يدعو إلى معالجة المسألة بعيدًا عن الأيديولوجيا، ويرى أن ما أصاب تجربة القطاع العام من فشل لم يكن فقط بسبب سوء الإدارة أو الخلل الاقتصادى، بقدر ما كان يرجع إلى النظام نفسه الذى يحكم العلاقة بين السينما والدولة.
وعلى الجانب الآخر، تأتى دراسة على أبوشادى عن تجربة القطاع العام فى السينما فى صالح التجربة بشكلٍ عام، ويشير «أبوشادى» إلى البُعد الأيديولوجى فى المسألة: «تعرض القطاع السينمائى لسهامٍ كثيرة طائشة كانت تقصد النيل من التجربة الاشتراكية فى عمومها.. وقد بدأت إرهاصات الحملة المنظمة والمُخَطَّطة مع بدايات عام ١٩٧١، وفور تولى أنور السادات السلطة بعد رحيل عبدالناصر فى نهاية عام ١٩٧٠».
ويشير «أبوشادى» إلى سوء إدارة الوزير عبدالقادر حاتم التجربة، واتباعه سياسة الكم فى مقابل الكيف، بينما يُشيد بإدارة الوزير ثروت عكاشة التى كانت تعتمد سياسة الكيف.. كما يركز «أبوشادى» على أهمية تعليمات عبدالناصر شخصيًا- كراعٍ للفن- فى ضرورة الاستمرار فى الإنتاج، حرصًا على تشغيل الفنانين والفنيين، والعمل على استعادة الفنانين الذين هاجروا إلى لبنان.
ويشير الناقد الأمير أباظة إلى نقطة أخرى، وهى أن أكثر من ثلاثين فيلمًا من إنتاج سينما القطاع العام احتلت مكانها بين قائمة أفضل مائة فيلم مصرى فى تاريخ السينما المصرية.
وفى منطقةٍ وسط يقف صلاح عيسى، فهو يرفض التقييم السلبى لتجربة القطاع العام لأنه يخفى الإيجابيات، ومنها ارتفاع نسب الأفلام المتميزة التى أنتجها، لكنه يدعو إلى النظر إلى التجربة على أنها أصبحت تاريخًا، وأن التجربة انتهت وغير قابلة للعودة للحياة: «فلا مصر اليوم اشتراكية، ولا القطاع العام فى الاقتصاد قائم».. ويدعو صلاح عيسى إلى دور للدولة فى مجال الثقافة بشكلٍ عام، ومجال السينما بوجهٍ خاص. لكن هذا الدور من وجهة نظره: «لا يمكن أن يكون عودة للقطاع العام السينمائى، بل العودة إلى سياسة التوجيه عن بُعد التى كانت الدولة تتبعها بالجوائز السينمائية التى تدعم الأفلام المتميزة، وبالدعم المباشر لإنتاج أفلام من مستوى رفيع تشكل منافسة للأفلام التجارية، وبالدخول فى مجالات الإنتاج التى يعزف عنها القطاع الخاص مثل الأفلام التسجيلية وأفلام الرسوم المتحركة».