بهجة منير مراد.. فى مئويته
فى مطلع التسعينيات تولى أحد الصحفيين الكبار مسئولية تحرير إحدى المجلات الأسبوعية العريقة، وارتفع التوزيع على يديه بسبب طريقته «أو مدرسته» التى تروق لقطاع عريض من الجمهور، خرج أحد الأعداد مستهدفًا السيدة ليلى مراد المطربة المصرية العظيمة وواحدة من أجمل وأرق مَن غنى على كوكب الأرض، بالطبع كانت هناك محاولة فجة للربط بين ديانتها اليهودية السابقة وبين علاقة لم تحدث مع إسرائيل.
كانت تربطنى علاقة طيبة بالصحفى المشهور دفعتنى لكتابة رد يليق بمحبتى لصاحبة «يا رايحين للنبى الغالى» رفض نشره، ربما بسبب الحدة التى كتبت بها فى المقدمة، وربما لأسباب تخصه وحده.
كان الأستاذ الكبير رجاء النقاش قد تولى رئاسة تحرير مجلة الكواكب حديثًا، ذهبت إليه ومعى الرد، طلب منّى تغيير المقدمة وتجاهل المجلة التى نشرت التشهير، وقال لى «تعالى نقول للناس كلها إننا بنحبها»، وقد كان.
احتلت الراحلة الكبيرة غلاف المجلة بعنوان المقال، وبين الحين والآخر يحاول البعض النيل من ليلى مراد، ووالدها زكى مراد، ومُعلمها داود حسنى، وشقيقها منير مراد، على اعتبار أنهم يهود، هم يعرفون أنهم لم يعرفوا وطنًا آخر غير مصر، وأثروا فى وجدان بلدهم بإبداعهم المصرى العربى الشرقى الجميل.
أحسنت دار الأوبرا المصرية عندما قررت تنظيم احتفالية كبرى بمئوية منير مراد بعد غدٍ الجمعة، تحييها فرقة الموسيقى العربية بقيادة المايسترو محمد الموجى، يتضمن البرنامج المعلن مجموعة من الألحان التى تعد من العلامات البارزة فى تاريخ الموسيقى العربية، منها: «أوبريت قاضى البلاج، شفت بعينى، ابعد يا حب، يا طبيب القلب، فارس أحلامى، أنا وحبيبى، شغلونى عيونه، رحالة، يا مصر قومى وانهضى».
ومنير مراد، الذى أشهر إسلامه، موهبة استثنائية لم تنل من التكريم والاهتمام النقدى ما تستحق، فهو فنان متعدد المواهب، إلى جوار التلحين عمل فى السينما كعامل كلاكيت فى بداياته، وكمساعد مخرج فى ٢٤ فيلمًا، وأسندت له البطولة فى عدد من الأفلام أشهرها «نهارك سعيد»، ولكن مشروعه الكبير فى التلحين، الذى حاول فى البداية من خلاله تقديم موسيقى الجاز التى كانت رائجة فى الغرب، ولكن المزاج المصرى لم يتفاعل معها، وكانت بدايته الحقيقية مع شادية فى أغنية «واحد اتنين» التى فتحت أمامه الأبواب.
شرب الموسيقى من مشارب عدة، فهو ابن زكى مراد ذائع الصيت ابن مدرسة القرن التاسع عشر الموسيقية، وهو تلميذ نجيب لموسيقى محمد فوزى الرشيقة البسيطة المدهشة، وتلميذ لمحمد عبدالوهاب صاحب المغامرات اللحنية الكبيرة، وهو غير بعيد عن حس موسيقى الحى القاهرى التى أبدع فيها كثيرون على رأسهم عبدالعزيز محمود، إلى جوار ارتباطه بموسيقى الجاز، هذه العجينة التى تكونت، بالإضافة إلى الصفاء النفسى، صنعت منه الملحن الذى ارتبط اسمه بالبهجة، وليس مستغربًا أن تكون ألحانه لشادية نموذجًا للخفة والرقة والبساطة، لأنهما معًا يريدان أن يغنى الناس معهما، من منّا ينسى «إن راح منك يا عين، ألو ألو، اوعى تسيبنى، اسم الله عليك، الدنيا مالها؟ تعالى أقولك، حاجة غريبة، دور عليه، سوق على مهلك، شبك حبيبى، ما أقدرش أحب اتنين، يا سارق من عينى النوم، يا دبلة الخطوبة، يا دنيا زوقوكى، يا حبيبى عود لى تانى، مش قلت لك يا قلبى» وغيرها من الألحان.
وقدم مع عبدالحليم حافظ «تعال أقول لك، حاجة غريبة، إحنا كنا فين، ضحك ولعب، وحياة قلبى وأفراحه، بكرة وبعده، بأمر الحب، بحلم بيك، قاضى البلاج، أول مره تحب يا قلبى»، هذا بخلاف كل الدويتوهات التى غناها حليم مع شادية فى أفلامه، باستثناء لحن «احتار خيالى» لحسين جنيد، ولحن أوبريت لحن الوفاء لرياض السنباطى.
لحّن منير مراد، المولود فى ١٣ أبريل ١٩٢٢ «وكان اسمه موريس»، أكثر من ٣٠٠٠ أغنية، وتغنت بهذه الألحان أعظم الأصوات، مثل «شغلونى عيونك» لفايزة أحمد، «يعنى وبعدين» لنجاح سلام، «آه من الصبر» لشريفة فاضل، «غلاب الهوى» لمها صبرى، «من يوميها» لوردة الجزائرية، «أنا أحبك» لعايدة الشاعر، «ابعد عن الحب» لعادل مأمون، «شفت الحب» لمحرم فؤاد، «كعب الغزال» لمحمد رشدى، «تسلم لقلبى» لهدى سلطان، «ابعد يا حب» لعفاف راضى، رحل الفنان الكبير فى ١٧ أكتوبر ١٩٨١ عن عمر ٥٩ عامًا، ولم يحضر جنازته سوى ثلاثة أشخاص.. لأن مصر كانت مشغولة بجنازة الرئيس الراحل أنور السادات.